يتحسّس العراقيون قرع طبول الحرب بين الولايات المتحدة وإيران وهي تُقرع في المنطقة، وسط قناعة متزايدة بأن بلادهم ستكون ساحة الشرارة الأولى لأي مواجهة عسكرية من هذا النوع، ويشكّل التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران، هاجساً مُقلقاً لدى العراقيين، الذين تشتبك مصالح الدولتين المتصارعتَين على أرضهم.
ويمكن للعراقيين أكثرَ من غيرهم أن يتحسّسوا تحضيرات الحرب، ويحكموا على مدى جدّيتها، لخبرتهم الكبيرة فيها، لا سيما إذا كانت الولايات المتحدة أو إيران طرفاً فيها، إذ سبق للعراق أن تقاتل مع كل منهما في ما مضى. ويرتبط العراق بشريط حدوديّ طويل مع إيران، تبلغ مساحته 1458 كيلومتراً بدءاً من الممر المائي المسمى شط العرب، الذي يصب في الخليج العربي جنوباً، إلى النقطة الحدودية الثلاثية المشتركة مع تركيا شمالاً.
بين مصالح واشنطن ومصالح طهران
وتتنوّع المصالح الإيرانية في العراق من نفوذ سياسي في بعض من أكبر دوائر المشهد العراقي وأحزابه، إلى أمني في الكثير من تشكيلات الجيش والشرطة والحشد الشعبي، إلى اقتصادي في الكثير من المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص، فضلاً عن حلفاء يقودون فصائل مسلحة يبلغ تعداد عناصرها الآلاف، تدين بالولاء العقائدي لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي.
في المقابل، لدى الولايات المتحدة في بغداد أكبر سفارة أميركية في العالم، تضم حوالي 3000 موظف، فضلاً عن جيش من المستشارين المدنيين والعسكريين في مختلف مؤسسات الدولة العراقية، وأكثر من خمسة آلاف جندي.
خطوة الحرب الأولى… إيرانية
ويعتقد بعض أقرب المراقبين العراقيين أن إيران وليست الولايات المتحدة، هي من ستبدأ الخطوة الأولى في الحرب، يقول شيروان الوائلي، وهو المستشار العسكري للرئيس العراقي برهم صالح، تعليقاً على سؤال “من سيبدأ الحرب؟” “الوضع الإيراني محاصر، ويواجه حرباً اقتصادية وحرب الخنق والتجويع”، مشيراً إلى أن “مضاعفات تلك الحرب تزداد بقوة، يضاف إليها القرارات القاسية التي يصدرها الرئيس ترمب على مدى الأشهر المقبلة، وهي أشهر الانتخابات التي ستستمر إلى سنة ونصف السنة تقريباً”.
ويعتقد الوائلي، أن الإيرانيين لن يدخلوا خلال هذه الأشهر أي مفاوضات مع الولايات المتحدة، “اعتقاداً منهم أنها تتضمّن شروطاً قسرية، وبالتالي فإنهم يجدون أن الحرب أو التحرّش أو قطع مضيق هرمز أو البدء بالمشاكسة، قد يكون أفضل لهم كسراً للاختناق الأميركي”.
ويواصل الوائلي الحديث قائلاً “اليوم المصالح الأميركية، كما المصالح الإيرانية، تطوّق المنطقة، وبالذات أمن إسرائيل وقواعد واشنطن في المنطقة وكذلك شركاتها النافذة في العراق والخليج”، مشيراً إلى أن الإيرانيين “سيجدون أنفسهم أمام خيار كسر هذا الخناق عنهم، وقد يكون نتيجتها توجيه ضربة إيرانية صادمة لمصالح الولايات المتحدة، وثمنها قد يكون باهظاً ولكنها قد تكون جزءاً مهماً من الحلّ الذي يجبر الإدارة الأميركية على الجلوس بشروط تفاوض معقولة وليس شروط إذعان”.
ولا يشك الوائلي في أن الولايات المتحدة على يقين من أن إيران مستعدة للحرب كلياً في هذا التوقيت، في ضوء معلومات استخبارية من مصادر متعددة، منها العراق وإسرائيل، وهو ما قد يدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في حساباتها في شأن كلفة هذه المواجهة.
الميليشيات العراقية أم حزب الله؟
ويستبعد وزير النقل العراقي السابق عامر عبد الجبار أن تنفّذ الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً مباشراً على إيران، مشيراً إلى أن ذلك قد يطلق رداً إيرانياً يشمل أطرافاً كثيرة في المنطقة، وهو ما لا يفضله الأميركيون.
ويتّفق المراقبون على أن إيران لن تتورّط في خوض معركة عسكرية من هذا النوع على أرضها، لا سيما مع عدد “الوكلاء” الذين تمتلكهم في الخارج، وتحديداً في العراق ولبنان، لكنهم ينقسمون في شأن ما إذا كانت أولوية طهران، إذا ما اندلعت المواجهة مع الولايات المتحدة، فتح الجبهة العراقية، ممثّلة بفصائل مسلحة تدين بالولاء للمرشد الأعلى علي خامنئي، أو اللبنانية، ممثلة بحزب الله.
ويقلّل عبد الجبار من قيمة التوقعات التي تشير إلى إمكان تنفيذ الولايات المتحدة غارات ضد مصالح حزب الله اللبناني، الحليف الوثيق لإيران، بالنظر لتشابك الأوضاع في الجبهة السورية، وهشاشة الترتيبات السياسية في لبنان، ليخلص إلى القول إن العراق ربما يكون الساحة المثلى للولايات المتحدة لاختبار طبيعة الرد الإيراني. ويرجّح عبد الجبار “احتمال توجيه ضربة عسكرية استباقية إلى بعض الفصائل المسلحة أو الشخصيات المهمة المحسوبة على إيران في العراق”، مشيراً إلى أن “ردود أفعال هذه الفصائل محدودة، وتتمثل بضرب السفارة الأميركية أو بعض المواقع التابعة لها من دون أي توقّع لرد فعل عسكري إيراني”.
قلق عراقي كبير
وبدا القلق العراقي من اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران كبيراً للغاية، مع استمرار التصعيد المتبادل بين البلدين، وعبر اثنان من أبرز القيادات السياسية العراقية، عن مخاوفهما من انزلاق الأوضاع في المنطقة إلى هاوية المواجهة المسلّحة.
وقال زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أحد أبرز الحلفاء العراقيين لإيران، إن “التصعيد العسكري في المنطقة ودقّ طبول الحرب والتلويح بالمواجهة المصحوبة بفرض عقوبات اقتصادية منفردة من قبل الولايات المتحدة ضد إيران، يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية”، مشيراً إلى أن هذا التصعيد “سيفرض تداعيات خطيرة على الشعب الإيراني المسلم وجميع شعوب المنطقة لا سيما شعبنا العراقي الذي خرج للتوّ من حرب مدمرة مع تنظيم داعش الإرهابي”.
أضاف المالكي أن “سياسة التهديد باستخدام القوة والأسلحة الإستراتيجية، ومحاولة فرض الإرادة والهيمنة بالقوة، ستدفع الأمن والاستقرار في المنطقة إلى حافة الانهيار”، محذراً من “اندلاع دورة جديدة من العنف الشامل، وبداية فصل من القتل والتدمير والخراب، في الوقت الذي تحتاج شعوب منطقتنا الحساسة إلى مزيد من الهدوء والاستقرار وتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعاون المشترك”.
وانطلاقاً من حرصنا الأكيد على المصالح العليا للشعب العراقي، وتضامناً مع الشعب الإيراني المسلم وجميع شعوب المنطقة، وحفاظاً على الأمن والاستقرار لدول وشعوب المنطقة والعالم، وحفاظاً على النظام الدولي واستقراره”، طالب المالكي “الجميع بإعلان موقف موحّد إزاء السياسات التي تهدّد مصالح شعوب المنطقة والعالم”، داعياً إلى “تحكيم لغة العقل والحوار، ونبذ سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة على الآخرين، وحلّ المشاكل العالقة بين الدول بأساليب حكيمة وواقعية ومنتجة ووفق القرارات الدولية”.
كما دعا المالكي “الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودول العالم التي ترتبط بعلاقات حيوية مع منطقتنا، من أجل إطفاء فتيل الانفجار الذي سيطاول لهبه المنطقة بأسرها”.
لتقديم وساطة
من جهة تحالف الإصلاح (أكبر كتلة نيابية في البرلمان العراقي) حذر رئيسه عمار الحكيم، “من الآثار الكارثية والخطيرة التي ستطاول العراق نتيجة ممارسة الولايات المتحدة الأميركية سياسة الخنق لإيران حكومة وشعباً”، داعياً “الحكومة العراقية إلى تقديم مبادرة وساطة بين الطرفين”. وقال الحكيم “الصراع الأميركي الإيراني، وتأثّر العراق به، لا يأتي نتيجة اختياره موقفاً معيناَ، بل بسبب موقعه في قلب المنطقة”، مشدداً على “ضرورة تجنيب العراق أي آثار محتملة، وإبعاده عن لعبة المحاور ولكنه في الوقت ذاته لن يقف مكتوف الأيدي حينما يتعلق الأمر بمصالحه وأمنه”.
وقال الحكيم “سياسة تصفير الصادرات النفطية الإيرانية التي تبنّتها الولايات المتحدة تعني الانتقال من سياسة الضغط إلى سياسة الخنق لإيران ودولتها وشعبها، وسيكون لهذا المنحى آثار كارثية وخطيرة في المنطقة عموماً والعراق بشكل خاص”، مشيراً إلى أن “على العراق أن يعي هذه التطوّرات الخطيرة، ويتّخذ المواقف المسؤولة لتجنب الكارثة”. ودعا الحكيم الحكومة العراقية إلى الانتقال من “سياسة الوسط إلى سياسة الوسيط الذي يسعى إلى تخفيف حدة الصراع”، مقترحاً “تقديم مبادرة وساطة بين الطرفين لمعالجة الأزمة المتصاعدة في هذه الأيام”.
وحضّ الحكيم على “استثمار لحظة الانفتاح والتقارب الإقليمي والدولي الذي لم يشهده العراق طيلة العهود الماضية، وهو من الفرص الذهبية التي يجب استثمارها جيداً”.