بالأمس، عندما تم القضاء علی دکتاتوریة البعث في العراق فرحنا لنهایة عصر الإبادة والتغيير الدیموغرافي وقلنا بأن سقوط الطاغي صدام سوف یساهم في رفع الظلم والحیف و یخفف من المعاناة المادیة والمعنوية التي لحقت بآباءنا وأجدادنا من جراء عملیات الغدر والقتل والأنفال و الإبادة الجماعیة والتعریب والتهمیش والإقصاء والحرمان من حقوقنا في المواطنة والشراكة والإنسانیة.
الیوم وبعد مرور ستة عشر عام علی تغير الحکم في العراق والقضاء علی الفاشیة نشهد مرة أخری ولادة ظاهرة التعریب والتهجير المنظم في مدینة كركوك و باقي المناطق الکوردستانیة الخارجة عن إدارة حکومة إقلیم کوردستان والمسمی بالمتنازع علیها، تقوم بتنفيذها جماعات مرتبطة بأحزاب سياسية، من أحزاب السلطة في بغداد، الذین جعلوا من العراق دولة فاشلة و مرتعاً للإرهابیین و عصابات الجرائم المنظمة، منهم محافظ كركوك بالوکالة و شلّة من عصابات مسعورة، تعادي الكورد و تناهض كوردستانیة كركوك و تنكر بأن ما تحقق للشعب الكوردستاني في العراق ما كان ليتحقق لولا التضحيات العظيمة التي قدمها هذا الشعب طيلة تاريخه المليء بالتضحيات.
إن قضیة الإیمان بالوطن والذات هو فطرة إنسانیة راسخة في قلوب الكوردستانیین لا یمکن للعنف والقمع والإستیلاب والأعمال اللاإنسانیة واللاأخلاقية والعدوان النیل منها.
أما قضیة السعي لتفریغ كركوك من الشعب الكوردستاني وتوطین قومیات أخری مکانه لغرض التغيير الديموغرافي فمآلها الفشل الذريع وذلك لأن الوطن خلاف لایقبل القسمة علی نصفين من حیث المنطق والعقل والنضال من أجل الإستقلال أمر لا یساوم علیه القیادة الكوردستانیة.
هنا یجب علینا أن نسارع في تحضير مؤتمر وطني جامع للأطراف السیاسیة الكوردستانیة الفاعلة، تضم شخصیات وأطراف أخری من مدینة كركوك لوضع مشروع سیاسي و إقتصادي وإجتماعي مشتركخاص برسم مستقبل مزدهر لهذه المدینة الجریحة.
إن محاولات إدارة كركوك التي فرضتها مليشيات الحشد بعد 16 أكتوبر في طمس هوية مدينة كركوك الكوردستانية والإستیلاء علی أراضي المواطنين الكورد الزراعیة ومصادرة و نهب ممتلكاتهم وإعادة تنفيذ سياسة التعريب التي كانت تنتهج من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة حیال كرکوك، خاصة في فترة حکم البعث، لا یمكن قبولها من قبل الكوردستانیین.
في السابق قامت أنصار الفكر العروبي القوموي بتدليل المدينة الكوردستانية كركوك و تسميتها بالعراق المصغر، وذلك بسبب تواجد قوميات أخری كالأخوة التركمان والعرب والآشوريين و الأرمن فيها.
واليوم يكشف المحافظ بالوکالة المدعوم من قبل الحشد الشعبي أوراق لعبة جديدة، إذ نراه یحذر الكوردستانيين بأن المساس بهوية كركوك خطر يجب تفاديه ويعيد الوصف العروبي القديم للمدينة بقوله “كركوك عراقیة للعراق ولن نقبل ضمها الی أي أقلیم و لن نسمح برفع العلم (الكوردستاني) أو الإستفتاء فیها”.
هنا نقول لە بالحرف الواحد، من قام بنفي الآخر وحاول محو خصوصیته وقفز فوق کل القواعد والمعاییر والحدود، يريد بعمله هذا دعم عملیة تدمير العراق و إنهاء التعایش السلمي في كركوك وذلك من خلالتعزیز الموقف العروبي و إحیاء فكرة الشوفینیة، التي مازالت قائمة في أذهان الكثیرین في الأوساط العربیة ممن یدیرون الحکم العراقي في صراعهم مع الفکر الدیمقراطي الفدرالي، تلك الفکرة التي تنص بأن کرکوك مدينة عروبیة عراقية.
إن المجاهدة في سبیل إنکار کوردستانية کرکوك والإنشداد الی الوراء، بدلاً من التوجه نحو الحاضر والراهن والمستقبل، بالسعي للخروج من المنطق الإختزالي و السجن العقلي و الحتمیة الأيديولوجية لا تفيد كركوك و أهلها.
لقد تعمدت حکومات كل من المالكي والعبادي عن سبق اصرار في تنفيذ الدستور والمادة 140 المتعلقة بالحل السلمي لقضیة کرکوك وأظهرت نياتها السيئة المبيتة الى العلن لتعقيد المسألة وسعت الی ترحيل هذا الموضوع الى اجندات اقليمية تعرف انها تقف في موقف العداء الكامل الصارم لكل أمر مرتبط بتلك القضية.
الحكومة الإتحادية تعمدت طوال مدة حكمها عن سبق إصرار في تنفيذ المادة 140 من الدستور المتعلقة بالحل السلمي لقضية كركوك والمناطق الكوردستانية الأخری الخارجة عن إدارة إقليم كوردستان.
لذا نطالب الحکومة الحالیة أن لا تنهي هذا لانهج وأن لاتستمر علی سیاسةالقفز فوق الاحداث و نفي المتغيّرات، التي کانت تنفذ في السابق.
إن المكابرة و التهرب من المسؤولية و إنكار الحقائق الصارخة والترويج لجحيم الآلة العسكرية لا تورث سوی النزاعات الداخلیة والهزائم والمهالك للشعب العراقي.
أما تواجد قوات الحشد الشعبي في كركوك والمناطق الكوردستانیة خارج إدارة الإقلیم بحجة حمایتها من الإرهاب فأنە لایزید من نار الأزمة إلّا اشتعالاً.
ولتعلم الأطراف التي تسعی في إحیاء علوم البعث و نشر الفکر الطائفي بأن النظرة الشمولية العنصریة والشوفينية والطائفية المقیتة، عدوة الدیمقراطیة والفیدرالیة في العراق، ولّت عهدها وأن الإعتراف بحق آلآخر وبالفيدرالية والديمقراطية هي لغة العصر والحلول لا تقوم علی نفي الواقع في کرکوك.
و ختاماً نقول: “لندیر الشأن المشترك بصورة تتسع معها مجالات الحق و مساحات الحریة، بقدر ما ننمّي ونعزّز علاقات التواصل والتفاعل بين النظراء أو الشركاء، سیما في هذا العصر، حیث تتداخل المشاغل والمطالب، بقدر ما تتشابك المصالح والمصائر.”