الكوردستانيون مقبلون على تشكيل حكومة جديدة في اقليمهم، ومن المقرر أن تشترك فيها الأحزاب السياسية الكوردستانية الرئيسية، وستمثل المجتمع الكوردستاني وفعالياته السياسية والاجتماعية في مرحلة دقيقة ومعقدة، حكومة تأتي بعد الحرب مع الإرهاب طيلة الأعوام الأربعة الأخيرة، وبعد الأزمة الإقتصادية، والأيام الصعبة التي كانت فيها كوردستان ملاذاً وحضناً آمناً لمايقارب المليوني نازح وهارب من بطش الإرهاب والإرهابيين ومحاصرةً من جهاتها الأربعة بسبب الإستفتاء الذي يعتبر حقاً مشروعاً وفق الدستور العراقي والقيم الديمقراطية وكافة القوانين الأرضية والسماوية، وتنتظرها ملفات عالقة مع الحكومة الاتحادية بخصوص المادة 140 من الدستور العراقي والنفط والغاز وقوات البيشمركه.
لن تكون الطريق أمام هذه الحكومة مفروشة بالزهور، بمجرد مشاركة الأحزاب الرئيسية فيها، وبلوغ حد معقول من الوئام على الساحة السياسية وفرض صيغة يقبلها ويتقبلها الكوردستانيون طوعاً، كما يتصورها البعض، لأنها ستواجه مجموعة شروخ محلية وتحديات وتهديدات خارجية معروفة وثابتة. وفي ذات الوقت لن تكون أمام مهمات مستحيلة، وبالذات:
* لو بدأت بالآليات الفعلية لصياغة برنامج وطني يأخذ في أولوياته الإستحقاقات الوطنية والقومية والدستورية، وإلتزمت بشعارات (لاتنحنوا) و(كوردستان أقوى).
* ولو إستطاعت تنظيم الأوضاع الداخلية، وترتيب الأولويات والحفاظ على هدوء الشارع الكوردستاني وتضميد الجراح وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، وعلى موقعها في المعادلات الجيوسياسية، وتوازن علاقاتها مع بغداد ودول الجوار، عبر آليات دبلوماسية ناعمة ذات أبعاد منطقية.
* ولو إستطاعت الإلتزام بنهج وإستراتيجيات الحكومة الحالية في التعايش والتسامح والسلم وسياسات الأمن والدفاع والإقتصاد والبناء والتعليم والصحة والسياحة والبناء، وأن تكون متممة لها في حلحلة العقد.
*ولو إستطاعت تعزيز العلاقات مع بغداد وعواصم دول الجوار والعالم، والنأى بالنفس حيال المشكلات المعقدة في المنطقة، وعدم المشاركة في الصراعات الدائرة أو التي ستدور بين التكتلات والأقطاب الموجودة أو التي تتشكل لاحقاً.
مسرور بارزاني الذي سيتم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، والذي رحبت بترشيحه أطراف دوليّة وأمميّة وعراقيّة وكوردستانيّة كثيرة، ملم بحكم موقعه ومسؤولياته خلال السنوات السابقة وتأهيله العلمي وعلاقاته القوية مع الرئيس مسعود بارزاني ورئيس الحكومة الحالية بكل التفاصيل التي تتعلق بالسياسة ودهاليزها وبحال وحياة الكوردستانيين، ويدرك جيداً من خلال متابعته لمجريات الأحداث نقاط الضعف والقوة لدى جميع الفرقاء والأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، أن المرحلة الحالية وفق كل المقاييس هي مرحلة التحولات التاريخيّة، والمنعطفات السياسيّة. ويؤمن بأن مهمته ليست سهلة أبداً، وان إستلام المسؤولية في أي بلد لن يكون نزهة او ترف سلطة، بل هي مهمة مثقلة بالهموم والمطالب وتحتاج الى الشجاعة والتسامح والحكمة والتروي والتضحية والصبر والمصارحة والمصالحة والشفافية وإعتماد الأساليب الديموقراطية ومعايير العدالة ونزع صواعق القنابل الموقوتة.
وبعيداً عن المؤامرة ونظريتها، وبعيداً عن الغرق في بحر الأمنيات، نقول سيجد الآخرون أنفسهم مضطرين على الموافقة على ما يرفضونه اليوم أو كانوا ما يرفضونه بالأمس عندما وضعوا الحكومة الحالية برئاسة نيجيرفان بارزاني أمام إختبارات متعددة، والذي كرّم في الإمتحان وفتح صفحة جديدة في وقت الجد، وقاد سفينة نجاة كوردستان وأوصلها الى بر الأمان. وبشكل جديد ومغاير وبحكمة ومنطق سيغيرون نظرتهم الى الثوابت السياسية والتاريخية، والشرعية الديمقراطية، لمصلحة إندماج حقيقي وعميق مع السلطة الوطنية، والمشاركة فيها.