المبدع الكبير ( برهان الخطيب ) يبرز قدراته المتمكنة من الفن الروائي , وتقنياته الفنية , واساليب التعبير السردي , واشكال التي يوظفها لتعطي قوة تعبيرية في رؤية النص الروائي , وفي البنية المعمارية المتناسقة , في طرح رؤيته وافكاره , في ارتباط وثيق في صلب فضائية المكان , وارتباط الشخوص المحورية , التي تلعب وتمتد وتتحرك وتتفاعل من اصل هذه الفضاء المكانية . ومقوماتها الدالة والوثيقة لطبيعة التضاريس والمناخ . الذي لا يحيد عن جغرافية المكان , وفي التوجه وتسليط الضوء الشاسع والكاشف لهذا الانتماء , عبر التمدد المكاني والجغرافي ( الحلة . بغداد . روسيا / موسكو . السويد / ستوكهولم ) , بافعال الشخوص المحورية , التي تحملها في عقليتها وثقافتها البعد وخلفيات المكان الاصل , مهما كانت مسالمة , او عدوانية شرسة , او مظلومة ومسحوقة ومطاردة , يطلب رأسها ثمناً . لذلك فأنه هذه الشخوص , تنتمي الى الازمة العراقية , السياسية والاجتماعية , عبر الحقب والمراحل المختلفة التي مرت على تاريخ العراق , وجعلته يعيش في حالة الصراع العنيف والدموي والعدواني , في الصراع السياسي , الذي لا ينتهي إلا بكسر العظم . , لذلك البنية السردية , تسلط الضوء على بانورما السياسية في العراق , على حقبها ومراحلها متنوعة ومتقلبة , التي شهدت الصراع العنيف والدموي , منذ سقوط العهد الملكي , مروراً بقيام الجمهورية الاولى وسقوطها في انقلاب الدموي , ثم انقلاب عارف على البعث , ثم انقلاب البعث على عارف ثانية . والعراق يشهد الانتهاك وجريان الدم , والسلوك والتصرفات العدوانية , التي لا يحكمها , لا خلاق ولاضمير , حتى بتعرض اعراض الناس وانتهاك كرامتهم , وتوج بمجيء البلطجي ( صدام حسين ) ثم اشعال الحرب العدوانية المدمرة , التي شنها بجنون ضد ايران , هذا التوثيق السياسي , الذي يكشف اشكال الصراع السياسي والاجتماعي في العراق , بهدف الاستحواذ على السلطة والنفوذ , واخضاع الناس بقوة الارهاب والبطش والتنكيل . من اجل جعل الناس تحت طاعتهم وقوتهم الشرسة والبشعة , وبعض الاحيان ترتقي الى الهوس المجنون , واطلاق العنان للغرائز المريضة والعدوانية الشرسة , ان تبرز على السطح السياسي , كرجال وقادة للحكم الجديد , استلموا السلطة في غفلة من الزمن . وماهم في حقيقة الامر , إلا عصابات اجرامية , خالية من الشرف والضمير , وتغوص في المستنقع السياسي المليء الحقن والاختناق والدماء . مثل هذه الشخصيات العنيفة ( صدام . عدنان . اياد ) . يمتلكون فن المراوغة والخداع والتقلب . وهناك شخصيات مغلوب على آمرها مثل ( صلاح . خالد . ضرغام ) وهناك شخصيات تلعب على الحبلين , لكنها في النتيجة تقع كضحية . مثل ( رباب . حامد ) . هذا التشابك المعقد , هو نتيجة الصراع السياسي الثعلبي المتشابك , الذي تمرست عليه الفئية الاولى والعائدة الى حزب البعث ( صدام . عدنان . اياد مجيد ) . وكشفت عن وجهها العدواني الكاسر في استلام السلطة , ولم يتوانوا بالفتك الدموي حتى برفاق تنظيمهم واصدقائهم القدماء . هذه منصات المتن الروائي في البناء الروائي . ومن ابرز التوظيفات , هي توظيف زمن الاسترجاع الزمني ( فلاش باك ) الذي اخذ مساحات واسعة من الحبكة السردية في النص الروائي , في كشف عن اصول هذه الشخصيات المحورية , واسلوب تعاملها بالسلوك والتصرف , وانتمائها السياسي ( بعثي . شيوعي . مستقل ) . ويبرز التصرف العدواني لشخصية البلطجي ( عدنان ) بشكل عدواني بارز , كسياسي ادواته المستخدمة العنف المفرط , والثعلبية الساسية , ولن يتوانى في اطلاق النار حتى على اقرب اصدقائه . ويتقلد منصب في السلك الدبلوماسي . كقنصل تابع لسفارة العراقية في ( موسكو / روسيا ) وجدها فرصة في التحرر من كبته الجنسي , الى اشباع غرائزه بالمتعة الشبقية والحياة الناعمة والمخملية , واصطياد الفتيات الروسيات . من السهرات والحفلات والمطاعم الفخمة , لينتهي التجوال الى فراش المتعة الجنسية . لذلك نجد في المتن السردي , العمق العراقي الجغرافي ( الحلة . بغداد ) حتى اثناء تواجدهم في ( روسيا . السويد ) .
×× احداث المتن الروائي .
تحدثت وسائل الاعلام والنشر بصخب بارز , واصبح الحدث الاول في نشرات الاعلامية والخبرية , عن وقوع جريمة مروعة في احدى الغابات , وجدوا في كيس القمامة , اعضاء بشرية مقطعة ببشاعة . وبدأ العمل المثابر والمهتم بالتحريات من جانب الاجهزة الامنية والتحقيقية . في الاهتمام بهذه الجريمة المروعة , ولمعرفة الدوافع لهذه البشاعة , وكذلك بدأ في تقصي الحقائق في معرفة القاتل والقتيل , وبعد جهود في التحري والتحقيق , عرف اسم الضحية . عراقي بأسم ( أياد مجيد ) وانه كان ضابطاً في السابق في الجيش , وتنقل الى روسيا خلال الدورة التدريبية في ( موسكو ) فترة من الزمن . ثم اللجوء الى السويد . ربما أسمه غير حقيقي , مستعار او وهمي لتوميه . لان بعض العراقيين يخفون هويتهم واسمائهم الحقيقية , ويتشبثون بالاسماء المستعارة والوهمية , لمحاذير ودوافع شتى . ثم ينقلنا الحدث السردي في زوم ( فلاش باك ) على خلفيات الجريمة المروعة . الى مدينة بابل ( الحلة ) وارتباط ( أياد مجيد ) بعصابة ( عدنان ) وانتمائهم الى حزب البعث , وبروز دورهم الارهابي والعدواني , بعد انقلابهم على الجمهورية , في انقلاب دموي . واطلاق العنان للكلاب المسعورة ( الحرس القومي ) ان تنهش الناس وتبيح القتل والاعتقال , والفتك بأعراض الناس . فقد كانت عصابة ( عدنان . اياد . يعرب ) تفعل الجرائم والاعمال اللاخلاقية وتقوم بمطاردة وملاحقة الناس وخاصة الشيوعيين . واقترفت عصابة ( عدنان ) جريمة قتل في بيت ( سالم عبدالستار / والد خالد ) اثناء المطاردة لعمه الشيوعي البارز ( صلاح ) . ولكن بعد سقوطهم في انقلاب عارف عليهم . بدأ التحري في بيت ( سالم عبدالستار ) لمعرفة الدوافع الجريمة واسبابها التي وقعت في بيتهم , وتم استدعى ( خالد ) لمعرفة المزيد عن جريمها والمجرم . ومن خلال التحقيق معه , انكر وقوع الجريمة في بيتهم , واعتراف بأن عمه ( صلاح ) شيوعي بارزلا يعرف عنه شيئاً . واراد المحقق , معرفة هوية ( خالد ) السياسية . هل هو من الشيوعيين . أم من البعثيين . أم من القوميين . أم من الاسلاميين . فأجاب خالد :
( – اميل الى ذوي الاخلاق الحسنة , لا دعوى لي بأفكارهم
– لا تتهرب من السؤال , من مصلحتك ان لايساء فهمك , الكل يعرف نظامنا محايد الآن , وهناك سباق بين الشيوعيين والبعثيين على الوصول الى القصر الجمهوري لاستلام المسؤولية .
– أنا مهندس ولا دعوى لي بالسياسة .
– أنت تكتب في الصحافة ايضاً ؟!
– ميلي تجده فيما اكتب ) ص112 .
وعند مجيء البعث ثانية الى السلطة . تعرض ( سالم عبدالستار / والد خالد ) الى اطلاق ناري من مسدس المحافظ الجديد ( خيرالله طلفاح ) في اجباره لبيع بيته الى المحافظ , وكان نتيجة الرفض , اطلاق النار عليه بشكل مباشر . وبعدها انتهز ( خالد ) فرصة البعثة الحكومية الى روسيا , بالمواصلة دراسته هناك , والهرب من العراق . ولكن لابد ان نرجع الى الخلفيات قبيل انقلاب البعث الثاني على ( عارف ) ومحاولة ( عدنان ) كسب ( حامد ) شقيق ( خالد ) الى تنظيم البعث , والتعرف عن قرب على صدام , بقول عدنان ( اسمع حامد , واصل عدنان كلامه يوجد الآن شخص من جماعتنا سوف يصبح قائداً كبيراً في المستقبل القريب , اسمه صدام , هذا اسمه الحقيقي لا الحزبي , هو بحاجة الى شباب مخلصين من امثالك , اذهب وقابله مرة , سوف يكون هذا ذا نفع كبير لك ) ص136 . وينخرط ( حامد ) في البعث ومخططاته وينسى خطيبته ( رباب ) من خلال انخراطه في الجهاز الامني وانشغالاته الكثيرة . حتى شارك في عمليات مطاردة عمه الشيوعي ( صلاح ) بدافع من عدنان العدو اللدود الى ( صلاح ) . في تصاعد الحملات الارهابية ضد الشيوعيين , واستخدام اسلوب البطش والتنكيل بحق الناس الابرياء , وكذلك المعارضين لسلطة البعث . وقد كشف صهر الرئيس الهارب الى الاردن ( حسين كامل ) عن ضخامة التصفيات الجسدية . حيث قال في مؤتمره الصحفي آنذاك , بأنه حدثت (تصفيات عديدة لمعارضين , حدث وبطرق مختلفة تصفية اكثر من اربعة الآف وست مئة شخص , صفوهم مثلاً في يوم واحد ) ص161 . هذه هي صور من وحشية العنف الدموي آنذاك . في اغراق العراق في بحر من الدماء . وجاءت الحرب لتزيد الطين بلة . وانقلبت الحياة الى رعب , على وقع صفارات الانذار ودوي الصواريخ . اصبح ليل العراق مخيف ومرعب . بالركض الى الملاجئ لتفادي الصواريخ الساقطة على بيوت الناس عشوائياً . وينقل ( عدنان ) الى السلك الدبلوماسي , كقنصل تابع لسفارة العراقية في روسيا . ويسهل عملية منح بعثة دراسية حكومية الى روسيا , الى خطيبة حامد ( رباب ) حتى تكون قربه وايقاعها في حبائله الجنسية , في اشباع غرائزه الشبقية الدفينة , في المتعة الجنسية . وبالفعل نجح في ايقاعها في حبائله , حتى اجهضها اكثر من مرة . وكانت من جملة عشيقاته , وكذلك اصطاد الفتاة الروسية الجميلة ( غالا ) فكان يلتقي بها في الحفلات وسهرات الخمر والمطاعم الفاخرة , لينتهي الليل على فراش المتعة الجنسية . ولكن كانت ( غالا ) تمارس عملية التجسس والرصد الى جهاز الامن الروسي عليه . وكانت تنقل كل شاردة وواردة وتقصي الاخبار والاسرار , في عمل تجسسي متقن , ومحاولة جذب ( عدنان ) بالتعاون معها , بحجة انه مطلوب رأسه من الحكومة والمعارضة . وفي عملية تخويف وهي توجه كلامها الى عدنان :
( – بل احتمال موتك مثلاً …. من يدري !
– ما جعلك تفكرين هكذا ؟
– الحرب . ومعارضة متزايدة لكم في كل الاتجاهات .
– ماذا تعرفين عن المعارضة ؟
– اكثر مما تتصور .
– مثلاً ؟
– بعضهم يتمنى قتلك .
– تقصدين أياد ؟
– ولماذا اياد ؟!
– ربما تصور , أنني أخذتكِ منه أو أضمر له سوء )ص250 .
ولكن قائمة اعداء ( عدنان ) المتربصين في قتله , يضاف الى القائمة أبن مدينته القديمة الحلة ( ضرغام ) فقد كان ( عدنان ) السبب المباشر في قتل ابيه واتهامه بالتجسس . لذلك تصرح ( غالا ) بحقيقة نواياه في التربص لقتل ( عدنان ) وقد صرح ( ضرغام ) في نيته في قتل عدنان , طلباً لثار مقتل ابيه . بدعوى النار تبقى ملتهبة , لا تنطفئ إلا بقتل عدنان . هكذا افشى سره الى صديقه القديم ( خالد ) بقوله ( هناك اشخاص مستعدون لدفع المطلوب مقابل تنفيذ عقاب بعدنان يكون درساً لاصحابه . هو عدو لكثيرين ) ص291 . ويحاول ( خالد ) ان يقنع صديقه بترك اقتراف جريمة . ويضرب مثلاُ بأن أبيه تعرض الى اطلاق نار من قبل محافظ بغداد . ولكن ( ضرغام ) يصر على فعل القتل والثأر
( – العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم ) ص293 . ويساهم ( عدنان ) , في ترحيل وابعاد ( خالد ) عن روسيا بطرده منها . وكذلك تتسارع الامور . في استدعى ( عدنان ) الى بغداد , وترك ( رباب ) حامل , لانها لا يمكن هذه المرة , ان تجهض مرتين في عام واحد , يكون خطراً على حياتها . لذلك تواجه كلامها الى عدنان ( لسنا روس ولا الطفل جالس في احشاء بطني . نذالتك معروفة ولكن الى درجة التملص مني الآن . أستخدمتني طول الوقت للتجسس على الناس . اغريتني . فحملت منك . خنتني مع الرايحة والجاية ) ص330 . . ويذهب ( عدنان ) الى بغداد ويتوجه الى القصر الجمهوري . وهو متيقن بأن حياته انتهى بها المطاف بالموت المرعب , وساعات طويلة من الانتظار قابله ( صدام ) وهو في حالة يرثى لها من الرعب , في مواجهة صدام المرعب ( ليس اي رئيس كان . بل صدام باعث الرعب في الآنام ) ص336 . وبالفعل عرف انها وشاية من صديقه القديم ( أياد مجيد ) وبعد اذلال ومهانة يطلق سراحه , ولكن عليه ان ينفذ حكم الاعدام بصديقه ( أياد مجيد ) باطلاق الرصاص عليه مباشرة . وبالفعل نفذ حكم الاعدام . وتيقن بأنه على قائمة الموت والاعدام القادم , اذا لم ينتهز فرصة الهروب , لينجو من الموت المرتقب , وبالفعل , قام بعملية الهروب الى خارج العراق .
× رواية : الجنائن المغلقة / الجزء الاول
× المؤلف : برهان الخطيب
× الطبعة الاولى : عام 2006 . بغداد
× الطبع والنشر : دار الشؤون الثقافية العامة
× عدد الصفحات : 375 صفحة
جمعة عبدالله