من المعروفة الأهمية والأولوية التي كانت قد حازتها فرنسا بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية لقرون عديدة، الى حد اعتبار البابا يوحنا بولس الثاني فرنسا : “الابنة البكر للكنيسة الكاثوليكية”، اضافة الى الأهمية الدينية والمدنية للعاصمة باريس. ومن الجدير بذكره بانه الاسم الأصلي لباريس هو
Lutetia
أو
Lutetium
وقد تم تبشيرها بالمسيحية لأول مرة في القرن الثالث عندما أرسل البابا أول أسقف إلى باريس في حوالي عام 250 ميلادية، الذي سيصبح (القديس) سانت دينيس، وسيتم اعتباره شفيعًا (قديس) للمدينة
في ذلك الوقت، كان على الناس ممارسة إيمانهم في السرّ، ومع ذلك فقد استشهد بعد ذلك ببضع سنوات في منطقة باريس، والتي تعرف الآن باسم “مونمارتر” ولجأ المسيحيون أنذئذ في الاختباء لغاية أن جاء اليوم الذي أعلن فيه الإمبراطور قسطنطين السلام مع الكنيسة المسيحية في أوائل القرن الرابع الميلادي
منذ هذا الوقت السلامي كان من الممكن البدء في بناء مبانٍ وصروح مسيحية، ولكن المعلومات حول ما تم بناؤه في هذا الوقت لا تزال غير واضحة كثيرًا على الرغم من أن العديد من البحث والحفريات الأثرية قد أجريت على مر السنين
بعد إجراء العديد من الحفريات المختلفة على
Ile de la Cité
يعتقد علماء الآثار أنه كان يوجد في الأصل معبد وثني تم استبداله بكاتدرائية مسيحية كبيرة بها خمس سفن.
ومن خلال الأبحاث الكبرى، وجد أن الكنيسة الأصلية كانت مخصصة للقديس ستيفن (استيفانوس)، ومع ذلك، لم يتم تحديد ما إذا كان قد تم بناؤه في الأصل في القرن الرابع وتم تجديده، أو أنه قد تم بناؤه في القرن السابع باستخدام العديد من من المواد القديمة وعناصر البناء القديمة
ومع ذلك، هناك بعض الحقائق التي تم توضيحها، مثل حجم المبنى المخصص لسانت ستيفن، حيث تقع الواجهة الغربية على بعد حوالي 40 مترًا من الواجهة الحالية لكاتدرائية نوتردام، وقد تم فصل الألواح بالرخام. وتم تزيين الأعمدة والجدران بالفسيفساء
ولكن في القرن الثاني عشر عندما كان الملك لويس السابع في السلطة، طلب بنفسه من أسقف باريس موريس دي سولي، البدء ببناء كاتدرائية جديدة بدلاً من كنيسة القديس ستيفن، والتي ستكون أكبر وأكثر تطورًا فنيًا ومعماريًا ، بسبب توفر التقنيات المعمارية الجديدة في حينها وعلى الطراز القوطي
خلال عهد الملك فيليب الأول، والملك لويس السادس، ثم الملك لويس السابع، كانت باريس تتطور وتتحول إلى مركز اقتصادي رئيسي يضمّ مركزًا فكريًا وتعليميًا ، وتجارًا ومنازل للحرفيين على الضفة اليمنى لنهر السين، ثم تكاثر البنايات في شكل حديث وتحديدًا في المناطق الحضرية.
موريس دي سولي، الذي كان أسقف باريس من 1160 إلى 1196، كان له تأثير كبير في إعادة إعمار إيل دو لا سيتي في هذا الوقت، مما يعني أكثر بكثير من مجرد هدم كاتدرائية سانت ستيفن أو ـ ستيفنوس
يقول التقليد أن الحجر الأول لكاتدرائية نوتردام الجديدة في باريس قد وضع في 1163 بحضور البابا ألكساندر الثالث. ومع ذلك، هناك العديد من الروايات المختلفة حول من وضع حجر الأساس بالفعل، سواء كان أسقف باريس أم لا، وحتى اليوم هذه حقيقة واحدة حول تاريخ كاتدرائية نوتردام التي ظلت غير مثبتة
بداية البناء الرئيسي لكاتدرائية نوتردام في باريس
كاتدرائية سيدة باريس الرائعة، المعروفة باسمها الفرنسي نوتردام دو باريس، هي واحدة من الكاتدرائيات الأكثر شهرة في العالم والمثال الأكثر إثارة للإعجاب في الهندسة المعمارية القوطية الفرنسية. والتي تعد بداية وكسرًا للهندسة المعمارية الرومانية السابقة. تجسد الكاتدرائية تمامًا طراز تلك الفترة التي نشأت في فرنسا خلال القرن الثاني عشر واستمرت أربعة قرون أخرى. بعض الخصائص الرئيسية للأسلوب المعماري فيها هي الأقواس المدببة، والأقبية المضلعة والأقواس (الطائرة)، والتي احتلت مكانة وتقديرا عاليًا خاصًا بين جميع الكاتدرائيات الكاثوليكية
بدأ البناء في عام 1163 في عهد لويس السابع واستمر حتى عام 1345 عندما تم الانتهاء من العناصر الأخيرة. على الرغم من أن هناك اليوم العديد من بقايا الطراز القوطي الواضح في مباني وكنائس عديدة على كل الاراضي الفرنسية كما في الشوارع الأوروبية عامة، لكن تبقى كاتدرائية نوتردام رمزها جميعًا
إن أول حجارة وضعت في بناء كاتدرائية نوتردام باريس كان في عام 1163 م تمت بحضور الملك الفرنسي لويس الثالث عشر وبابا روما اليكسندر الثالث
وتم البدء في بناء واجهتها الغربية في عام 1200، وفي عام 1225م تم الانتهاء من بنائه الذي استغرق 25 سنة
وفي عام 1239م تم وضع اكليل الشوك في الكنيسة وهي في طور أعمال البناء
وتم الانتهاء من أعمال الزجاج الملون بالزهور التي تمثل زهور الفردوس في عام 1250
تم الانتهاء من أغلب اعمال بناء الكاتدرائية في عام 1345
بعض الأحداث التاريخية في كاتدرائية نوتردام
في عام 1431 تم تتويج هنري السادس ملك انكلترا والذي كان يبلغ من العمر 11 سنة ملكًا على فرنسا بعد حرب الـ 100 سنة، بعد سنتين من تتويجه ملكا على انكلترا في عام 1429 في ويستمنستر
وفي هذه الكاتدرائية تم اعلان جان دارك شهيدة في الكنيسة الكاثوليكية في عام 1456
كما تم الاحتفال بالزواج الملكي للملكة ماري ملكة اسكتلندا على فرنسيس الثاني في عام 1558م في هذه الكاتدرائية
وفي عام 1600 أمر الملك لويس الثالث عشر بتشكيل فريق متكامل لاعمال تجديد ضخمة في بناء الكاتدرائية وفي هذه الفترة تم تثبيت جهاز الاورغن الذي بقي لغاية أيامنا التي شهدنا فيها حرق الكاتدرائية
على اثر الثورة الفرنسية تم تدنيس الكاتدرائية والعبث بها في عام 1790 وتم خلالها تدمير المئات من تحفها الدينية النادرة، ولم يتم اعادة تاهيلها واصلاحها الا في عام 1821
وفي عام 1804 تم تتويج نابليون بونابرت وزوجته جوزيفين في الكاتدرائية
وفي عام 1831 قام الشهير “فيكتور هوغو” بنشر كتابته ـ روايته “أحدب نوتردام” الذي كان له دور في تجديد شهرة الكاتدرائية الذي يروي فيها حادثة لحريق الكاتدرائية
وفي هذا الوقت أمر نابليون باجراء أعمال صيانة وتصليحات للكنيسة لاعادة مجدها وبهائها
وفي عام 1940 وخلال الحرب العالمية الثانية تم ازالة واخلاء نافذة الزهور الزجاجية الملونة لتجنب تدميرها من قبل النازيين
وفي عام 1944 تم احتفال الفرنسيين في الكاتدرائية بتحرير باريس من النازيين
وفي عام 1970 تم اجراء مراسيم دفن الرئيس الفرنسي شارل ديغول في الكاتدرائية
وفي عام 2012 تم الاحتفال بمرور 850 سنة لانشائها
وفي الساعة السادسة وخمسين دقيقة من يوم الاثنين في عام 2019م تم اندلاع حريق الكاتدرائية الذي استمر لثمان ساعات
تم التمكن من السيطرة على الحرق
وتم انقاذ برجي جرسها الضخم جدا ، وواجهتها، الى جانب انقاذ العديد من كنوزها ومحتوياتها الثمينة فنيًا وتاريخيا ودينيا مثل الاورغون القديم الشهير، واكليل شوك المسيح