السبت, نوفمبر 23, 2024
Homeمقالاتهل سيكون الكرد حطب الصراع الروسي الأمريكي : د. محمود عباس

هل سيكون الكرد حطب الصراع الروسي الأمريكي : د. محمود عباس

 

 في الحقيقة، ليس من باب التشاؤم وإنما للحذر والحيطة، مرعب مستقبل المنطقة الكردية، من عدة أجه، أهمها: احتمالية أن تقوم روسيا في قادم الأيام، فيما إذا جرت الأمور بعكس ما تخططه، ولحماية محميتها، بقصف مناطق تواجد القوات الكردية أو قوات قسد، مثل عين عيسى أو حول الطبقة والرقة وغيرها، ولن يكون غريبا توقع صدور تهديد، مشابه لبيانهم الموجه إلى مؤتمر العشائر في مدينة عين عيسى، للمدن الكردية مثل قامشلو والحسكة وغيرهما، فالتصريحات والتعليقات الصادرة من الشخصيات العروبية، أثناء ملتقى رؤساء العشائر العربية في قرية جرمز بريف قامشلو بتاريخ 3/5/2019م، تحمل في طياتها بدايات للتهديدات الروسية المتوقعة، فظهورهم وبهذه العنجهية وعلى مقربة من مقر الإدارة الذاتية، واتهامهم البعض من الكرد بالتعامل مع أمريكا واعتبارها خيانة للوطن، ويحرضون على الانفصال، وعليه لا يستبعد أن تكون روسيا وراء هذا التجمع بشكل أو أخر، وهذه تتماثل مع ما فعلته تركيا قبل احتلالها لعفرين وأساليب استخدامها للفصائل العسكرية العربية المعارضة.

 لا شك، روسيا تتدخل في أدق التفاصيل الجارية في سوريا، وتتعامل مع قضاياها كإحدى محمياتها، وتكاد أن تجردها من الهيمنة على أبسط قراراتها الداخلية، وقد تبينت هذه بشكل أوضح عند إصدارها البيان العدائي ضد ملتقى العشائر العربية-الكردية في عين عيسى، وتناسيها التلميح فيما بعد إلى مثيلته المنعقد في قرية جرمز، وعلى الأغلب، أنها حرضت السلطة على عقده، بتكليفهما للمربع الأمني في قامشلو، والذي كشف على أن نظام الأسد لا يزال يحكم جزء واسع من شرقي الفرات، رغم الوجود الأمريكي، أي بما معناه أن لروسيا سيطرة ما على المنطقة الكردية، وأنه بإمكانها، بتحريض السلطة اليوم وليس بعد الخروج الأمريكي خلق الفوضى والدمار قدر ما يستطيع، وعن طريق الخلايا البعثية والعشائر العربية الموالية للنظام، والمربع الأمني في قامشلو والحسكة، والذي يملك إمكانيات التحرك بقوة أو كما يقال أنه مستحكم بأهم أمور المنطقة بشكل غير مباشر، وبسند من القوات العسكرية السورية المنتشرة على اطراف المدينتين. والغريب، وحيث وجه التناقض، أن هذا الحضور العسكري للسلطة لا يتعارض والوجود الأمريكي في نفس المنطقة، ولا مع القوات الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية، والتي على الأرجح يتم التوافقات أو تبادل المعلومات العسكرية بينهم عن طريق الإدارة العسكرية الروسية في سوريا، وهذا ما صرح به جيمس جيفري في واشنطن قبل شهر، وكذلك في 15 أذار الماضي في بروكسل.

  ما بين الملتقيين أبعاد وأجندات، غلب على الأول المنعقد ضمن المنطقة الكردية-الأمريكية، وبحماية سلطة كردية أو كما يقال الإدارة الذاتية، حمل البعد الوطني، ولربما عكست بعض المصالح الأمريكية، ولذلك برز العداء الروسي له معتبرة إياها محاولة لتقويض منصة آستانا، وبالتالي اندرجت ضمن صراع المصالح والأجندات بين روسيا وأمريكا. ومن المتوقع في المستقبل تصاعد التضارب بين مصالحهما في المنطقة الكردية، والبيان الروسي مؤشر لما مر معنا في المقدمة، وبطبيعة الحال سيكون الكرد وقود هذا الصراع، وهم الخاسر الأول والأكبر، وبالتالي لربما ينتظر منطقتنا مستقبل مرعب، وهذا ما يحثنا أن نطالب كل القوى الكردية وبشكل خاص الـ ب ي د والإدارة الذاتية العمل على إنجاح المشروع الفرنسي، حتى ولو افترضنا أن أمريكا لا تساندها بشكل مباشر حاليا.

 والثاني، كرد مباشر على الأول، والمنعقد على بعد كيلومترات قليلة من مراكز الإدارة الذاتية، والقواعد العسكرية الأمريكية، غلب عليه الطابع العروبي العنصري بامتياز، وعكست الأجندات الروسية-السلطة تحت الشعارات البعثية العروبية، وصدر منه نداءات ضد الوجود الكردي، مع تهديدات مباشرة، واتهامات عنيفة، كالانفصالية، وتقسيم سوريا، وغيرها.

  لا خلاف على أنه في واجهة الصراع الروسي الأمريكي، تظهر السلطة، والمعارضة، والكرد، الأقطاب السورية الثلاثة، لكن وجودهم وزوالهم كقوى مرهون بحماتهم، لا يمكنهم التحرك أو فرض شروط أو حضور مؤتمرات أو حوارات حول سوريا بدونهم، فمثلما أضطر النظام الالتزام بشروط روسيا وإيران وتقبلت وعلى مضض أن تكون محمية، كذلك المعارضة، لضعفها ورغم صراعها مع روسيا الحامية لأردوغان، تكالبت لتصبح محمية تركية، وليس فقط قبلت بل تعمل جاهدة أن تكون سوريا كوطن وشعب وقوى سياسية وعسكرية تابعة لها. وهكذا الكرد (أطراف الإدارة الذاتية) بحثوا في كل الأوجه، إلى أن استقروا تحت الخيمة الأمريكية، للحفاظ على كيانهم السياسي والديمغرافي، وفيما بعد الإداري-العسكري، لأنهم كانوا الحلقة الأضعف في المحافل الدولية، ولثقل قضيتهم، وتشعباتها المتجاوزة من مجرد شعار لـ (إسقاط النظام) عند نهوض الشعب يوم كانت ثورة في بداياتها السلمية، أو تغيير السلطة، لذلك حاول هؤلاء البعض من الكرد الاحتماء بروسيا، وحينها أظهرت للعالم وكأنها تحتضن الكرد وقضيتهم في سوريا، ولمحت إلى ما يشبه الفيدرالية، لكنها في الواقع كانت متذبذبة لبعض التوقعات المرتبطة بالتحولات الجارية ما بين تركيا وأمريكا والناتو، وتمهلت قبل أن تتخلى عنهم كقوى عسكرية وإدارية، ولم تحرك ساكنا يوم كانت داعش تطرق أبواب معظم المدن الكردية. وعندما حلت تركيا في أحضان روسيا، وظل الكرد لفترة بين نيران معظم القوى المتصارعة في المنطقة، وعندما دعت المصلحة الأمريكية التدخل في سوريا، بعد محاولاتها الفاشلة مع القوى العربية استقر رأيهم الاعتماد على القوات الكردية الموجودة، والملائمة كقوة عسكرية وعلى منطقتهم كطبيعة جغرافية، وبدأت المسيرة معهم بعد مجريات أحداث مدينة كوباني ومحاربة داعش، ومن حينها تحولت جنوب غربي كردستان إلى محمية أمريكية.

  وهنا نتحدث عن مصير أمة تتأمر عليها كل القوى حتى تلك المختلفة والمتناحرة بين بعضها، كتركيا وإيران، السلطة والمعارضة التكفيرية، لذلك تقبل بعض الأطراف الكردية الحماية الأمريكية لا تتعارض والوطنية، بقدر ما هو احتماء بقوة كبرى قد تحافظ عليهم ككيان وشعب وقضية، وهي لا تختلف عن قبول السلطة الحماية الإيرانية والميليشيات الشيعية وحزب الله، وعرضها سوريا كمحمية روسية مع تقديم امتيازات لا حدود لها. وكذلك تقبل المعارضة بكل فصائلها الشروط التركية-القطرية، وقبلها السعودية بكل مساوئهم.

   وفي الواقع وفي معظم المواقف، تبينت أن القوى الكردية المحتمية بأمريكا أو المتعاملة مع المعارضة، هم القوى الوطنية الوحيدة والصادقة مع الشعب السوري، فبعضهم شكلوا قوات تمثل معظم أصناف المجتمع السوري، رغم تحفظنا على كثيره، وآخرون ظلوا معارضة صادقة ضمن الإتلاف رغم كل بشائع الأخيرة بحق الكرد. وعليه، لا يوجد كثير اختلاف حول القضية السورية بين تركيا وروسيا وإيران وأمريكا، بل وإسرائيل، فيما لو تدخلت بشكل مباشر في سوريا، حتى ولو كان البعض يدعي الاعتراف الشرعي أو الرسمي الدولي أو العمل على إسقاط أو تغيير نظام دكتاتوري.

  وهنا أسئلة عدة تطفو، منها:

1-     هل هناك تمايز بين التعامل التركي مع الملف الكردي عن الروسي في الفترة الأخيرة؟ وهل تحافظ قوى المعارضة على الأبعاد الوطنية أكثر من النظام؟ بل هل ظل شيء أسمها الوطنية في سجلات الطرفين؟ وهل النظام والمعارضة أكثر حرصا على الوحدة السورية من القوى الكردية؟

2-     لماذا لا يصدر النظام بيانات تنديد بالتدخلات التركية في شمال سوريا، المنطقة الكردية. وما هي حجم التمدد الشيعي الإيراني في المنطقة؟

3-    ما هو الموقف الروسي من القضية الكردية في سوريا، ليس حاليا، بل في المستقبل، وهل ستظل مصرة على فرض السلطة المركزية؟

4-    ما حجم التجهيزات اللامرئية للعشائر والقوى العربية في المنطقة، للطعن في الوجود الكردي عند حلول الظروف الملائمة؟

5-    لماذا يتم التركيز من قبل السلطة على مفهوم الانفصال في المنطقة الكردية بالتحديد، في الوقت الذي تكاد مناطق السنة أن تكون شبه مستقلة.

 فما ذكر تؤدي بنا إلى طرح الأسئلة التالية والمهمة بالنسبة لنا:

1-     ما هو مستقبلنا ككرد ومنطقتنا، شمال وشرقي سوريا وفي مقدمتها عفرين، أي جنوب غربي كردستان، وهل سنكون حطب للصراع الروسي الأمريكي؟

2-    هل نحن أمام موجة صراع من نوع جديد ظهر أو سيظهر على مسرح سوريا، أحد طرفيها، عروبي-تركي-إيراني مدعوم روسيا، وكردي-عربي مدعوم أمريكيا؟

3-    gأليس كل هذا يتم بتخطيط روسي كتكتيك لإخراج أمريكا من سوريا، وتحجيم دور أدواتها وبالتالي مصالحها، كأوراق ضغط على الوجود الأمريكي، وبالتالي تضطر روسيا التحرك ضدنا، أو لتقزيم قضيتنا ضمن سلطة مركزية ربما بحقوق ثقافية؟

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

6/5/2019م

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular