قبل اكثر من ثلاثين عاماً انطلقت عمليات عسكرية داخل العراق الذي يأخذ انظمته السياسية من الحروب الخارجية و الداخلية قوتها و استمراريتها و بقائها اطول فترة ممكنة ضد الشعب الكوردستاني بهدف ابادته جماعياً ، هذه العمليات سميت باسم الانفال نسبة الى احدى سور القران الكريم ،و التي تعني في ادق معانيها و تفسيرها الغنائم و كيفية تقسيم هذه الغنائم ، و الاسلام منهم براء , بدأت هذه العملية الجرارة على مراحل لتشمل جميع مناطق كوردستان دون استثناء كان اخرها لمنطقة بادينان ، و انتهت هذه المأساة بالقبض على الاهالي من الاطفال و النساء و الشيوخ ليجدوا انفسهم في اراض قاحلة دون مسكن و مأوى في منطقة بحركة في اربيل بعد طول المعاناة و التعذيب تحت سياط الاعداء و الجوع في القلاع ، ولعب أهالي اربيل دورهم القومي المنتظر والمشهود بتقديم المساعدات، اما الرجال فكان مصيرهم الدفن احياء تحت رمال الصحراء التي لاترحم ، و الذين تمكنوا من الفرار الى ايران و تركيا فكان معاملة جنود هذه الدول لا تقل عن نظيرهم في العراق و الاسكان في مخيمات تفتقر الى ابسط مقومات الحياة .
ان الهدف من هذه العمليات العسكرية التي شاركت فيها كل صنوف الجيش و اجهزة الامن و الاستخبارات هو ابادة الجنس الكوردستاني و تحويل منطقتهم الى ثكنة عسكرية محرمة للمدنيين ، و ان كانت قسماً من اهدافهم قد تحققت ، و لكنه خاب ظنهم و تبددت آمالهم ، لأن الشعب الكوردستاني العريق يأخذ من صلابة الجبال ارادتهم القوية ، و انه شعبه دعائمه الجماجم و الدم تتحطم الدنيا و لا يتحطم .. كما قال الشاعر القدير محمد مهدي الجواهري .
ان عمليات الانفال السيئة الصيت حلقة من حلقات تعامل الانظمة السياسية العراقية المتعاقبة ضد الشعب الكوردي الذي ظل و لا يزال يناضل من اجل حقوقه المشروعة ، و انهم يحاولون دائماً دفننا للقضاء على على هذا الشعب الاعزل وطموحاته واماله المشروعة ، و لكنهم لا يستفيدون من التجارب الماضية و مصير اسلافهم ، و بعد كل مرة ينطلق هذا الشعب انطلاقة الصواريخ بأرادة صامدة و جديدة نحو العلا ليجد نفسه حاضراً في المحافل الدولية صوتاً مسموعاً يهز الضمير الانساني و المجتمع الدولي ، لأنه بذور الخير و خدمة الانسانية تمتد جذوره الى الاعماق ليعانق السماء – كشجرة اصلها ثابت و فرعها في السماء – و كانت الحسرة و الندامة من نصيبهم بعد كل مؤامرة و عملية ، ناهيك عن خاتمة السوء و جر اذناب الخزي و العار و خلف القبضان و معانقة المشانق ..
ان الاحداث تدلنا على ان من يقف وراء ابادة الشعب الكوردي و من يدعم هذا الاتجاه فكانت نهايتهم قريبة بأبشع صوره ، و بعد كل مؤامرة او عملية تبدأ البذور الكوردستانية تنمو بحلة جديدة ، فبعد مؤامرة الجزائر المشؤومة في عام 1975 بدأت شرارة ثورة كولان التقدمية بالانطلاق لتهز عرش النظام العراقي و بعدها يدخل في حرب طاحنة مع إيران ذهبت ضحيتها الملايين .
و بعد عمليات الانفال عام 1988بدأ غرور النظام العراقي ذروته بغزو الكويت لتنطلق الانتفاضة الشعبية في الجنوب و كوردستان تنتهي بأنشاء منطقة حظر الطيران و تشكيل برلمان و حكومة للأقليم بعد الهجرة المليونية ليجد الشعب الكوردستاني نفسه بين احضان المجتمع الدولي و يرفع اسم و علم الاقليم عالياً يرفرف .
و اخيراً و ليس آخراً ان جميع من وقفوا بالضد من حق الشعب الكوردستاني بتقرير مصيره و تعبيره عن رأيه و يقول كلمته في الاستفتاء الشعبي الذي جرى في 25/9/2017 و حاولو بشتى الوسائل شد الخناق على هذا الشعب بين التهديد و الوعيد و العزل و غلق الحدود و حك المؤامرات ، فكان مصيرهم الخذلان يعانون من آلام جراحهم الملتهبة التي ربما تنتهي بانهائهم او بتر اجزاءهم و يتوسلون للاقليم بمساعدتهم و بقي الشعب صامداً لانهم البذور التي ينتظر منهم الثمر الجيد مقاوماً صابراً حتى تحقيق النصر المجد والخلود لضحايا الانفال و العار لاعداء كوردستان .
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
kuvileabdelah@yahoo.co.uk