الابادة الايزيدية المستمرة منذ العام 2014 م:
” تاريخكم الغني ثقافيا وروحيا مليء بالانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان. مليء بالكوارث والفظاعات، مثل الخطف والسبي والقتل والأسلمة والتعذيب. لقد تعرضت مزاراتكم وأضرحتكم المقدسة إلى التدمير والنهب. من استطاع النجاة بروحه من المذابح التي حاقت بكم، كان يٌعتبر محظوظا. لكن حتى ذلك الذي نجى ترك خلفه كل شيء عزيز. قلبي مع أبناء قومكم الذين مايزالون أسرى لدى الإرهابيين. أدعو الله أن يٌسرّع في خلاص هؤلاء، و أن يتمكنوا من العودة إلى أهلهم وذويهم. كذلك أن يسارع المجتمع الدولي إلى تبيان مصير المخطوفين والمفقودين، وأن يتم التعرف على هوية الشهداء، ليكرّموا بمراسيم دفن لائقة، ويتلقوا التقدير والاحترام المناسب لذكراهم. المجتمع الدولي مطالب بالعمل بكل ما يمكن فعله من أجل مساعدتكم وتقديم يد العون لكم. لا يجب أن يقف المجتمع الدولي صامتا غير آبه بما حدث ويحدث لكم. أناشد هنا كل البشر، أبناء كل الديانات والمذاهب والعقائد، وكل المؤسسات المعنية أن يسارعوا في مساعدتكم، والمساهمة في إعادة بناء مدنكم وقراكم، ومزاراتكم المدمرة. لا يجب توفير أي جهد أو عمل يساهم في عودتكم إلى دياركم ومناطقكم، وبناء دوركم المهدمة. يجب مساعدة اللاجئين في المخيمات وتذليل العقبات التي تعترض دربهم من أجل ضمان عودتهم والحفاظ على هويتهم الايزيدية واستمرارية معتقدهم. مرة أخرى أرفع صوتي عاليا للمطالبة بحقوق الايزيديين والدفاع عن حقهم في الحياة والوجود. لا أحد لديه الحق والمشروعية لكي يدعو إلى إمحاء معتقد ما ومحاربته بحجة أن هذاالمعتقد لا ينتمي إلى ما يعتقده هو “منظومة المعتقدات المتسامحة”. هذا لا يجوز أبدا”.
الأسطر السابقة ذات الدلالات الكبيرة، كانت للبابا فرانسيس، والتي قالها في كلمته الترحيبية اثناء استقباله وفد رابطة الاكاديميين الإيزيديين(GEA) الذي زاره في الفاتيكان بتاريخ 24.01.2019. هذه الكلمات الصادقة الدالة على الحرص والمحبة، ما تزال ترن في الآذان ولم تفقد معانيها وراهنيتها. المجتمع الايزيدي ما يزال يعيش أوضاع غير مستقرة في حالة دائمة من الطوارئ.
في الأيام الماضية نشرت شبكات التواصل الاجتماعي اخبارا متعددة وآراء مختلفة ومتضاربة حول مصير الأطفال الذين ولدوا للأمهات الإيزيديات الأسرى من أباء دواعش، وكيفية التعامل مع هؤلاء. لقد أثار هذا النقاش موجة من ردود الفعل ضمن أوساط المجتمع الإيزيدي، وأيضا ردود فعل خارجية. وظهر للنقاش أوجه عدة، بدا بعضها ـ للأسف ـ متشجنا وبعيدا عن النقاش الموضوعي البناء، حيث أن هذا الموضوع حساس للغاية، وثمة أوجه وأبعاد كثيرة له، يجب الاقتراب منها والتعامل معها بروّية وحكمة. وبدا أن البعض نسي بأن المجتمع الإيزيدي، ومنذ الثالث من آب2014 م، يعيش في تداعيات متواصلة، غير منقطعة، للابادة التي تعرض لها الايزيدون في شنكال، وأثرت بشكل بنيوي على كل الايزيديين، اينما كانوا متواجدين حول العالم. المجتمع منذ ذلك الوقت يعيش في حالة طوارئ. في ليلة وضحاها تعرض الايزيديون لهجوم كبير، لإبادة كبيرة وممنهجة، تركوا جراءها مناطقهم وقراهم، وتعرض الالآف منهم إلى القتل والجرح والأسر. تم اختطاف وسبي الآلاف. لقد تعرض الإيزيديون إلى الإبادة والأسلمة والاقتلاع من وطنهم، دون أن تتمكن الحكومة العراقية من الدفاع عنهم وحمايتهم والقيام بواجبها كدولة مسؤولة عن أمنوسلامة مواطنيها. صحيح ان المنطقة تم تحريرها من تنظيم ( داعش) الإجرامي، ولكنها ما تزال غير آمنة وغير مستقرة، وهي منطقة ما يزال النزاع فيها ـ والتنافس عليها ـ واضحا. وهذا يعرقل كل مساعي إعادة البناء والاعمار، ويمنع عودة اللاجئين والمهجرين، ولا يشجعهم على الرجوع لمنازلهم وقراهم. وفي إطار كل هذه الأحداث والمجريات، ما يزال المجتمع الإيزيدي جريحا ومنشغلا بنتائج وتداعيات عملية الابادة. هو منشغل في مداواة جروحه وقد تٌرك وحيدا دون رعاية ومساعدة من أي جهة. هذا الواقع مؤلم للغاية.
مع الإنسانية والوحدة:
” من أنقذ روحا من الهلاك، كأنه أ
ضد التشرذم والانقسام:
لقد عانى المجتمع الايزيدي، منذ وقوع الابادة، من الاهمال، وتٌرك لوحده. لم يتلق أي دعم ملموس ورعاية مناسبة من الدولة ومؤسساتها. لقد أضطر الايزيديون للاعتماد على أنفسهم وقدراتهم الذاتية فقط للتعامل مع تداعيات الابادة. وكانت المساعي الخيّرة في استقبال وإعادة تأهيل الأسرى والمختطفين الذين هربوا أو تم تحريرهم من أيدي المجرمين القتلة. الايزيديون في الداخل والخارج، وكذلك أصدقائهم في كل مكان، بذلوا جهودا جبارة من أجل احتضان واعادة تأهيل المحررين، ودمجهم في المجتمع الايزيدي. لقد كانت هذه عملية صعبة للغاية، في ظل حالة التمزق الوجداني والصدمة التي تعرض لها الايزيديون، إلى جانب الحالة الاقتصادية المزرية التي يعيشون فيها مشتتين، بعد أن دمرت قراهم وذهبت كل منازلهم وممتلكاتهم في اتون حرب الابادة التي شنها الارهابيون المجرمون الذين هدفوا لاقتلاع الايزيدية والايزيديين من الوجود. الايزيديون يعلمون جيدا مدى وعورة طريق ادماج الفتيات والنساء المحررات من قبضة الارهاب الداعشي، ولكنهم يعون بان هذه الطريق الصعبة، هي الوسيلة الصحيحة والاختيار الجيد والأكثر رحمة. الايزيديون يراهنون على الوحدة والتسامح والمصالحة وقيم المحبة، وينبذون التشرذم والانقسام.الخطر الاكبر بالنسبة للايزيديين هو الانقسام والتفرقة والتصارع الداخلي. هذه خطوط حمراء لا يجب تخطيها. وكل انسان ايزيدي خيّر وحر يعي مدى أهمية التكاتف ووحدة الصف والكلمة. وكل شخص لا يفكر هكذا، مدعو لمراجعة ذاته والحكم من خلال مصلحة قومه قبل كل شيء آخر.
لنداوي الجراح ونعيد البسمة:
منذ حوالي خمسة أعوام والإيزيديون ينتظرون، بدون جدوى، محاكمة عراقية وكذلك دولية لما حصل لهم من إبادة في شنكال. ينتظرون الانصاف والاعترف بوجعهم الكبير. ورغم أن ما حصل من إبادة وقتل جماعي وتطهير عرقي صريح، يتضمن كل مقومات وشروط الابادة الكاملة ضد البشرية، اخلاقيا وقانونيا، إلا ان الجهات المعنية من عراقية ودولية لم تقم بواجبها، ولم تتحرك في اتجاه الاعتراف بالابادة التي طالت الايزيديين على أساس الهوية الدينية. الارادة السياسية غائبة هنا. الحكومة العراقية التي وقعّت معاهدة الامم المتحدة المتعلقة بالاعتراف بالابادات الجماعية بحق مجموعات بشرية محددة، لم تقم بكل ما يقع على عاتقها من أجل تمثيل قضية الايزيديين والدفاع عنها، على طريق الحصول على الاعتراف الدولي بأن ما حصل للايزيديين كان حقا ابادة جماعية وجرائم ضد البشرية. وطبعا القانون الدولي يعتبر الاغتصاب جريمة بحق الأفراد. وفي الحروب يٌنظر إلى الاغتصاب كسلاح من الأسلحة التي تنتهك القانون الدولي. وهناك حاجة ماسة لوضع برنامج علاجي للتعامل مع ضحايا الاغتصاب ومعالجتهم من النواحي النفسية والاجتماعية. هذا البرنامج من شأنه أن يساعد ضحايا الإرهاب الداعشي، ويتعامل مع ألمهم الانساني، ولكنه في الوقت نفسه يعتبر واجبا من واجبات الدولة العراقية، المٌطالبة الآن بالعمل بكل جدية وصدق لمساعدة مواطنيها من ضحايا الإرهاب، ومعالجة آلامهم، على طريق إعادة ادماجهم في المجتمع، علّ ذلك يٌعيد الثقة المفقودة في الدولة ومؤسساتها، ويمنح الأقليات انطباعا بأن المرحلة السابقة لن تتكرر، وان الدولة ستلتفت إليهم أخيرا، وهو ما يحقق نوعا من الطمأنية ويعيد الثقة بين المواطن الإيزيدي، أو ذلك المنتمي لأقلية، ومؤسسة الدولة، ويكون الأرضية المناسبة لتحقيق نوع من المصالحة على الصعيدين الاجتماعي والرسمي.
يعيش حول العالم ما يقارب المليون إيزيدي. وفي منطقة شنكال قبل الابادة كان يعيش 400 ألف ايزيدي. ونظرا للأوضاع الأمنية المتردية، وحالة الدمار في البنية التحتية، وانعدام الخدمات، وغياب برامج إعادة البناء ومساعدة المدنيين الخائفين من العودة والحياة والعمل، فإن عودة اللاجئين والمهجرين في هذا الوقت أمر غير متوقع ومنظور. الملاحظ الآن، للأسف، حالة من التطهير العرقي لكل من الإيزيديين والمسيحيين في عموم منطقة الشرق الأوسط. المنطقة أصبحت خالية من الإيزيديين والمسيحيين، ويجب وقف هذا التطور الخطير، والمساعدة في بقاء هذينالمكونين الأصيلين القديمين في مناطقهما. تراث آلاف السنين من العلم والدين والفلسفة لا يجب أن يضيع ويصبح منسبا ومجرد آثار. المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته في هذا الصدد والتحرك للمحافظة على الاقليات الصغيرة المستضعفة وحمايتها وخلق المناخ المناسب لبقائها على أرض الأجداد.
متمسكون بالهوية والحقوق الإيزيدية:
لقد تعرض الإيزيديون في الماضي إلى عدد لا يحصى من المذابح والابادات. وكانوا في كل مرة يخرجون أكثر تمسكا بهويتهم وتراثهم وخصوصيتهم، مبدين في نفس الوقت قدرا كبيرا من المرونة والانسجام والتأقلم مع الظروف القاهرة والمصاعب الهائلة. كانت الإيزيدية تتمسك بتعاليمها السمحة والانفتاح على كل العقائد والبشر، بروح من المحبة والتسامح والقبول والميل المبدئي للسلام والعيش المشترك. وهذه الخاصية سوف تستمر وتترسخ أكثر وأكثر في هذه الظروف الصعبة، لكي تعبر بنا إلى بر الأمان، وتمنحنا قدرا أكبر من المسؤولية والتسامح والحضن الدافئ فيالتعامل مع الضحايا الأبرياء ومداواة جروحهم وآلامهم الكبيرة.
رابطة الأكاديميين الإيزيديين (GEA)
نسخة منه إلى:
ـ الجمعيات والبيوتات والاتحادات والمنظمات الايزيدية في ألمانيا
ـ مؤسسات التلفزة والإذاعة الألمانية
ـ وكالات الأنباء الألمانية والعالمية
ـ الصحف والمجلات الألمانية
ـ الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا
ـ الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا
ـ منظمات الدفاع عن حقوق الانسان
ـ المجلس الاستشاري اليهودي في ألمانيا
ـ جمعية العلويين في ألمانيا
ـ المجلس الاستشاري الإسلامي في ألمانيا
ـ المجلس الاستشاري الأرمني في ألمانيا
ـ الاتحاد السرياني في ألمانيا
ـ منظمات الدفاع عن حقوق اللاجئين.