الحلقة الثامنة
قراءة في الفصل الثامن: معضلة الأوبك بين حصة السوق وتحديد الإنتاج
تميز العقد السادس والنصف الأول من العقد السابع (الخمسينيات والنصف الأول من الستينيات) من القرن العشرين بسمات أساسية أشرت تصاعد حركة التحرر الوطني في الدول التابعة والمستعمرة وإلى انبلاج صبح جديد للشعوب التي عانت من استغلال وقهر الدول الاستعمارية، ولاسيما في القارات الثلاث آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، كما سجلت هذه الفترة تراجعاً ملموساً في قدرة الدول الاستعمارية على فرض إراداتها بشكل مباشر على الشعوب، ولهذا كانت تستخدم أساليب وطرق جديدة وغير مباشرة للوصول إلى ذات الأهداف، وأعني بذلك استغلال الموارد الأولية وشعوب البلدان النامية، إضافة إلى الهيمنة على أسواقها، إنه الاستعمار القديم الجديد بتقنيات حديثة.
رغم إن وعي الشعوب لم يكن في جميع القارات والدول متقدماً وبشكل متماثل، إلا إن قواها السياسية الديمقراطية والتقدمية لعبت دوراً كبيراً في التأثير على جملة من الإجراءات التي أعاقت بحدود معينة بعض الجهود الاستعمارية ومنها تشكيل الأحلاف العسكرية او عقد اتفاقيات اقتصادية مخلة بالاستقلال والسيادة الوطنية أو منعها من اتخاذ مواقف سياسية واجتماعية مستقلة على الصيد الدولي. وجاء اقتراح تشكيل منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) في هذه الفترة المهمة من حياة وتاريخ شعوب البلدان النامية، ومنها شعوب الشرق الأوسط. وكان العراق لتوه قد خرج من دائرة الهيمنة البريطانية ومنطقة الاسترليني وحلف بغداد بعد ثورة تموز 1958، حيث بدأت السلطة السياسية تفكر في تنفيذ بعض أبرز الشعارات التي رفعتها القوى الديمقراطية المعارضة لسياسات الحكومات العراقية في العهد الملكي، ومنها في المجال الاقتصادي: الإصلاح الزراعي، التوجه صوب التصنيع والتعليم المهني، قانون العمل والعمال، عقد اتفاقيات اقتصادية واسعة مع الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا، إضافة إلى مقترح تأسيس منظمة ألـ(أوبك) في عام 1960. وخلال هذه الفترة عمدت شركات النفط الدولية والاحتكارية إلى تخفيض حجم إنتاج وتصدر النفط بهدف رفع أسعاره وتحقيق ربحية عالية للشركات الاحتكارية، ولكنها كانت مؤذية بالنسبة للدول النامية المنتجة والمصدرة للنفط لحاجتها الماسة لمزيد من الإنتاج والتصدير، مما أشعر البلدان المنتجة والصدرة للنفط بأهمية وضرورة تشكيل هذه المنظمة ووافقت عل اقتراح العراق.
يشير الدكتور علي مرزا في بداية الفصل الثامن حول منظمة الأوبك إلى عوامل عدة أثرت وتؤثر على سياسة الأوبك النفطية، وسواء أكان ذلك في مجالي إنتاج وتسويق النفط، أم في مجال أسعار نفطها في السوق العالمية، وعلى الدول الأعضاء في هذه المنظمة. ويلخصها:
- “وجود مجموعة من الدول الأعضاء في الأوبك التي لها أهداف مختلفة ووسائل محدودة في التأثير على سوق النفط العالمية (بالذات أسلوب تحديد “حصص” إنتاجية للدول الأعضاء في مرحلة الاستخراج) تختلف عن كارتل الشركات النفطية الكبرى”.
- امتلاك الكارتل العالم من خلال تكامله الأفقي والعمودي قدرة التأثير على عقود النفط وفي التأثير على الصناعة النفطية. كما يمتلك الكارتل العالمي إمكانيات بثلاثة اتجاهات، هي: أ) إيجاد مناطق بديلة لاستخراج النفط وعرضه في السوق الدولية، وب) إيجاد بدائل عن استخدام النفط أو بعض استعمالاته، وج) القدرة على زيادة الكفاءة في استخدام النفط وتقليص الكميات المستخدمة منه سنوياً.
- وجود خلافات سياسية ووجهات نظر متباينة بين بعض أعضاء دول الأوبك التي تسمح للكارتل العالمي اللعب عليها والاستفادة منها مما يحد من فعالية المنظمة. لم يتوسع الكاتب في هذه النقطة حرصاً والتزاماً بمحاولة معالجة الموضوع اقتصادياً. ولكن النفط ذو جانبين لا فكاك منهما، إنهما السياسة والاقتصاد.
ويبدو لي بأن العامل الثالث يمكن أن ينظر إليه من جانب آخر، وأعني بذلك دور الصراع السياسي الدائر منذ عقود بين بعض الدول الأعضاء في الأوبك، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، وبتأثير واضح من الدول الكبرى المستهلكة للنفط. وقد لمس الكاتب هذه المسألة في العامل الثالث، ومشاركة بعضها في محاور سياسية دولية، بحيث يستطيع الكارتل العالمي للنفط والدول الكبرى التي تساهم الشركات النفطية الكبرى فيه، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، التأثير المباشر وغير المباشر على سياسات تلك الدول بما في ذلك السياسة النفطية، سواء أكان من حيث كميات الإنتاج الموجهة للتصدير، أم ما ينشأ عن ذلك من تأثير واضح على السياسة السعرية للنفط في السوق الدولي. وغالباً ما لعبت السياسة دوراً مؤذياً جداً في اقتصاد النفط للدول المختلفة، سوأ أكان عبر مقاطعتها اقتصادياً أو الحد من كميات تسويقها للنفط أو حجز إيراداتها النفطية في البنوك الدولية. وقد واجه العراق ذلك في أوقات عديدة خلال القرن الماضي، كما واجهته إيران في فترة رئيس الوزراء الإيراني د. مصدق في الخمسينيات من القرن العشرين، أو ما تواجهه إيران حالياً، كما تواجه فنزويلا هذه المعضلة بقسوة بالغة في الوقت الحاضر، بالرغم من التباين في الدولتين، ولكن الهدف من هذه المقاطعة إسقاط النظامين من خلال الحصار الاقتصادي، ومنها حصار تسويق النفط الخام، وقبل ذاك عانى الشعب العراقي، وليس نظام صدام حسين وحاشيته، من الحصار الدولي الذي دام 13 سنة وأدى إلى كوارث هائلة في العراق، وخاصة وفيات الأطفال والمرضى وكبار السن، رغم التخفيف النسبي الذي حصل بعد صدور قرار “النفط مقابل الغذاء”.
علينا أن نؤكد هنا بأن النفط سلاح ذو حدين، ولكن الاعتماد الرئيسي والأساسي على موارد تصدير النفط الخام والغاز في اقتصاد بلد ما، أي في اقتصاد ريعي، لا يصبح ذو حدين، بل بحدٍ واحدٍ يلحق أفدح الأضرار بالاقتصاد والمجتمع في عالمنا الرأسمالي المعاصر والمتناقض والمتصارع لتحقيق أقصى الأرباح على حساب حياة ومصالح وإرادة الشعوب.
الدكتور علي مرزا يبحث في هذا الفصل المهم عن العلاقة الجدلية بين مسألتين عرض النفط أو حصة الأوبك من النفط في السوق الدولية، وتحديد الإنتاج وتأثير ذلك سلباً أو إيجاباً على أسعار النفط هبوطاً وصعوداً، وبالتالي مد تأثير ذلك على الإيرادات المالية للدول الأعضاء في الأوبك. وقد تابع هذه المسألة بعناية كبيرة وعبر فترات ومقارنات وإحصائيات يصعب التعبير عنها باختصار في مثل هذه التعليقات والمراجعات المكثفة. ومن هنا أعود لأنصح، لا العراقيات والعراقيين فحسب، بل وكل قراء العرب ممن لهم اهتمام أو رغبة الاطلاع على هذا القطاع المهم في الاقتصاد الوطني للدول المنتجة والمصدرة للنفط، وأغلبها دول ريعية وحيدة الجانب في تطور اقتصاداتها الوطنية ومتخلفة في بنية دخلها القومي رغم ارتفاعه بسبب دور موارد النفط في تكوينه. ولا أبتعد عن الحقيقة حين اشير دون تردد بأنها دول غير ديمقراطية أو مستبدة وتنقصها الحوكمة الرشيدة والوعي بحاجات الشعب وضرورات تغيير بنية اقتصاداتها الوطنية وتنوع مكونات الدخل القومي بقطاعات إنتاجية، وخاصة الصناعة التحويلية والزراعة. إن تجارب شعوب الدول المنتجة والمصدرة للخامات الأساسية كالنفط أو الماس أوالذهب .. إلخ حتى الآن ومنذ أكثر من قرن من الزمان تشير إلى أن أغلب تلك النظم السياسية أن لم نقل كلها، ليست ديمقراطية، بل ومستبدة أو دكتاتورية مطلقة، سواء أكانت عبر العسكر أو عبر حزب واحد أم من خلال عائلة واحدة أم عبر دكتاتور أهوج ونرجسي مريض، وتعيش أغلب شعوبها في عوز شديد أو تغيب عنها شمس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما هو حال دول الخليج العربي والسعودية وإيران والعراق وليبيا والجزائر والكثير من الدول الأفريقية أو أمريكا الجنوبية … إلخ.
انتهت الحلقة الثامنة وتليها الحلقة التاسعة وتبحث في الفصل التاسع عن القطاع الزراعي
الحلقة التاسعة
قراءة في الفصل التاسع: الزراعة: التخلف عن إشباع حاجة السكان
يقدم لنا الدكتور علي مرزا مساهمة مهمة عبر تسجيله وتحليله للوحة مكثفة جداً عن الواقع الزراعي وحجم الإنتاج في فترة كان القطاع الزراعي يشكل القطاع الأول في تحقيق الناتج المحلي الإجمالي، فترة الريع الزراعي، وفي الفترة التي أصبح القطاع النفطي يشكل القطاع الأول في توفير النسبة العظمى من الناتج المحلي الإجمالي وتراجع القطاع الزراعي إلى الموقع الثاني فالثالث أو متقلب بينهما. وإذ أشار إلى دور الإجراءات التي اتخذتها الدولة العثمانية لتوطين البدو من خلال توزيع الأراضي الأميرية على شيوخ العشائر والعائلات الميسورة في الولايات الثلاث، انتقل إلى الفترة التي أعقبت تخلص العراق من الهيمنة العثمانية وسقوطه تحت الهيمنة البريطانية حتى سقوط الملكية عام 1958. وقسم الفترة الواقعة بين 1864-2018 بالسبة للقطاع الزراعي إلى فترتين: الأولى قبل العهد النفطي، والثانية بعد سيادة الدولة الريعية النفطية، وقارن بين أربع مسائل مهمة للفترتين المذكورتين، وهي:
إجمالي مساحات الأراضي المستخدمة في الزراعة أولاً، وإنتاجية الفرد الواحد أو الدونم الواحد ثانياً، وإجمالي الإنتاج الزراعي، ومقارنة بين نمو السكان ونمو الإنتاج الزراعي ثالثاً، وعلاقة ذلك بإشباع حاجات المجتمع والقدرة التصديرية للمحاصيل الزراعية رابعاً. كما ركز في دراسته على المحاصيل الزراعية الثلاثة: الحنطة والشعير والرز. ثم عمد إلى إبراز دور النفط وتنامي إيراداته السنوية على دور القطاع الزراعي ومستوى الاهتمام بهذا القطاع الأكثر أهمية لإشباع حاجات السكان من السلع الزراعية والمواد الأولية الصناعية، من خلال استخدامه خطوتين، أولى إجراء مقارنة بين الإنتاج الزراعي في الفترتين، والثانية إجراء قياس الارتباط بين معدل حصة الشخص من العوائد النفطية ومعدل حصته من الإنتاج الزراعي،وتوصل إلى استنتاج بهذا الصدد صاغة على النحو التالي: “نخلص من الاختبار باستخدام الخطوتين إلى: 1) أن حصة الشخص من الإنتاج الزراعي كانت في تصاعد قبل العهد النفطي وفي تدهور خلال العهد النفطي. وب) يبين معامل الارتباط عموماً، ارتباطاً عكسياً بين تغير حصة الشخص من العوائد النفطية وحصته من كمية الإنتاج خلال العهد النفطي. ج) وبذلك نميل للاعتقاد إلى أن كلا الاختبارين يرجحان باحتمال معقول صحة الفرضية الريعية، عموماً”. (أنظر، مرزا، الكتاب، ص229/230).
على أهمية هذه الدراسة وضرورة إبراز دور الدولة الريعية النفطية السلبي على القطاع الزراعي وعلى مجمل الاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية والسياسية، وأهمية تغيير هذه العلاقة لصالح تنويع الاقتصاد الوطني والاهتمام بالقطاع الزراعي، فأن أي دراسة اقتصادية ليست مهمتها الجانب التقني والحسابي فحسب، بل وبالأساس دور الاقتصاد في التأثير المباشر وغير المباشر على الإنسان في معيشته وحياته سلباً أو إيجاباً، أي ضرورة الغوص في أعماق المشكلة الزراعية في العراق لا البقاء على سطح الأرقام على أهميتها، رغم إن الأرقام تمنحنا صورة مفيدة ولكن المعدل لا يعبر عن واقع الحال للفئات الاجتماعية المختلفة. غالباً ما يشير علماء الاقتصاد إلى إن الأرقام الإحصائية التي تنشرها الدول، ولاسيما النامية، تشبه مايوه السباحة النسائي إذ يكشف عن الكثير من جسم المرأة، ولكنه يخفي أهم ما فيه.
كتب ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي 1332-1406م) في مقدمته ما يلي: “إنه لا يكفي أن تصف موج البحر، وظهور السفن، حين تريد أن تتكلم عن حياة البحر… لا بد لك أن تفهم ما في القاع… قاع البحر المليء بالغرائب والتيارات والوحوش… وقاع السفينة حيث يجلس عبيد وملاحون إلى المجاديف أياماً كاملةً، يدفعون بسواعدهم بضائع تحملها السفن، وثروات وركاباً.. وينزفون عرقاً، وتتمزق أجسامهم تحت السياط.. أجل، ينبغي أن تعطيني صورة كاملة، عندما تريد أن تقنعني بأمر من الأمور”.
إن البحث في الاقتصاد الزراعي يفترض أن يمتد ليشمل، على وفق قناعتي الشخصية، عدة مسائل جوهرية، إذ كان بودي لو كان قد تطرق إليها الزميل مرزا ولو بكثافة، لأني مقتنع بأن لديه الكثير من المعلومات حولها، أشير إلى أهمها فيما يلي:
أولاً: أهمية الإنتاج الزراعي في ضمان الأمن الغذائي والاقتصادي للعراق، ولاسيما وأن المنطقة مليئة بالمفاجئات غير السارة والتي تستوجب تأمين احتياطي منه. ومرّ العراق بتجارب مريرة في هذا الصدد ومنها فترة الحصار الدولي بين 1992-2003.
ثانياً: الأهمية القصوى لتنويع الإنتاج الزراعي وأهمية ذلك لمسالتين مهمتين هما: الدورة الزراعية وتأثيرها الإيجابي على خصوبة التربة ونوعية الإنتاج من جهة، وتحسين معدلات الغلة وزيادة الإنتاج وتأمين المنتجات الزراعية للاستهلاك الغذائي، والخامات الزراعية للقطاع الصناعي.
ثالثاً: القطاع الزراعي لا يشمل المحاصيل الزراعية فحسب، بل هو قطاع يشمل المحاصيل ومنتجات البستنة والغابات والثروة الحيوانية والثروة السمكية، وبالتالي، فالاقتصار على المحاصيل الزراعية لا يقدم لوحة كافية عن القطاع الزراعي ضمن صورة الاقتصاد الوطني.
رابعاً: واقع الاستغلال الذي يتعرض له الفلاح غير المالك للأرض الزراعية وفئات المزارعين الآخرين، وسبل استخدام الريع الزراعي في الاقتصاد العراقي في الفترة التي سبقت الريع النفطي وبعده. وهناك معلومات كثيرة في هذا الصدد ابتداءً من رسالة الدكتوراه للدكتور صالح حيدر وانتهاء بكتاب الدكتور طلعت الشيباني، وزكي خيري وعزيز سباهي وكاظم حبيب وعشرات كتب أخرى حول القطاع الزراعي، إضافة إلى كتاب الدكتور كامل عباس مهدي الصادر باللغة الإنكليزية في لندن عام 2000 وتحت عنوان “الدولة والزراعة في العراق، التطور الحديث، الركود وتأثير النفط” State and Agriculture in Iraq- Modern Development, Stagnation and the Impact of Oil إضافة إلى الكثير من الأبحاث والدراسات والمقالات المهمة الصادرة بهذا الشأن والمنشورة على العديد من المواقع الإلكترونية.
خامساً: مستوى الخدمات التي تقدم للفلاحين والريف العراقي خلال الفترات المنصرمة، ومدى تأثير ذلك على هجرة الشباب بشكل خاص، وبقاء الفلاحين كبار السن في الريف والزراعة، على ما يلاحظ في العراق خلال فترات طويلة.
سادساً: مدى تأثير الحروب العراقية، الداخلية منها والخارجية، فعلياً على الريف والزراعة العراقية وحياة العائلات بالارتباط مع التجنيد الإجباري للقوى العاملة التي تتراوح أعمارهم بين 18-60 سنة وأحياناً أقل وأكثر من هذين الحدين، إضافة إلى نشر الألغام في الكثير من الأراضي الزراعية الحدودية ولاسيما في إقليم كردستان العراق.
وإذ أشير إلى هذه المسائل المهمة في القطاع الزراعي فلا بد أن أشير أيضاً إلى الأهمية القصوى لأي باحث اقتصادي يعالج أوضاع القطاع الزراعي إن يبحث في مسألتين مهمتين لا يجوز إغفالهما بأي حال، حتى لو اختلفت وجهات نظر الباحثين، وأعني بهما:
- طبيعة علاقات الإنتاج السائدة في البلاد قبل وبعد الإصلاح الزراعي لا على ما هو مسجل في القوانين فحسب، بل والحالة الفعلية على أرض الواقع، وهي أمور متيسرة.
- مستوى تطور القوى المنتجة البشرية والمادية ومدى تأثيرها على إنتاجية العمل أو غلة الدونم الواحد من الأرض الزراعية في السنة. إذ إن التوسع في الأرض وزيادة الغلة التي برزت بشكل خاص في الفترة التي سبقت الفترة الريعية النفطية قد أدت إلى تسليط استغلال بشع على الفلاحين، إذ كان عليه أن يعمل ساعات أكثر وعلى مساحات أوسع لإنتاج غلة مساوية أو أكثر لصالح مالك الأرض أو المستحوذ عليها. وحين توفرت إمكانية زيادة نصب المضخات المائية على شواطئ الأنهر وزيادة المكائن الزراعية من تراكتورات (حارثات) وحاصدات وأدوات أخرى وأسمدة كيمياوية وحبوب محسنة ومخازن وقضايا النقل الزراعي وسبل التسويق، ازدادت غلة الأرض وارتفعت إنتاجية الفرد الواحد، ولكن لم تلعب باستمرار دوراً تحسينيا في حياة ومعيشة الفلاحين.
ويبدو لي بإن المفروض أن يبحث الكاتب واقع الزراعة العراقية ومشكلاتها الراهنة في أعقبت إسقاط الدكتاتورية الغاشمة حتى سنة صدور الكتاب والدور الكبير والمتنامي لكبار الملاكين الذين عادوا إلى الأراضي التي فقدوها بسبب القانونين الزراعيين وتعديلاتهما، ودور شيوخ العشائر الذين عادوا وبشكل أقوى إلى دورهم السابق في الهيمنة على الفلاحين والريف بل وبروز تأثيرهم المتنامي وتقاليدهم التي تهيمن حالياً على أجواء المدن العراقية، ومنها بغداد.
انتهت الحلقة التاسعة وتليها الحلقة العاشرة، الفصل العاشر: التصنيع: نشاط متدهور
08/04/2019