(للخيانة طعم لا يتذوّقه إلا الخائنون، وللخيانة رائحة لا يشمها إلّا المخلصون) …..
واجه الحزب الشيوعي العراقي في عامي 1977 ـ 1978 هجوما شرسا على منظماته من قبل النظام البعثي , وتحولت الاجراءات الارهابية إلى نهج ثابت ضمن مخطط متكامل للقضاء على الحزب ومنظماته ورفاقه وخاصة الذين وقفوا بالضد من سياسة الحزب الجبهوية وفقا لشروط وإملاءات حزب البعث والاستعداد المتصاعد لتقديم التنازلات تلو التنازلات لإيمان بعض قادته وكوادره (للسير مع (البعث الحليف) جنبا الى جنب صوب الاشتراكية)……!!
اضافة الى خرق تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي بالعديد من الجواسيس والعملاء , وتشخيص وجذب وشراء العناصر المرتدة و المهزوزة وإفساد العناصر الضعيفة من قبل حزب البعث منذ ايام (الجبهة , 1973 ـ إلى اواخرعام 1978) , وزرعهم داخل تنظيمات الحزب كخلايا نائمة والاستفادة منهم لاحقا , (حسب الوثائق الامنية والاستخباراتية البعثية التي حصلت عليها الحزب الشيوعي العراقي بعد انتفاضة اذار 1991 تبين ان الخطط والاجراءات التخريبية البعثية للقضاء على الحزب وضعت منذ منتصف السبيعينات من القرن الماضي وتحديدا منذ قيام الجبهة وارتباط الشيوعي العراقي بعلاقات تحالفية رسمية مع حزب البعث) ..
ففي اواخر عام 1978 قام حزب البعث بحملات ملاحقة واعتقالات واسعة ومتواصلة , ومارست اجهزته الاستخباراتية اشكالا متنوعة من التعذيب والتصفية الجسدية وانتزاع (البراءات) في مختلف مدن العراق .
وفي ظل هذه الاجواء الارهابية برزت فكرة اللجوء إلى الكفاح المسلح في كوردستان (كأمر واقع) , لانقاذ وابعاد الرفيقات والرفاق عن براثن ومخالب اجهزة النظام الفاشي ..
وبجهود دؤوبة وشاقة ونكران ذات من قبل بعض الكوادر واعضاء واصدقاء الحزب المخلصين الذين ساهموا في التهيئة وتوفير مستلزمات الكفاح المسلح نشأت النواتات الانصارية الاولى في مناطق كورستان المحررة .
لقد توجهت المجموعات الانصارية الاولى الى جبال كوردستان وهي تفتقر الى السلاح والمال والمؤن , وتعاني من الارتباك وضعف الثقة بقيادة الحزب الذي دخل في جبهة مع البعث رغم معارضة القاعدة الحزبية والكوادر وبعض من قادته , ولكن رغم ذالك فان العمل اخذ يتسع ويتوطد وتزايد الجهد لتوفير المستلزمات المادية واعداد الكادر …
ومن اجل النشاط الاعلامي والتنظيمي وايصال الرفاق الملتحقين الى القواعد الخلفية , تم توجيه المفارز الانصارية نحو العمق في كوردستان , الا انها اجبرت الى الدخول في معارك غير متكافئة وغير محسوبة مع العدو , مما سبب وقوع ضحايا جسيمة في صفوف الانصار , وكانت معركة (قزلر) (*) إولى هذه المعارك … ولمعرفة تفاصيل وخفايا واسرار هذه المعركة فتحنا ملف (معركة قزلر) والتقينا بالرفاق المشاركين في المعركة وبأهالي قرية قزلر, كما اطلعنا على دفتر جيب صغير فيه ملاحظات بخط يد الشهيد الفنان (معتصم عبد الكريم), والذي وثق تواريخ واحداث مهمة قبل استشهاده في تلك المعركة …
ـ التقينا بأحد المشاركين في معركة (قزلر) ليحدثنا عن تفاصيل المعركة وهو الرفيق النصير والكاتب الصحفي (احمد رجب) المعروف بـ (سيروان) … وسألناه :
رفيق (سيروان) هل لك ان تتحدث عن معركة قزلر باعتبارك احد المشاركين في المعركة ؟
ـ الرفيق (سيروان) : تكوّنت مفرزة حزبنا البطلة من 16 نصيراً وهم كل من : حمه كريم قه ره جه تانى (حه مه صالح) , حسن رشيد (فلاح) , كمال مام همزه (ههژار), عمر حه مه بجكول (ملا حسين), معتصم عبدالكريم (أبو زهره) , شفيق كريم (ماموستا شاهو) , صلاح حسن (ماموستا خالد) , سرباز الملا احمد باني خيلاني , عمر علي (عمر بووره سلمى) , ماموستا جمال محمد امين , حمه صالح سورداشي (ماموستا سهردار) , رؤوف رشيد (بيكهس) , (ع . ط . أ) , (أبو محمد ), برهان احمد (عطا) , وانا احمد رجب (سيروان)، وقد خرجت المفرزة في الفجر من قرية (زيوي) في الجهة المواجهة لمدينة السليمانية، وصعدت جبل (بيره مه كرون) بعد السير لساعات طوال في البرد وعلى الثلوج، ومن ثمّ النزول إلى قرية (قزلر)، حيث وصلنا في الساعة 11 بغية الاستراحة إذ كنا متعبين جدا وعليه قررنا ان نتناول وجبة الظهر.
قاطعت الرفيق (سيروان) وقلت له : من هو : (ع .ط .ا) ولماذا لا تذكر اسمه كباقي اعضاء المفرزة ؟
ـ الرفيق ( سيروان ) : للاسف هذا الشخص تبين لاحقا بانه كان (مندسا في صفوف الحزب وعميلا) ذليلا عمل لخدمة حزب البعث الفاشي وتسبب في استشهاد رفاق ورفيقات الحزب وكان ايضا له دور في كشف مفرزتنا المتوجهة الى قرية قزلر وهو شخص معروف لدى الكثير من الرفاق والرفيقات والحزب ايضا … !!
يستمر الرفيق ( سيروان ) في حديثه ويقول :
في الساعة 12 من يوم 24/3/1980 حلقت إحدى طائرات الهليكوبتر في سماء قرية (قزلر) المقابلة لجبل (بيره مه كرون)، والواقعة في وادي (ميركه بان وعباسان) والتابعة لناحية (سه رجنار)، وفي الحال تبعتها هليكوبترات أخرى وبدأت بعملية إنزال الجنود والجحوش، واندلعت المعارك فوراً بين القوات النظام البعثي وقوات أنصار حزبنا الشيوعي العراقي.
لقد دفع العدو الجبان بأعداد كبيرة من القوات بما فيها القوات الخاصة والجحوش المرتزقة و19 طائرة هليكوبتر ومنها السمتيات التي جرّبها النظام ضد الأنصار قبل القيام بإستخدامها في الحرب ضد إيران.
لقد دارت رحى معركة غير متكافئة بين عناصر مدربة من جيش له خبرة جيدة في الوقوف ضد الجماهير وقمع تطلعاتها وإنتفاضاتها وبين عدد قليل من الأنصار بأسلحتهم العادية والرديئة جدا ، ولقد ظنّ العدو الجبان بأنّه يتمكن من إبادة المفرزة الباسلة أو القبض على أفرادها، إلا أنّ الأنصار الشيوعيين وقفوا بكل بسالة وصمود ضد المجرمين الغزاة وخيبوا آمالهم القذرة.
وفي الواقع كانت أسلحتنا عادية ورديئة وقديمة وهي عبارة عن : 2 كلاشنيكوف، 8 جيسي، 1 برنو، و5 ماو(وهو سلاح رديء جداً، كانت مادة للتندر والنكات ومن أسوأ الأسلحة الصينية) , وبعد 4 ساعات من المعركة وصلت مفرزة بطلة من قوات بيشمه ركة الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة (إسماعيل كه وره ديى) من قرية (جوخماخ) ، ودخلت المعركة فوراً لمناصرة أشقائهم في الحزب الشيوعي العراقي.
في الساعة 6 مساءً بدأ العدو من جمع خسائره وفلوله وترك أرض المعركة والعودة إلى إسطبلاته ومقراته.
اما خسائرنا فكانت إستشهاد الأنصار البواسل :
1. عمر حمه بجكول (الملا حسين) عامل في معمل تنقيح السليمانية.
2. شفيق كريم (شاهو) مدرس اللغة الأنكليزية في ثانوية روشنبير في السليمانية.
3. معتصم عبدالكريم (أبو زهرة) فنّان تشكيلي من بغداد
4. حسن رشيد كادر حزبي من السليمانية ومسؤول قوة حماية مقر اللجنة المركزية في بغداد.
5. كمال مام همزة (هه زار) عامل بناء في السليمانية.
وجرح النصير الشجاع “شهاب” من بيشمه ركة الاتحاد الوطني الكوردستاني.
لقد تم دفن النصير “الملا حسين” في قرية (جوخماخ)، كما تمّ دفن الأنصار الآخرين “شاهو وأبو زهرة وحسن وهه ژار” في مقبرة (قزلر)، وفي يوم 25/3/1980 شنّ العدو الدكتاتوري هجوماً كبيراً بالدبابات والسمتيات على قرية (قزلر) مرة أخرى وأستطاعت لعدم وجود أنصار في القرية المذكورة من إخراج جثث الشهداء الأربعة ونقلها إلى مدينة السليمانية، ومنعت السلطات الدكتاتورية المجرمة ذوي الشهداء من إقامة مراسيم الفاتحة على أرواحهم الطاهرة.
وهنا لابد ان اُذكر دور الام البطلة (اختر شيخ علي) وهي ام الشهيد (حسن) التي وقفت بوجه الطغاة بعد ان استلمت جثة ابنها الشهيد وقالت بان الشهيد (معتصم عبدالكريم ـ ابو زهرة) هو ايضا ابنها واخذت الجثمان مع جثمان ابنها و اودعتهما في مقبرة (كردي شهيدان في السليمانية) جنب بعض و كانت تزورهم وتضع اكاليل الزهور على قبورهم حتى آخر يوم في حياتها .
ـ تقول السيدة (ريزان) وهي من اهالي قرية (قزلر) وكانت عمرها انذاك 11 عاما :
في يوم 24/3/1980 دخلت مفرزة بيشمركة الحزب الشيوعي العراقي الى قريتنا , وطلبوا منا ان نزودهم بما لدينا من الطعام , وكانوا منهكين جدا ,وبعد ان رحبنا بهم بحرارة, بدأنا بإحضار الطعام والشاي لهم, وبعد ان توجهت المفرزة الى جامع القرية للاستراحة وانتظار وجبة الغداء , وبعد فترة استراحة قصيرة , فوجئنا في تلك الاثناء بعدد من المروحيات العسكرية تهبط قرب الجامع وتم انزال قوات مشتركة من (الجيش والجحوش) , هاجمت القوات فور انزالها على الجامع وباشروا باطلاق النيران باتجاه الجامع , وفي نفس الوقت باشرت مروحيات اخرى عمليات البحث والتمشيط بحثاً عن البيشمركة وكانت تقصف القرية واطرافها عشوائيا …مما ادى الى وقوع خسائر مادية ونفقت العديد من المواشي والحيوانات …
فأضطرت المفرزة الشيوعية للدخول في مصادمات وجها لوجه واستمرت الاشتباكات ساعات عدّة ، فأستشهد اثناء المعركة عدد من البيشمركة داخل وخارج الجامع فيما تمكّن الآخرون من الانسحاب باتجاه الجبل .
واثناء المعركة وصلت مفرزة من قوات بيشمه ركة الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة (إسماعيل كه وره ديى) لمساندة بيشمركة الحزب الشيوعي ولولا وصولهم ومساندتهم لهم لكانت الخسائر أفدح …
بعد انتهاء المعركة , قامت القوات البعثية بالقاء القبض على اهالي القرية (فقط الرجال) وتم نقلهم الى المخابرات العسكرية , وبعد ايام افرجوا عنهم بعد ان وعدوا النظام بعدم إيواء البيشمركة ومساعدتهم ..
قاطعت السيدة (ريزان) وقلت لها : كيف عرف النظام بوجود بيشمركة الحزب الشيوعي العراقي في قريتكم ؟
ـ اجابت السيدة (ريزان) بدون تردد: ان الأخبار الواردة الينا انذاك اشارت الى انها كانت وشاية وبلاغ من الجواسيس والمندسين سواء كانوا مع المفرزة او خارجها , وحسب جميع الادلة وطريقة الانزال والهجوم المباغت وتطويق القرية ومعرفة زمان ومكان اختفاء البيشمركة يدل على ان القوات المهاجمة كانت على علم بتحركات المفرزة …
اخيرا … اضافت السيدة (ريزان) وقالت : بعد انتهاء المصادمة انسحب الجيش والجاش من القرية فورا , وعليه خرجنا نحن من بيوتنا لتفقد الموقف , رأينا جثث الشهداء من البيشمركة و قمنا فورا بدفنهم في مقبرة القرية , الا ان الجيش عاد الى قريتنا في اليوم الثاني اي في يوم 25 / 3 و قاموا بأخراج رفات الشهداء على الرغم من مطالبة اهالي القرية ومحاولة إمام الجامع من منعهم الا انهم قاموا بأخراج رفات الشهداء واخذوهم معهم الى السليمانية …
كتب الشهيد الفنّان التشكيلي معتصم عبدالكريم (أبو زهرة) في دفتر جيبه الصغير(غلافه من البلاستك) كتب قبل استشهاده بايام :
* وصلنا الى قرية (قزلر) وتعني (البنات الجميلات) ، وهي حقا كذلك …
* يوم 13/14 /4 اختطف 3 انصار من قبل الجحوش وهم نائمون ..لذلك كان استقبال اهالي القرى لنا يشوبه التحفظ /
* حراستي بدأت منذ الساعة 2,30 حتى الرابعة …
* وكتب أيضا (وفي احدى هذه القرى تجمع الاطفال حولنا ، فأخذتهم الى شجرة كبيرة ورسمنا معا وحفرنا على جذعها …..
* ئازادى خواز (كلمات / كريم شاره زا)
21 نوروز (قره جتان) منشورات .. بيان نوروز (الكثير من البيوت لا تستقبلنا بسبب خوفهم من الجحوش والجيش , قبل يومين كانوا هنا) …
* كتب الشهيد (معتصم) في اخر ورقة و قبل استشهادة في معركة (قزلر) بساعات ما يلي:
24 /3 / 1980 : جبل (بيره مكرون) … ونعبره في تمام الساعة السابعة صباحا متوجهين الى قرية (قزلر) مرة اخرى …
* (ملاحظة) لم اشاهد ضيافة في جميع القرى التي مررت بها لحد الان مثل ضيافة قرية (زيوة) …..!!
——————————————
(*) قزلر : كلمة تركية وتعني (البنات)
ملاحظة 1: تم اعداد هذا الملف من قبل مجموعة من نصيرات وانصار الحزب الشيوعي العراقي لإلقاء الضوء على خفايا واسرار معركة (قزلر) وفي مقدمتهم النصيرة : بساز عبدالرحمن , النصير شيركو ابن الشهيد حنا ماربين , النصير بيكه س , النصير بريار , النصيرة نضال عبد الكريم شقيقة الشهيد (معتصم) , وشه مال ابن الشهيد عادل سليم ….
ملاحظة 2 : هناك لقاءات و حوارات و جلسات كاملة ومطولة (صوت وصورة) مع اهالي قرية (قزلر) وانصار معركة قزلر يتطرقون الى تفاصيل وخفايا واسرار عن تحركات المفرزة وتفاصيل المعركة والانسحاب … محفوظة في ارشيف الكاتب .