هذه الصورة ربما تعكس جزءاً ضئيلاً مما جرى لدى اقتحام الإرهابيين لمنطقة جبل الكورد (جيايى كورمينج -عفرين) في ظل جيش الاحتلال التركي كقوى مساندة له ومستعدة للقيام بما كل تؤمر به من سلبٍ ونهبٍ لممتكلكات الكورد الذين آووا من قبل مئات الألوف من النازحيين السوريين من مناطق أخرى وعاملوهم معاملةً أشقاء وأخوات، وإذا كانت نوايا المنتسبين للتنظيمات المعروفة بتطرّفها وإرهابها الإثراء على حساب الشعب الكوردي، وهم يتصورون أنفسهم في حرب “أنفال” في هذه المنطقة الكوردية، على غرار ما جرى في اقليم جنوب كوردستان إبان عهد صدام حسين الذي أخرجه الأمريكان من جحر وهو القائد العربي الأعظم في تاريخ العرب الحديث، فإن نوايا الأتراك من دفع هذه التنظيمات الخطيرة لهذه الحماقات الكبيرة كانت ذات هدفين أساسيين، إضافةً إلى أهداف تتعلّق بالطموح التركي في لعب دور المشرف على ساحة الشمال السوري، وهذان الهدفان هما:
– القضاء على كل القوى الكوردية، الديموقراطية والوطنية، في منطقة عفرين، المطالبة بالحقوق القومية الكوردية ضمن إطار الدولة السورية، مهما كانت هذه الحقوق ضئيلة ومحدودة، وذلك بزعم أن هذا سيكون خطراً على الأمن القومي التركي.
– البدء بالتغيير الديموغرافي للمنطقة الكوردية، في خطة واسعة تشمل كل المنطقة الكوردية في شمال سوريا، من جبل الكورد في غرب البلاد إلى حدود العراق، وذلك بإسكان التركمان والعرب عوضاً عن الكورد، في خطوةٍ من خطوات ما يسمى ب”الهلال التركماني” الذي يسعى الطورانيون إنشاءه من كركوك عبر تلعفر والموصل، مروراً بالجزيرة وكوباني إلى منطقة اسكندرون في شمال غرب سوريا، تلك التي احتلها الأتراك وتم ضمها إلى بلادهم بموافقة فرنسية استعمارية، وتخلى عن المطالبة بها الرئيس السوري حافظ الأسد فيما بعد، بل تم حذف لواء اسكندرون من الخارطة السورية، وهي منطقة استراتيجية، أخصب وأوسع وأغنى من منطقة الجولان.
من هنا تأتي أهمية منطقة عفرين في السياسة السورية لحكومة حزب العدالة والتنمية التركية وللرئيس رجب طيب أردوغان الذي ربما لازال يظن أن بإمكانه الرقص على الحبلين في آنٍ واحد: إظهار نفسه كداعمٍ لما كان يسمى ب”الثورة السورية” وانتزاع ما يمكن انتزاعه من الأراضي التي لازالت تعتبر من ناحية القانون الدولي أراضيَ سورية. كما يعتقد أن بإمكانه اللعب على حبلين دوليين في الوقت ذاته: الاستمرار في العلاقة مع الروس وشراء ما يريده من أسباب القوة العسكرية من روسيا والصواريخ الحديثة خاصةً والبقاء كحليف ضمن حلف النيتو الذي هو في صراعٍ استراتيجي عنيف أو في حربٍ باردةٍ جديدة ضد روسيا والصين.
لقد تمكّن السيد أردوغان من الاصطياد في الماء العكر نتيجة تشعبات وتداخلات وتناقضات الفصائل العسكرية المقاتلة ضد نظام الأسد وكذلك فيما بين القوى السياسية السورية من خلافاتٍ حادة، ونتيجةً لمجمل الأوضاع السورية الناجمة عن تدخل الروس والأمريكان والإيرانيين والكثير من المنظمات الإرهابية التي منها ما تشكّل على الأرض السورية وتم دعمها وإمدادها من قوى اقليمية ودولية، بل ومن النظام ذاته، واستطاع الرئيس التركي من أن يقنع بعض رجال الدين العرب والتركمان لإصدار “فتوى شرعية” تنص بوضوح على الحق في السلب والنهب والسبي في المنطقة الكوردية، وهذه الفتوى التي لم يصدر من علماء المسلمين حتى الآن أي رد فعل مخالف لها كانت بمثابة “رشوة” لهذه التنظيمات لتقوم بما لم يقم به الرومان في بلاد الهون ولا البريطانيون في سكوتلاندا ولا الفرنسيون في مستعمراتهم ولا النازيون في بولونيا… حيث أساءت هذه التنظيمات بممارساتها وسلوكها ضد المواطنين الكورد وممتلكاتهم إلى المعارضة السورية ولطخت سمعة السوريين بأفعال شنيعة منها التمثيل بأجساد المقاتلات الكورديات والنزول إلى أحط الدرجات في السلب والنهب، حتى الاستيلاء على الدجاج وانتزاع مستلزمات المراحيض، وقاموا بانتهاكات تعتبر خروقاً فاضحة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية، وهي تتستّر بهذه الفتوى التي ستعلّق في رقاب من أصدرها يوم الحساب إن شاء الله إن لم يتم فضحهم في هذه الدنيا أمام العالم أجمع.
بدأ السيد أردوغان يشعر بأن المكان الذي كان يأمل في الاحتفاظ به في سوريا يضيق، وأن العالم الخارجي يدرك الآن جيداً ما سر هجومه على المنطقة الكوردية عفرين وما هي نواياه التي تصطدم بحقيقة أن المعارضين العرب السوريين لن يوافقوه في نهاية الأمر على ضم هذه المنطقة الكوردية لتركيا، وأنهم يستغلون فرصة تواجدهم في تركيا لصالحهم لا من أجل تركيا، فإن عفرين لا زالت سورية في نظرهم، ولذلك فإنهم لن يدعموا خطة “الهلال التركماني” للسيد أردوغان. ومن ناحية أخرى رأى أردوغان أن مصالحه المؤقتة مع روسيا ستجعله يدفع ثمناً باهظاً لحلف النيتو، ولربما التصاقه بالسيد بوتين وتعاونه مع ملالي إيران قد يخرجانه من حلف النيتو، في الوقت الذي تزداد وتتوسّع المعارضة الداخلية لسياساته وحكومة حزبه، لأسبابٍ عديدة من أهمها انهيار العملة التركية في ظل رئاسته، ولذا فإنه لا بد وأن يتخلّى عن دعمه المطلق للتنظيمات المتطرّفة والإرهابية في شمال سوريا حتى ينقذ نفسه من تهمة دعم الإرهاب في المنطقة، وبخاصة فإن الإدارة الأمريكية متشددة في الحرب على الإرهاب وأنها ليست مثل إدارة الرئيس السابق باراك حسين أوباما المتواطىء مع إيران والمتحالف مع تركيا.
لذلك، فإن الفصائل التي قامت ولازالت تقوم بالسلب والنهب ستكون هي الأكبر خسارة من تواجدها في المنطقة الكوردية التي تعرّضت عبر العصور إلى العديد من الغزوات والاحتلال، إلا أنها قاومت وصمدت وتخلّصت منها بالكثير من التضحيات الجسام، والكورد معروفون بقدرتهم على القتال والمقاومة، فهم “قرون الحديد، أولو البأس الشديد” … وإذا كانوا اليوم هم الضحية لغزوة مشتركة من غزوات الجيش التركي العرمرم يتبعه ما يزيد عن 25000 مقاتل عربي وتركماني ومن إرهابيي العالم، ويعانون الآن من شرور هؤلاء الهمج ومن ممارساتهم القذرة التي ستكون وصحة عارٍ في جبين المعارضة السورية وزعمائها الحاقدين على الكورد، إلاّ أن الضغط الأمريكي ولربما الروسي أيضاً، إضافة إلى التنديد الدولي الكبير لسياسة أردوغان في سوريا سيرغم الجيش التركي على الانسحاب من منطقة عفرين، مما سيمهّد الطريق أمام الكورد لإعادة تجميع قواهم وترتيب بيتهم القومي والشروع في الكفاح العادل من أجل أرضهم وممتلكاتهم وأعراضهم وكرامتهم الإنسانية. وليس من أجل مشاريع أممية خيالية، ولن تجد كوردياً واحداً يقف ضد هذا الكفاح المشروع بالتأكيد، سوى حفنة من الخونة الذين تجد أمثالهم في كل شعبٍ أوقوم.
ولذا، على المقاتلين السوريين الأصلاء الذين خرجوا من أجل إنقاذ وطنهم، المدافعين عن شعبهم وحريته وكرامته حقاً، أن يتخلوا عن الذين يسعون لتعميق الشرخ بين العرب والكورد ولضم عفرين إلى تركيا ، بعد الذي رأوه من انتهاكات وخروقات لحقوق الإنسان وبعد تأكدهم من أن تنظيماتهم ( ومنها ما يسمى بالجيش السوري الحر أو الجيش الوطني) ترتكب جرائم ضد الإنسانية وضد حق المواطنين الكورد في العيش على أرضهم وفي قراهم والعمل في مزارعهم التي ورثوها أباً عن جد. فأين هم أحرار سوريا؟ وأين هم طلاب الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان السوريين؟
(( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ سينقلبون ))