بعد تزايد الانباء الواردة بشأن وجود محادثات سرية جارية بين طهران وواشنطن والترکيز عليها من جانب الاوساط الاعلامية بصورة ملفتة للنظر، فقد بادر المتحدث الجديد باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، الى تکذيب ذلك مٶکدا في تصريحات إن ” إيران لم تكن طرفا في مثل هذه المحادثات أبدا، وكل ما قيل حولهذا الموضوع هو محض خيال من جانب الأطراف الأخرى”، وهذا التصريح يتناقض بشدة مع تصريح آخر کشف فيه النائب الإيراني، جواد كريمي قدوسي قبل فترة قصيرة، عن وجود مفاوضات سرية تقودها وزارة الخارجية الإيرانية مع فرنسا وأطراف أخرى حول برنامج إيران الصاروخي، بهدف تجنب توجيه ضربة عسكرية لإيران وهو أمر لم يتمکن وزير الخارجية الايراني من إنکارها.
هناك ملاحظة مهمة يجب أخذها بنظر الاعتبار عند التصدي للأوضاع السياسية في إيران، وهي إنه وکلما کانت هناك تصريحات متشددة توحي بإتجاه طهران للتصادم مع خصومها فإن الحقيقة والواقع خلاف ذلك تماما، وهناك الکثير من الامثلة بهذا الصدد، لکن الذي يجب توضيحه هنا وضرورة توضيحه، بأن طريقة واسلوب المحادثات السرية التي تجري خلال عهد الرئيس ترامب هي غير تلك التي جرت خلال عهد سلفه أوباما، فالاخير کان يعطي ويأخذ مع الايرانيين، في حين إن ترامب يأخذ ولايعطي، ولاسيما وإن موقف الاقوى وهو الذي يمتلك زمام الامور والمبادرة ويعمل على فرض مايريد، بمعنى إن ترامب ينتظر تقديم طهران لتنازلات صريحة لإيقاف مسلسل الضغوط والعقوبات.
المعلومات المترشحة لحد الان عن هذه المحادثات السرية أو بالاحرى الرسالات التي تبعث بها طهران لواشنطن على أمل تليين موقفها، إن الادارة الامريکية لاتقبل بتنازلات مشروطة أو ذات طابع ضبابي تتسم بالغموض، کما کانت تفعل مع الادارة السابقة التي کانت في عجلة من أمرها کي تبرم الاتفاق النووي حتى تعتبره نصرا سياسيا له، فأوضاع إيران خلال عهد أوباما لم تکن أبدا سيئة جدا کما هي حالها في عهد ترامب، والاهم من ذلك إن ترامب جدي الى أبعد حد في تعامله مع الملف الايراني وليس کأوباما الذي کان يبدي مرونة أکثر من اللازم ويغض الطرف عن الکثير من الخروقات والانتهاکات الصريحة للإيرانيين.
الادارة الامريکية الحالية التي تتعامل بنهج يتسم بحزم وصرامة غير مسبوقة فيما لو تمت مقارنتها مع الادارات السابقة التي کانت تلتزم أکثر بنهج المسايرة والارضاء مع طهران، رغم إن الادارة الحالية لو صعدت من حزمها وصرامتها بخطوات أخرى للأمام فإن التأثير سيکون أکبر على إيران، ويبدو إن الادارة الحالية قد أدرکت جيدا بأن اسلوب الحزم والصرامة الذي دعت وتدعو إليه زعيمة المعارضة الايرانية، مريم رجوي، هو الاسلوب الذي تفهمه طهران وتعيه أکثر من أي اسلوب آخر.