.
يبدو أن بين مصير قائد تنظيم داعش أبوبكر البغدادي، ومصير قائد الإرهاب الحديث أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، الكثير من نقاط التشابه، بدءًا بكونهما مؤسسين لتنظيميهما، إضافة إلى تصدّر كل منهما قوائم المطلوبين الإرهابيين في العالم، والسعي إلى إقامة “خلافة عالمية” كل وفق تصوّره الخاص، وأخيرا؛ التشابه في هروبهما الكبير من وجه العدالة!
أنفقت الولايات المتحدة عشر سنوات في البحث الدؤوب عن أسامة بن لادن، حتى تم قتله في مخبئه بمنطقة “أبوت آباد” شرق باكستان، على يد فرقة كوماندوز، نفّذت عمليتها تحت جناح السرية التامة. وشكّلت وثائق أبوت آباد لاحقاً صدمة للعالم، حين أكدت أن أسامة بن لادن سكن في مخبئه ذاك لأكثر من خمس سنوات!
لم تكن أبوت آباد مجرد قرية جبلية هادئة، شمال شرقي باكستان، بل كانت تقع قريباً من أهم الأكاديميات العسكرية الباكستانية، ورغم نفي كافّة المسؤولين والجيش الباكستاني علمهم بإقامة بن لادن هناك، إلا أن حقيقة وجوده لأكثر من خمس سنوات في تلك القرية مازالت قائمة في الأذهان، باعثة الكثير من علامات التعجّب والاستفهام.
“أبوت آباد” جديدة ومطاردة طويلة
لم يقبض على نظيره الداعشي البغدادي بعد، ولكن التسريبات تتضافر نحو الاعتقاد بما يشبه “أبوت آبات” جديدة، وربما تكون هذه المرة في مكان قريب هو الآخر، من مسرح جرائم داعش الذي استمر سنوات عجاف، وعانى منه السوريون والعراقيون، خلال فترة إقامة دولة داعش بين ذلك البلدين.
ومثل ما كانت عملية مطاردة بن لادن التي انتهت بمقتله، طويلة ومرهقة، فإن مطاردة البغدادي قد تكون طويلة هي الأخرى، نظرا لتقاطع مصيره بين حدود عدة دول، ونظرا لعلاقات داعش المتطوّرة ببعض الجيران، تلك العلاقة التي مكنت التنظيم حسب متحدثين أكراد وأميركيين، من الاستفادة من تناقضات العلاقات في المنطقة خلال سنوات.
ولعلّ هنالك أسبابا أخرى، بدأت تطفو مؤخرا، يمكن تلخيصها في فقدان #البغدادي للأهمية، نظرا لانتهاء خلافته مادياً على الأرض، بعد تقويض آخر أشكال السلطة الداعشية، على يد قوات سوريا الديمقراطية، قبل أسابيع واستيلائها على آخر جيوب التنظيم في منطقة الباغوز.
فقدان الأهمية هذا ورد في تصريحات عدة مسؤولين أميركيين، ففي العشرين من مارس الماضي أكد المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة داعش العقيد شون رايان لقناة الحدث، أن اهتمام التحالف منصبٌّ على القضاء على التنظيم بأكمله، وليس فقط على زعيمه أبوبكر البغدادي، الذي أشار المتحدث إلى أنه كان يمثل رمزا معنويا للتنظيم، ولكنه لم يعد شخصا ذا أهمية أو فاعلية.
وبعد ذلك بأيام صرح المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد داعش، جيمس جيفري، معلنا أن أولوية واشنطن ومهمتها الوحيدة، هي التخلص من داعش، مشيرا إلى أن واشنطن لا تعلم أين يقيم أبو بكر البغدادي!
موضوع يهمك ? رغم انتهاء فصل الشتاء إلا أن أزمة محروقات جديدة تعصف بالعاصمة السورية دمشق منذ أسبوع، فبعدما كان يصعب تأمين مادة الديزل…مقربو الأسد يحتكرون البنزين.. وقرار جديد يقلق السوريين سوريا
وردا على سؤال عن العثور على البغدادي وهل هو أولوية لدى واشنطن، أجاب: “العثورعلى القيادة العليا لداعش، أو الجماعات الإرهابية الأخرى، أولوية دائمة لدى الولايات المتحدة” على الرغم من التقليل السابق من دوره القيادي.
أين يختبئ البغدادي؟
ليست هنالك فكرة محدّدة لدى العالم عن هروب البغدادي، ومنذ مدة ظهرت تحليلات عديدة، وتم الحديث عن مشاهدات أخرى، ومنذ تعرّضه لمحاولة انقلاب داخلية من عناصر متمرّدة داخل التنظيم، وصفهم داعشيون بـ”الخوارج”، زاد مسار تحرّكاته غموضا، ولم يعد أحد من المحيطين به على علم بأماكن وجوده، عدا ثلاثة رجال تضافرت الأقوال حولهم، ووصفوا بالدائرة المغلقة حول البغدادي، وهم: شقيقه الأكبر جمعة، وسائقه عبد اللطيف الجبوري، ومراسله الأهم سعود الكردي.
وفي العاشر من فبراير الماضي ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير تضمّن مقابلة حصرية أجراها مراسلها في سوريا مارتن شلوف بعنوان، “رأيت تنظيم داعش بعيني”، مع شاهد عيان تم تهريبه من آخر معاقل التنظيم شرق سوريا، أنه شاهد البغدادي أثناء تلك المحاولة للانقلاب عليه، من قبل مقاتلين أجانب داخل التنظيم، وُصفوا بالخوارج، وقد استمرّت المعارك خلال يومين ضد حرس أبوبكر البغدادي، قضيَ فيها على التمرّد، وقد دارت في “الكشمة”، وهي قرية تقع بالقرب من “باغوز” شرق سوريا.
ونقل كاتب التقرير عن الشاهد جمعة حمادي حمدان (53 عاما) قوله “رأيته بعيني الاثنتين”، مضيفاً: كان في الكشمة وفي سبتمبر/أيلول، حاول (الخوارج) القبض عليه، وكانت هناك معارك ضارية، وكان هناك العديد من الأنفاق بين المنازل، وكانت أغلبيتهم من تونس، كما قُتل الكثير من الناس حينها.
وقال حمدان إن “البغدادي انتقل بعدها إلى الباغوز”، موضحاً أن البغدادي وحرسه الخاص بقوا في المنطقة تقريباً 6 شهور قبل أن يهربوا منها.
وأردف “الكل كان يعلم أين يسكن أبو بكر البغدادي، وكان يتجنب الذهاب مع حراسه إلى وسط البلدة، كما كان يستخدم سيارة أوبل حمراء”.
لكن تم تقويض تلك “الدولة” ماديا، منذ تحرير الباغوز على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا، الباغوز التي كانت آخر قطعة مكونة لدولة الإرهاب المزعومة، لكنها لم تكن آخر قطعة في لغز اختفاء زعيم داعش، وخليفته الهارب.
وقد استبعد مصطفى بالي المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، أن يكون البغدادي موجودا في أي مكان من مناطق الباغوز، طارحا احتمالات كثيرة، عن هروبه إلى الصحراء في سوريا، التي تمتدّ من الحدود الشرقية مع العراق.
وتوسّعت هذه الاحتمالات بطرح أماكن أخرى، فهشام الهاشمي مستشار الحكومة العراقية وخبير في شؤون “الجماعات الجهادية” العراقية، أخبر موقع “ستريتس تايم” أن”ولاية الفرات” هي على الأرجح المخبأ الحالي للبغدادي، محدّدا الأراضي الصديقة له في مسقط رأسه، وتحديداً مدينة راوة، الواقعة على نهر الفرات، والتي كانت آخر مدينة تسقط في أيدى القوات الحكومية في نوفمبر 2017.
مفاجأة وزير نفط داعش
لكن المفاجأة الكبيرة، التي عاد مصطفى بالي المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية وفجّرها في الثامن من أبريل، بعد أن سمعها من محققين أكراد يقومون باستجواب أسامة عويد الصالح، المعروف في الإعلام بوزير نفط داعش، والذي وقع في أسر قوات سوريا الديمقراطية قبل 11 شهراً، حسب قوله، تكمن في أن البغدادي يجد الحماية أو الملاذ الآمن في المناطق السورية المحتلة من قبل تركيا، في إشارة إلى إدلب وجوارها، أو المناطق المتاخمة لها، مضيفا أن مثلثا بين الحدود التركية والمناطق المحاذية قد يكون ملجأ لأبوبكر البغدادي في هذه الأوقات.