.
في أسبوع واحد، نفذت القوات الأمنية 4 حملات عسكرية ضد مواقع يرجّح وجود عناصر من تنظيم داعش فيها، أخراها بدأت يوم أمس ويعتقد أنها ستستمر لعدة أيام.
ومنذ بداية العام الحالي، تحول التنظيم من مهاجم الى مدافع، حيث لم يتمكن من شن هجمات مؤثرة تذكر طول الأشهر الـ5 الماضية.
وعقب زوال ما كان يعرف بـ”أرض التمكين”، وهي المناطق التي سيطر عليها التنظيم وفرض فيها تعليماته المتشددة، عاد الى أسلوبه القديم: أسلوب العصابات.
هذا التكتيك رغم أنه أقل عنفاً مما كان يجري قبل سنوات بالسيارات الملغمة والانتحاريين، إلا انه قد يكون حرباً مفتوحة (استنزاف للقوات الأمنية)، قد لا تنتهي في وقت قريب، بحسب بعض التحليلات.
بعد إعلان بغداد، في كانون الأول 2017، انتهاء سيطرة “داعش” على الأراضي التي كان يحتلها، لجأ عناصر التنظيم المهزومين الى أطراف المدن والمناطق النائية.
تلك المناطق معروفة بشكل جيد لأغلب المسلحين، المحليين خاصة، حيث شهد بعضها الانطلاقة الأولى لـ”داعش” في 2014، كما نفذت منها بعض العمليات قبل ذلك الوقت.
كانت أغلب العمليات تجري بنفس الأسلوب الحالي، (اضرب واهرب)، او كما تسمى عسكرياً بـ”الكرّ والفرّ”، قبل ظهور “داعش” بشكل علني قبل 5 سنوات في الموصل وسيطرته بعد ذلك على 200 ألف كم مربع من مساحة العراق.
عمليات التفتيش
بطبيعة الحال أن المناطق التي اختارها التنظيم سابقاً، وعاد إليها بعد الهزيمة، كمواقع يمكث فيها في انتظار الانقضاض على المدن وعرة للغاية وبتضاريس مختلفة، ما يصعّب مهمة القوات الأمنية التي تحتاج الى مهارات متعددة للتعامل مع أراضٍ مختلفة التكوين.
يقول عبد الكريم خلف، وهو خبير عسكري، في تصريح لـ(المدى): بعد انتهاء الحرب على داعش يجب أن يفكر العراق في “إعادة تأهيل القوات الأمنية بطريقة تضمن وجود تشكيلات جديدة للتعامل مع طبيعية التضاريس المختلفة في البلاد.”
واستخدم داعش المنطقة الجبلية مثل حمرين، ومكحول، والخانوكة (شمال بغداد)، وقره جوخ (قرب مخمور)، في أغلب الأوقات كمضافات استراحة، حيث وسّع الكهوف داخلها ووضع مولدات كهرباء وأطعمة جافّة ومطاحن للحبوب. وكشفت عمليات التفتيش الأخيرة في شرق تكريت بعضاً من تفاصيل حياة ما تبقى من عناصر داعش في تلك المواقع.
أكثر تلك المواقع يتم تمشيطها سيراً على الأقدام، بسبب صعوبة مرور العجلات وملاحقة عناصر التنظيم فيها.
يقول عبد الخالق العزاوي، عضو في لجنة الأمن في البرلمان، لـ(المدى) إن “عمليات التفتيش بعد هزيمة داعش تتكرر في الشهر مرتين تقريباً في أغلب المناطق المحررة.”
عادة لا تعطي القوات الأمنية معلومات واضحة عن عدد القتلى او المعتقلين في عمليات التمشيط، وتتضارب تصريحات المسؤولين المحليين حول الأعداد.
عمليات التفتيش قد تكون مرهقة ومكلفة للقوات الأمنية، حيث تبدو (القوات) وكأنها تلاحق أشباحاً، رغم أنها تسفر في بعض الأوقات عن العثور على مضافات للتنظيم ولكنها خالية في أكثر الأحيان، سوى من بعض الأوراق وما تركه عناصر التنظيم قبل انتقالهم الى مكان آخر (مؤقت) يعودون اليه بعد انتهاء الحملة العسكرية.
يضيف العزاوي أن داعش لم يعد باستطاعته شن هجمات واسعة، لكنه قد يقطع طريقاً او يهاجم قرى. ويوضح: “تدمير المضافات أمر مهم لأن داعش سيعرف أن مواقعه قد كشفت وأنه لن يعود إليها.”
لكن بالمقابل في قرية صغيرة مثل مطيبيجة، الواقعة بين ديالى وصلاح الدين، احتاجت القوات الأمنية 5 عمليات عسكرية على مدى أكثر من عام، حتى يختفي التنظيم منها، رغم أن هناك شكوكاً من انتهاء نشاط داعش بالكامل.
أين يختفي المسلحون؟
قبل أقل من أسبوع، قالت القوات الأمنية إنها انتهت من عملية عسكرية في حمرين، الواقعة بين صلاح الدين وديالى، كانت قد نفذت في مطلع نيسان الماضي، لكنها لم تذكر ما الذي تحقق بالتفاصيل او فيما لو كان هناك معتقلون او قتلى.
ويقول العزاوي: “ماتزال هناك 15 قرية خالية من السكان بين المحافظتين، بسبب خلافات بين قيادتي عمليات صلاح الدين ودجلة”، مشيراً الى أن تلك المناطق خالية من القوات الأمنية ولم يسمح للسكان بالعودة إليها لأنها غير مؤمنة. اتساع المساحات الواقعة خارجة المدن (التي لجأ اليها التنظيم المنهزم) تجعل مهمة مسك الأراضي من القضايا الصعبة، لذا تلجأ القوات الأمنية الى عمليات التمشيط المتكرر وعلى التصوير الجوي.
في “الزور” او “الحوايج”، كما يسمها السكان في كركوك (وهي مستنقعات مائية تشبه الأهوار)، ينصب فيها عناصر داعش كمائن للقوات الأمنية. ويقول علي الحسيني، القيادي في الحشد الشعبي في المحور الشمالي، إنه “أمر معقد أن نعثر على المسلحين في تلك المناطق، لكثافة الأحراش وتنقلهم السريع.”
تلك المستنقعات تحولت بالنسبة لعناصر داعش، بعد الهزيمة، الى مواقع مؤقتة للاختباء. يضيف الحسيني لـ(المدى): “كل 3 او 4 من عناصر داعش يختبئون في تلك الأماكن ويتنقلون، لذا نحن نشن بين حين وآخر هجمات مفاجئة.”
في آخر حملة عسكرية في أطراف كركوك والحويجة، انتهت قبل 3 أيام، تم تدمير 60 موقعاً ومخزن سلاح لداعش، بحسب بعض البيانات الأمنية، لكن لا توجد بالتأكيد معلومات عن مسلحين.
في الحويجة، كان هناك 3 آلاف مسلح بعد تحرير الموصل، اعتقلت القوات الكردية “البيشمركة” في 2017 ألفاً منهم تقريباً، وقتل في المعارك، بحسب بعض التقديرات ألفٌ آخر، لكن الألف الأخير ربما يكون حراً بين السكان أو مختبئاً. ويقول الحسيني: “نعالج أغلب الأهداف في المناطق الصعبة بالهاونات، ويساعدنا الطيران العراقي”، مبيناً أن كركوك، بعد تلك الحملة، أصبحت أكثر أمناً.
في نفس الأسبوع الماضي، أعلنت خلية الصقور الاستخبارية تفكيك خلية إرهابية واعتقلت 7 من عناصر “داعش” في غرب الموصل، بالمقابل يقدر تقرير تقصي الحقائق الذي أعده البرلمان الشهر الماضي، نقلاً عن قيادات عسكرية رفيعة أن هناك 650 مسلحاً في جنوب وغرب نينوى.
أمس، أعلنت القوات الأمنية انطلاق عملية واسعة سمِّيت بـ”أسود الجزيرة” في الأنبار. وبحسب مصدر محلي تحدث لـ(المدى) فإن العملية “تستهدف المنطقة الغامضة المعروفة بالجزيرة، والواقعة بين الأنبار وصلاح الدين ونينوى، حيث لا توجد معلومات عن ما يجري في تلك المنطقة.”
وبحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق، فإن 400 مسلح، على الأقل، دخلوا نهاية العام الماضي الى الجزيرة هاربين من سوريا.