الخميس, نوفمبر 28, 2024
Homeمقالاتعلي الوردي في ميزان/رحلة في خوارق اللاشعور(3) : عبد الرضا حمد جاسم

علي الوردي في ميزان/رحلة في خوارق اللاشعور(3) : عبد الرضا حمد جاسم

أعود لمقدمة كتاب خوارق اللاشعور/1952 وأقول فيها وعنها التالي لمن يسأل لماذا؟ أقول: لأن الراحل الوردي كتب عن الكتابة وكَتَبْتُ عن ذلك في سابقة، وهنا كَتَبَ ايضاً عن الابداع في الكتابة وربطها باللاشعور والمبدأ الذي قال عنه سخيف أي “من جد وجد” لذلك في النقاش حول هذا “المبدأ السخيف” من جد وجد يوجب تَقْليبْ طريقة/اسلوب كتابة الوردي لهذا الكتاب وفق الشعور واللاشعور، يعني هل أصدر هذا الكتاب وفق “اللاشعور” أم وفق ذلك المبدأ “السخيف” “من جد وجد”؟

مقدمة الكتاب وقعت في الصفحات (من 9 الى 40)، أي انها شَكَّلَتْ حوالي 1/6 من الكتاب، وهي ربما اطول مقدمة لكتاب من كتب الوردي وربما كُتب الكثير من الكُتابْ، حتى انها أطول من مقدمة كتابه/ دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 الذي شكلت مقدمته حوالي (1/41)من الكتاب.

تلك المقدمة هو من قال عنها طويلة وبَيَّنَ لماذا حيث كتب في نهايتها أي في ص40 وهذا يعني انه أراد من القارئ يُكْمِلْ قرأتُها ليصل الى رأي الوردي بها وما فيها واليكم ما كتبه الراحل الوردي عن تلك المقدمة: [وإني أود أن أختم هذه المقدمة بالاعتذار للقارئ عما فيها من تطويل يدعوا للسأم. لقد قصدت بهذه المقدمة أن أضع بين يدي القارئ ملخصاً لما سيجده بعد ذلك مفصلاً في ثنايا الكتاب. وإني لأحسب أن بعض القراء سوف لا يجدون لديهم من الفراغ ما يستطيعون به أن يقرؤوا هذا الكتاب كله. ولعل المقدمة ستغنيهم عن ذلك بعض الغناء. أرجو من القارئ الذي لا يجد من نفسه ولعاً بمتابعة هذا البحث أن يقف عند هذا الحد فلا يتعداه. إذ يكتفي بما قرأ في المقدمة فيريح ويستريح. أما الذي يريد أن يواصل القراءة فإليه أقدم الفصول التالية. إنها على كل حال فصول مسهبة فيها من التكرار والتناقض والسفسطة قسط لا يستهان به. وعذري أني أطرق بحثاً لم يطرقه أحد من قبل على هذه الشاكلة. وعساي اوفق فيما بعد الى تنظيمه وتزويقه فأنال بذلك رضا القارئ ـ ورضاه على أي حال عسير] انتهى.

تعليق: اعتقد ان هذا المقطع او هذا التحذير/التخيير/التهديد/التوجيه/الرجاء كان يحتاج الى العبارة المألوفة: “وقد اُعْذِرَ من انْذَرْ”.

أقول لأُستاذي الراحل الوردي له الذكر الطيب: لماذا الإطالة وانت تعترف انها تدعوا الى السأم؟ ولماذا لم تُعالج الموضوع من الأساس برفع التكرار والتناقض والسفسطة وانت قادر وبالذات بعد ان عُدتَ من اللاشعور الى الشعور وكل ذلك واضح وانت تعرفها غير نافعة وتعرف ضررها وتعرف مواقعها في الكتاب وتعرف انها عيوب قد يدخل منها اليك كل من يريد ان يقول شيء حتى من يمدحك في انجازك هذا. كان عليك ان تجعل الكتاب مناسب يلم بما تريد ان توصله للقارئ ويشد القارئ الى متابعته والاستفادة منه بأن ترفع من الكتاب تلك الداعية الى السأم وذلك التكرار والتناقض تلك السفسطة.

 كان على الراحل الوردي كما اعتقد ان يبدأ تلك المقدمة بتعريف او شرح محور الكتاب اي مفهوم “اللاشعور أو العقل الباطن” وفق علم النفس /علم الاجتماع والذي اعتقد ان الغالبية العظمى من المتعلمين وربما بعض المثقفين وقتها لا يعرفون عنه الكثير اولم يطلعوا عليه بشكل جيد أولم يسمعوا به أصلاً، واللاشعور ربما عند الكثيرين من عامة القراء يعني ببساطة ما يرد على الألْسُنْ من قول: ما أدري/ ما أحس/ ما أشعر”.

 لكن الراحل الوردي تدارك الموقف متأخراً في ص 31 حيث كتب التالي: [لقد سميت هذا الكتاب “خوارق اللاشعور” أو “اسرار الشخصية الناجحة” لأني أريد بذلك ان ألفت نظر القارئ العربي الى ناحية من الشخصية البشرية ربما كان غافلا عنها هي: ناحية اللاشعور او ما يسمى أحيانا بالعقل الباطن] انتهى.

اعود لكتابة الوردي لهذا الكتاب ولا بد ان انقل لك عزيزي القارئ ما ذكره الوردي عن الابداع في الكتابة حيث في ص106،105من الكتاب/خوارق اللاشعور كتب التالي:

1.[يقول خبراء فن الكتابة الحديثة: اكتب اول خاطر يطرأ على ذهنك ولا تطَّول فيما تكتب فإنك ستجد بعد لحظة قلمك قد انساب في الموضوع انسياباً عجيباً حيث تكتب بلباقة لا عهد لك بها من قبل] انتهى

2.[ان الاهتمام بالتصنيف المصطنع والتسلسل المنطقي وترتيب الديباجة والخاتمة يعتبر بمثابة الأحجار التي توضع في طريق التيار فتعرقل سيره. ينبغي ان ينتبه المنشئ الى الحقيقة الكبرى في فن الكتابة: وهي الابداع فيها يأتي عفو الخاطر ـ نتيجة الانبثاق اللاشعوري. وكل شيء يعرقل عفو الخاطر يؤدي بدوره الى قلّة الابداع] انتهى.

تعليق: السؤال: من هم خبراء فن الكتابة الحديثة، هؤلاء، هل هم مدرسة حديثة تقابل مدرسة قديمة؟ هل هم مجموعة أم أفراد؟ إن كانوا، هل اتفقوا على هذه الصيغة؟ أين وردت هذه الصيغة حتى يطلع عليها من يريد ان يطلع؟ لم يؤشر الوردي في هوامش الصفحتين شيء عن هؤلاء الخبراء. هذه الأسئلة اطرحها لأن الصيغة التي طرحها الوردي مرتبكه حيث لم افهم قولهم الذي نقله الوردي: “ولا تطَّول فيما تكتب”!! ولم افهم هل عارضهم أحد ام ان قولهم هذا سارت عليه جموع الكُتاب بعد انطلاق هذه المدرسة الحديثة/الخبراء؟

… على أي حال وكل حال، أجد من حقي ان اسأل الراحل الوردي وفق أي الصيغتين “خبراء فن الكتابة” أو “الحقيقة الكبرى في فن الكتابة” كتبتَ كتاب خوارق اللاشعور هذا؟

 من المعلوم ان الكاتب ينجز أصل الموضوع ويُنقحه ويُدقق فيه ويحسم امره ثم يتوجه لكتابة المقدمة التي فيها إشارات عن أسباب اصدار هذا الكتاب وبعض الأمور التي تدفع القارئ للاطلاع علية او لم يجد الكاتب مكاناً لها في أصل الكتاب. وانتَ استاذي الفاضل من كتب في ص106 التالي:

[المرحلة الثالثة هي مرحلة التنسيق والتزويق والحذلقة المنطقية. إن ساعة الإلهام كثيراً ما تكون مستبدة بحيث لا تدع لصاحبها مجالا ان يفكر بما تقتضيه مألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم ففي المرحلة النهائية يجب على الكاتب ان يراجع ما كتب ساعة الإلهام فيشطب منه قسما ويزوق القسم الاخر. وهو في هذه المرحلة يخرج من عالم اللاشعور الى عالم الشعور فيكون اجتماعيا بعدما كان عبقرياً] انتهى.

 فأنتَ أعطيتَ الاهتمام للمقدمة أي للشعور وهي وفق قولك في ص40 مُعرقلة وتَرَكْتَ متن الكتاب للتناقض والتكرار والسفسطة أي للاشعور فهل على الكاتب مراجعة ما انجزه الشعور او اللاشعور؟ فالتناقض والتكرار والسفسطة التي اشرت اليها جاءت كما يبدو من “عفو الخاطر” و “انسياب القلم انسياباً عجيباً لم تعهده من قبل”… ألا يمكن اعتبار هذه المقدمة الطويلة التي تدعو للسأم من الأحجار التي أشرتَ اليها بأنها تعرقل حيث هي من المصطنع وفيه التسلسل المنطقي وترتيب الديباجة والخاتمة؟ والمقدمة والخاتمة أفضل ما ورد في الكتاب كما اعتقد وفي كلامك ما يؤكد ذلك.

 ومن يتبع قول الوردي في وصف ما جاء بعد المقدمة بأن فيه الكثير من السفسطة والتكرار والتناقض، يجد ان “عفو الخاطر” وانسياب قلمه أي اللاشعور “العبقرية” أنتج “لا إبداع” أي أنتج “فشل” متمثل بالتناقض والتكرار والسفسطة ليس لأن هذه الأمور هي السبب بل لأنها لا تتوافق مع اعتبار الوردي لما ورد في الكتاب بحثاً، فالنقل والتلخيص المضطرب لآراء الغير المتناقض لا يمكن اعتباره بحثاً انما عرض آراء أو تجميع اقوال او نقل قصص و “حواديت” غير مسنودة. وهو من كتب في ص11 من الكتاب: [لقد وصلت بهذا البحث الى نتيجة في الواقع معاكسة لجميع ما دأب المعلمون والكُتاب والخطباء في هذه البلاد أن يلقنونا إياها. فهم قد وعظونا وعلمونا على أن “من جد وجد”…الخ] انتهى

 ثم يكمل الراحل الوردي في نفس الصفحة حيث كتب: [ان طريق الابداع في الكتابة يحتاج الى مراحل ثلاث:

 1.المرحلة الأولى هي في البحث الواعي والتنقيب وجمع المعلومات وتصنيفها، ان هذه المرحلة لا تكفي وحدها للإبداع انما هي ضرورية احياناً. ومن الممكن تسميتها بمرحلة الخزن. فالعقل الباطن لا يعمل وهو فارغ. انما يجب ان يُملأ أولاً بالمحتويات المتنوعة. فتكون هذه المحتويات بمثابة المواد الخام التي يصنع منها البضاعة النهائية] انتهى

تعليق: وفق ما ورد في “المرحلة” رقم(1): أسأل الراحل الوردي: ألا يمكن اعتبار هذا الجهد: “بحث واعي، تنقيب، جمع المعلومات وتصنيفها” يقع تحت “المبدأ السخيف” من جد وجد؟ …

 معلوم ان كل مبدع يعرف ان هذه الامور” لا تكفي وحدها للإبداع ” ويعرف بشكل أكيد إنها ضرورية ليس احياناً بل دائماً …حتى الابداع الفطري يحتاج الى ان يبحث صاحبه ولو بالحواس او التجريب ليستطيع الإنجاز، أي ان يجد ليجد.

هناك الملايين ممن قرأوا ويقرأون كل يوم بل كل ساعة لكن من يبدع منهم ربما واحد هنا وآخر هناك لا يشعر بهم أحد إلا ان يُسلط الضوء عليه…هذا يعني ان هناك إبداع في كل لحظة من لحظات الزمن وبأي شكل من اشكال الابداع.

 القراءة استاذي الفاضل، على العموم هي جهد يعني “جد” وهذا الجهد يوجِد يعني “أوجد أو وجد” وتقع تحت المبدأ “من جد وجد” إنها توجِد في القارئ شيء وتضيف إليه أشياء كثيرة وبلا انحياز أقول ان مجرد التعود على مسك الكتاب وتقليب صفحاته قد تُشعر الماسك/المُقَلِبْ براحة نفسية وهذه فائدة عظيمة تعني “أوجدت” أي أن القارئ جد ووجد. ونحن نلمس اليوم سهولة الحصول على المعلومة وتوفر الكتب على النت لكن سوق الكِتابْ مزدهرة وتقليبها مستمر وفي تصاعد… وهذا قد ينفع وربما يؤدي بأن “تُدمن” اليدين عليه عند البعض وقد تُلهي البعض عن أشياء قد تكون غير مُحَّبَذة/نافعة وهذه كلها من جد وجد… هؤلاء هم جمهور القراء، منهم “المناقشين” و”الناقدين”/النُقاد والمعجبين، فما قيمة الإبداع دون هؤلاء وتبادل التأثير معهم؟

ثم يأتي الوردي بشيء غريب آخر وهو: “فالعقل الباطن لا يعمل وهو فارغ”…والجواب على هذا من نفس المقطع حيث كتب الوردي:” انما هي ضرورية احياناً” وهذا يمكن ان يعني انها غير ضرورية في أحيان أخرى…أي عندما يكون العقل الباطن فارغ…

هنا اعتقد ان الوردي لم يُحْسِنْ الصياغة/التعبير بإدخاله كلمة/مفهوم “فارغ” فربما الكثير ممن قرأ هذه العبارة في حينها قفز امامه ان العقل الباطن عبارة عن وعاء موجود في مكان ما من جسم الانسان وهو قابل للملء والقابل للامتلاء أكيد هناك وسيلة لتفريغه وبذلك يمكن ان يُقال إنه قد فقد “لا شعوريته” ليصير شعورياً. فهو يُملأ ويُفرغ وهذه اعمال شعورية إرادية.

2.المرحلة الثانية هي: [مرحلة الانبثاق اللاشعوري. فالكاتب بعد ان يخزن المعلومات في عقله الباطن ويتركها هناك لكي تختمر وتتلاقح يجد نفسه مدفوعا بدافع لا يدري كنهه الى الكتابة فهو يريد ان يكتب ولو لقي في سبيل ذلك حتفه. انه يصبح عبداً لحوافزه اللاشعورية لا يجد مناصا من الانصياع اليها ويكون قلمه آنذاك هو السيد المطاع فهو يجري معه انى جرى] انتهى.

تعليق: هل مر الراحل الوردي بهذه الحالة: “يكتب ولو لقي في سبيل ذلك حتفه” وهو من كتب في كتاب الاحلام بين العلم والعقيدة الصادر” في عام 1959″ أي بعد ثورة 14تموز1958 ص314 التالي: […كنتُ في العهد البائد مخيرا بين امرين اما ان أفصح عن رأيي بصراحة تامة فاذهب الى السجن او اراوغ فيه واداري فأتخلص من السجن ومن مغبة قطع الارزاق وبعد تأمُل وتمحيص وجدت الامر الثاني أجدى وأصلح لي وللقراء] انتهى الراحل الوردي هنا ترك اللاشعور و ما ينتج عنه و تمسك بأسنانه بالشعور لينقذ نفسه من وهم الملاحقة الذي/التي لم تمر عليه فلم يُسجل انه تعرض الى أي شكل من اشكال المضايقة  من سلطات “العهد البائد” بل بالعكس توفرت له فرص قلما توفرت لغيره في جميع مناحي العمل و الحياة…ووفق نص ما ورد في المرحلة رقم(2) ونص ما ورد في ما كتب الوردي يمكن لي ان أقول ان الراحل الوردي لم يكن كاتباً مبدعاً وبذلك يكون الراحل الوردي خارج الإبداع والمبدعين. وهو من كتب في ص38 خوارق: [ان الانسان يجب ان يكون حذراً كل الحذر من حوافز عقله الباطن اذ لا يجوز له ان ينجرف بما توحي به اليه انجرافاً تاماً. فكثيرا ما يخطر ببال الانسان خاطر او تلمع في ذهنه فكرة وهو يقف عند ذاك حائرا لا يدري هل ان هذا الخاطر قد انبعث من قواه الكاشفة ام من رغباته المكبوتة. انه يحتاج في مثل هذه الحالة اذن الى مفتاح يحل له هذا اللغز ويفرق له بين الصالح والطالح في حوافزه اللاشعورية] انتهى

السؤال: إذن اين “عفو الخاطر” و”انسياب القلم…”؟ اين “انه يصبح عبداً لحوافزه اللاشعورية لا يجد مناصا من الانصياع اليها ويكون قلمه آنذاك هو السيد المطاع فهو يجري معه انى جرى”؟ اين:” يقول خبراء فن الكتابة الحديثة: اكتب اول خاطر يطرأ على ذهنك ولا تطَّول فيما تكتب فإنك ستجد بعد لحظة قلمك قد انساب في الموضوع انسياباً عجيباً حيث تكتب بلباقة لا عهد لك بها من قبل”؟ اين “خوارق اللاشعور”؟

 ثم كيف يتحكم الانسان بشيء لا يشعر به أولا شعوري؟ لوكان بإمكان الإنسان ان يضع مفتاح يحل به لغز الشعور واللاشعور ما كان هناك تأثير “للعقل الباطن “”الإطار الفكري “”اللاشعور” وهذا ينسف كل ما ورد في كتب الوردي عن الإرادية واللاشعور والإطار الفكري والعقل الباطن. ولا قامت الحروب والاضطهادات.

 ولما كانت تلك المخزونة متنوعة وكما ذكر الوردي ان الإطار الفكري الذي ينظر الإنسان من خلاله الى الكون مؤلف جزؤه الأكبر من المصطلحات والمألوفات والمفترضات التي يوحي بها المجتمع اليه ويغرزها في أعماق عقله الباطن، كيف يعرف الكاتب انها ستكون كما يريد “بين الصالح والطالح” او بخصوص الموضوع الذي فكر بكتابته…هل يكتب “حرز/تعويذه”؟ كيف يكون القلم هو السيد المُطاع ويجري معه الكاتب انا جرى؟ هذه العبارة تعني ان الكاتب يتبع قلمه ويطيعه وليس العكس. ربما هذه الأسباب التي جعلت الراحل الوردي يُحَّذِرْ القراء من “التكرار والسفسطة والتناقض ” في هذا الكتاب.

3.المرحلة الثالثة: هي مرحلة التنسيق والتزويق والحذلقة المنطقية. إن ساعة الالهام كثيراً ما تكون مستبدة بحيث لا تدع لصاحبها مجالا ان يفكر بما تقتضيه مألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم ففي المرحلة النهائية يجب على الكاتب ان يراجع ما كتب ساعة الالهام فيشطب منه قسما ويزوق القسم الاخر. وهو في هذه المرحلة يخرج من عالم اللاشعور الى عالم الشعور فيكون اجتماعيا بعدما كان عبقرياً].

تعليق: نعم على الكاتب ان يراجع ما كتب حتى لو كتب مقالة صغيرة، مراجعة للتدقيق وليس بالضرورة للشطب او التزويق.  لو فكر الكاتب بعد ان يصحو من “غفلة” اللاشعور ويعود اجتماعياً بمألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم وراجع ما كتب وشطب وزَوَّقَ فَيكون قد فَقَدَ أو ألغى إبداعه من خلال الغاء تأثير اللاشعور وبذلك يتحول مُنْجَزْ الكاتب من تأثير اللاشعور الى تأثير الشعور ويكون كما الراحل الوردي مُخَّيَرْ غير مُسَّيَرْ أي فعله إرادي وليس لا إرادي أي شعوري وليس لا شعوري وهذه تنسف الكثير من طروحات الوردي. إن راعى الكاتب مألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم فهذا يعني ان الكاتب يتبع ما يطلبه القراء/الناس/المجتمع/المألوفات؟ ولا يأتي بجديد فما قيمة ما يكتب؟ بل اين الإبداع هنا؟ هل في التملق للناس ومألوفاتهم؟ ولماذا اذن الهجوم على “الوعاظ” الذين أرادوا ان يكونوا اجتماعيين ويراعون مألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم؟ اليس هذا منزلة عليا من منازل النفاق والتملق حد الانحراف عندما يتم فيه تَعَّمُدْ حَرْف العلم والعقل والبحث العلمي عن مساره الصحيح نزولاً عند مألوفات الناس وما يستسيغه منطقهم؟

اما في كتاب اسطورة الادب لرفيع/1957 ص13كتب عن الادباء التالي: […لهم وظيفة في الحياة كبرى وهم قادرون أن يقدموا للناس ما ينفعهم ويلذ لهم في آن واحد وتلك هي التجارة التي لا تبور] انتهى

وفي ص 317 من كتاب الاحلام بين العلم والعقيدة/1959كتب: [قلت في كتاب اسطورة الادب الرفيع ان الناس يقبلون على شراء الكتاب كما يقبلون على شراء حذاء او اية بضاعة أخرى من بضائع السوق فليس في الامر تشجيع للعبقريات او تثبيط لها والمؤلف في هذا كصاحب الدكان اذ هو يخرج للناس ما يريدون منه لا ما يريد هو منهم وقد يتحول القراء من كتاب الى اخر تبعا لتغير الظروف وما على المؤلف اذن الا ان يجاريهم في ذلك او يقبع في بيته ليريح ويستريح] انتهى….””ايضاً هنا ليريح ويستريح””

وفي ص8 اسطورة الادب الرفيع كتب: [فالقارئ الحديث… يقرأ الكتاب لينتفع منه او يتلذذ به وإني أدرك هذا فيه ولهذا تراني اسعى في كتبي لكي انال رضاه واعطيه المنفعة واللذة قدر المستطاع] انتهى

من هذه المقاطع التي كنتُ مضطراً الى اعادتها…أين الوردي من رأي خبراء فن الكتابة الحديثة وأين من انسياب القلم وأين من تخمر وتلاقح ما قرأ في عقله الباطن؟ وهل راجع الوردي ما كتب في كل ما أصدره من كتب؟

 الحقيقة اشك في ذلك ومما وجدته في كتبه من تناقضات صارخة وقعت حتى في الصفحة الواحدة احياناً يجعلني أقول انه لم يراجع فصلاً واحداً من تلك الفصول الكثيرة التي كتبها وليس كتاباً كاملاً.

 هناك في التحذير الذي وضعه الوردي في بداية الكتاب كما اشرت في الجزء السابق قال: [إن هذا الكتاب ربما ينفع الراشدين من الناس…الخ]. وهنا في هذه المقدمة وضع عبارتين ان صح القول فيهما انهما “خشنتين” والعبارتين هما:

 1.[الذي لا يجد من نفسه ولعاً بمتابعة هذا البحث ان يقف عند هذا الحد فلا يتعداه].

 تعليق: الراحل الوردي مُصِر على ان ما سطره في هذا الكتاب هو” بحث” ولا اعرف وربما قصور مني ان البحث يمكن ان يكون: “سفسطة وتكرار وتناقض”…إذا كان البحث هكذا، فماذا نقول عن “تسفيط الحجي” والنقل والنسخ “منا حجاية ومنا حجاية”؟؟؟؟ان القارئ لا يحتاج الى نصيحة الكاتب ان سأم وقرر التوقف عن اكمال الكتاب وربما حتى تمزيق الكتاب او رميه احياناً.

  2.[إذ يكتفي بما قرأ في المقدمة فيريح ويستريح].

تعليق: “فيريح” هنا قد تحمل بعض من معنى: “الي يكمل قراية الكتاب لا يدوخني ويتفلسف هاي ليش اوذيج شنو تره ما لي خُلْكَه”.

أما “يستريح” فواضحة…أي يكفيه ما اطلع عليه و “لا يدوخ راسه ويدوخ الناس هيج كَال الوردي وهيج حجه الوردي…هذا الموجود تريد ارنب اخذ ارنب تريد غزال اخذ ارنب”.

نعم، الراحل الوردي طرق موضوع كان قليلين من أشاروا اليه او كتبوا عنه في المنطقة والعراق وقتها…لكنه استعجل طرح هذا الموضوع المهم وبتلك الصيغة المضطربة التي لا تؤدي الى النتيجة المرجوة منها ان كان فيها ما يُرتجى… لِمَ هذه العجلة والراحل الوردي في بداياته في التخصص وفي الكتابة والنشر؟ وهو يعرف ويؤكد ان فيما يرد في هذا الكتاب “سفسطة وتناقض وتكرار”…لماذا لم يتهيب/يتأنى في النشر وهو يعرف ان “السفسطة والتكرار والتناقض” عيوب ستثير شكوك وتَنَّدُرْ سواء كان القارئ راشد أوغر مستجد حيث سيحتار ماذا يأخذ من هذا الكتاب لينتفع ويتلذذ به، هل يأخذ التناقضات ويحتار أيها صحيح.

 يمكن لي ان آخُذْ ما ورد في خاتمة المقدمة نفس مأخَذْ ما ورد في “التحذير” والقول ان هذه دعوة للقراءة وهذا المقطع لا يختلف في الغاية منه عن “التحذير” الذي انطلق به الوردي في بداية هذا الكتاب. ان من يتحمل قراءة مقدمة من ثلاثين صفحة تقريباً لا يتكاسل في الغالب إنْ اُعْجِبَ بالموضوع عن إكماله، مع إقراري بأن فن الإعلان والدعاية ضروري لجذب القارئ الى الاستمرار في متابعة فصول الكتاب وهذا ليس عيباً او خطأ بل انه مستحب/واجب لأهمية القراءة وعدم الاقتصار على مختصرها الذي ورد في المقدمة. والراحل الوردي أشار مرة الى ذلك حين كتب في اسطورة الادب الرفيع ص8 التالي: [أرجو المعذرة من صديقي محيي الدين حيث اتخذت من مناقشة آرائه وسيلة للاستطراد، ولعلني أبحث من وراء ذلك في آراء بعيدة كل البعد عن آرائه. واشعر بأن هذا ضروري بالنسبة لي. فلو قَّصَرْت كتابي هذا على مناقشة آرائه وحدها لكان أملي في رواج الكتاب ضعيفاً] انتهى

 أعتقد لو اكتفى الوردي بمقدمة لا تزيد عما ورد في ص40 فقط مع بعض التغيير في بعض العبارات وأن يضَّمِنها ما كتب في ص31 من توضيح عن العنوان. وان يجعل المقدمة الطويلة مع ما ورد في الصفحات من211 الى نهاية الكتاب ص238 أي “كلمة لابد منها” ليكون كراسة مكونة من 60 الى 70 صفحة تكون هذه الكراسة مقدمة لكتاب كبير اخر بشكل بحث معمق بهذا الموضوع “خوارق اللاشعور” يُضَّمنه محاولاته الشخصية في دراسة مثل هذه الحالات التي اكيد موجود منها الكثير في المجتمع العراقي وقد عايش الوردي ظاهرة المرحوم المأسوف عليه الأستاذ عادل شعلان ويقارن هذا بما نقله عن علماء اخرين ومجتمعات أخرى لكان قد قدمة خدمة جليلة لأمثال الراحل عادل شعلان و للمجتمع العراقي و علم الاجتماع، كما كانت كراسة شخصية الفرد العراقي التي صارت أساس لكتابة المعروف “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي “ستكون هذه الكراسة أساس لكتاب قد يكون عنوانه “خوارق اللاشعور في المجتمع العراقي”…

حيث من يتبحر بما جاء في كتاب خوارق اللاشعور بعد تلك المقدمة الطويلة، فعلاً يجد فيها الكثير من الحشو والتكرار والسفسطة والتناقض تلك التي حَذَّرَ منها الراحل الوردي لكنه لم يَحْذَرْ. ويمكن ملاحظة ذلك في كل كتب الوردي.

واُذَّكِرْ بالجزء الأخير من خاتمة الوردي عن المقدمة الطويلة:”” وعذري أني أطرق بحثاً لم يطرقه أحد من قبل على هذه الشاكلة. وعساي اوفق فيما بعد الى تنظيمه وتزويقه فأنال بذلك رضا القارئ ـ ورضاه على أي حال عسير] انتهى.

لكن ربما هناك جانب مالي/اقتصادي لعب دوره في طباعة ونشر هذا الكتاب في وقته ورافق كتب الوردي الأخرى!! الراحل غير معذور له الذكر الطيب مرتين الأولى لأنه غير مضطر للغوص بهذا الموضوع بهذه الحالة وذلك الوقت والثانية لأنه لم يعود الى مناقشة ما سطره في الكتاب لا بل اعتمد الكتاب مصدراً له في كتبه التالية.

…………………………………..

الى التالي الذي سيكون بخصوص ما ورد في مقدمة كتاب خوارق اللاشعور.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular