يرى تقرير بريطاني أن الإدارة الأميركية تعد لعمل عسكري ضد إيران، شبيه بغزو العراق العام 2003.
وقال التقرير الذي أعده “إريك شميت وجوليان إي. بارنز”، لحساب صحيفة “اندبندنت” البريطانية، واطلع عليه “ناس” اليوم (19 ايار 2019)، إن باتريك شاناهان وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، قدم خلال اجتماع عقده الرئيس دونالد ترمب مع كبار مساعدي الأمن القومي يوم الخميس الماضي، خطة عسكرية مُحدّثة لإرسال 120 ألف عسكري إلى الشرق الأوسط، إذا هاجمت إيران القوات الأميركية أو عمدت إلى تسريع وتيرة عملها لتطوير أسلحة نووية، حسبما قالت مصادر رسمية في الإدارة الأميركية.
ويضيف التقرير أن تحديث الخطة تمّ بناءً على طلب متشددين في طليعتهم جون بولتون، مستشار ترمب للأمن القومي. وافاد مسؤولون أن الخطة المحدّثة لاتدعو إلى غزو إيران براً، وهو ماكان سيستدعي نشر عدد أكبر بكثير من القوات.
ويعكس هذا التطور مدى تأثير بولتون على البيت الأبيض، وهو من أشد صقور الإدارة الأميركية عداء لإيران، وسبق له أن ألحّ مرارا على مواجهة طهران قبل أكثر من عقد لكن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش لم يُعر اقتراحاته أي اهتمام.
ومن المستبعد للغاية أن يبادر ترمب، الذي يسعى إلى تحرير الولايات المتحدة من التزاماتها في كل من أفغانستان وسوريا ، إلى إعادة إرسال عدد كبير من القوات الأميركية إلى الشرق الأوسط، وفقا للتقرير، الذي يقول إنه ليس من الواضح، ما إذا كان الرئيس على علم بعدد القوات المطلوب إرسالها أو بأي تفاصيل أخرى توردها هذه الخطط. ولدى سؤاله الاثنين الماضي إن كان يفكر بتغيير النظام الإيراني، قال ترمب: “سنرى ما سيحدث مع إيران. إذا قاموا بأي شيء، فسيكون ذلك خطأ جسيماً”.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك انقساما شديدا داخل الإدارة الأميركية بشأن كيفية الرد على إيران في وقت يتفاقم التوتر فيه حول سياستها النووية ونواياها في الشرق الأوسط.
ومع أن الخطط لاتزال في مراحلها الأولية، فهي تسلّط الضوء على مدى خطورة التهديد الإيراني، حسبما قال مسؤولون أميركيون كبار. وفي هذه الأثناء، رأى آخرون ممن يدعون إلى حل التوتر الحالي مع طهران بالطرق الدبلوماسية، أن تلك الخطط هي عبارة عن تكتيك الهدف منه هو تخويف إيران وتحذيرها من مغبة القيام بأي أعمال عدائية جديدة.
من جانبهم، أعرب الحلفاء الغربيون الذين اجتمعوا مع مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركية، الاثنين الماضي، عن قلقهم من وصول التوتر بين واشنطن وطهران إلى درجة الغليان، لافتين إلى احتمال حصول ذلك من دون قصد.
وفي هذا الصدد فإن ستة من أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي، أو أكثر، ممن كانوا قد أحيطوا علماً بالخطط المحدّثة، وافقوا على مناقشتها مع صحيفة نيويورك تايمز، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم. أما المتحدثان الرسميان باسم شاناهان والجنرال جوزيف دنفورد جينيور رئيس هيئة الأركان، فقد رفضا التعليق.
ويبدو أن حجم القوة التي تنص الخطط العسكرية المحدّثة على إشراكها، قد اصاب بعض أولئك المسؤولين الذين اطلعوا على الخطط بالصدمة، بحسب التقرير، الذي يقول إن “عدد القوات المقترح نشرها، وهو 120 ألف عسكري، قريب من عدد القوات الأميركية التي غزت العراق عام 2003”.
وسيوفر نشر قوة برية وجوية بهذا الحجم لإيران أهدافا أكثر لضربها، وربما مبررا إضافيا للقيام بتوجيه الضربات، وهذا ما يزيد من خطورة تورط الولايات المتحدة في نزاع طويل الأمد. وستقلب هذه الخطوة إن حصلت فعلاً نتائج جهود بذلتها الولايات المتحدة على مدى سنوات بقصد تخفيض نفقاتها في الشرق الأوسط، وهي جهود بدأت حين قرر الرئيس السابق باراك أوباما سحب القوات من العراق عام 2011.
من جانب آخر، قال مسؤولان من مجلس الأمن القومي الأميركي، إن إعلان ترمب عن تخفيض القوات الأميركية في سوريا، خلال شهر كانون الأول الماضي، من جهة، وضآلة الحضور البحري العسكري في المنطقة، من جهة ثانية، ربما شجعا بعض القادة الإيرانيين وأقنعا فيلق الحرس الثوري الإسلامي أن الولايات المتحدة لاترغب في الدخول بحرب مع إيران.
وكانت عدة ناقلات نفط قد هوجمت، أو تعرضت للتخريب، بالقرب من ساحل الإمارات العربية المتحدة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، الأمر الذي زاد من المخاوف من أن الطرق التجارية البحرية في الخليج قد تصبح نقاطا ساخنة. وحين سُئل ترمب الاثنين الماضي عمّا حصل لناقلات النفط، قال: “ستكون مشكلة كبيرة لإيران إذا وقع شيء ما”.
وباشرت السلطات الإماراتية التحقيق في ملابسات الحادث الذي تمخض عن تخريب الناقلات بشكل واضح، بينما يعرب مسؤولون أميركيون عن شكهم بأن تكون إيران متورطة فيه. غير ان عدداً من المسؤولين، نبّهوا إلى أنه لايوجد حتى الان أي دليل قاطع يربط إيران أو وكلائها بالهجمات. ووصف متحدث رسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية الهجمات بأنها عبارة عن “حادثة مؤسفة”، وذلك حسبما ذكرت وكالة أنباء حكومية إيرانية.
وفي بروكسل، اجتمع بومبيو بوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، إضافة إلى فيديريكا موغيريني رئيسة السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي،. وإذ لم يُدلِ بومبيو باي تصريحات صحفية في أعقاب الاجتماع، فقد أوضح مسؤولون أوروبيون إنهم حثّوا واشنطن على التحلي بضبط النفس، خوفا من أن يؤدي أي تصعيد عفوي إلى المواجهة مع إيران.
وفي هذا السياق، قال جيريمي هانت وزير الخارجية البريطانية: “نحن قلقون للغاية من مخاطر نشوب صراع عن طريق الصدفة، بسبب تصعيد غير متعمد من كلا الطرفين”.
وإذا كانت الحكومة الإيرانية لم تهدد باستخدام العنف في الفترة الأخيرة، فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال الأسبوع الماضي إن بلاده ستتخلى عن بعض أجزاء الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع القوى العظمى في العالم. وقد انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق قبل عام واحد بناء على قرار اتخذه الرئيس، لكن الدول الأوروبية حضّت إيران منذئذٍ على التمسك بالاتفاق وتجاهل استفزازات ترمب.
وفي اجتماع عُقد لمناقشة السياسة الأميركية بأبعادها المختلفة حيال إيران، عُرضت نتائج مراجعة تمت على مستوى رفيع لخطط وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) المحدّثة. وجاء ذلك الاجتماع بعد أيام قليلة من تناقل تصريح أدلت به إدارة ترمب بشأن وجود أدلة استخباراتية جديدة تفيد بأن إيران تستعد لشن هجمات بالواسطة على القوات الأميركية ستنفذها جماعات أخذت طهران تحشدها في العراق وسوريا لهذه الغاية. إلا أن الإدارة لم تقدم اي دليل قاطع يؤكد صحة تلك المعلومات.
وأرسل البنتاغون إلى منطقة الخليج طائرات قاذفة من نوع بي- 52، وبطارية من صواريخ الباتريوت المعترضة للصواريخ، وقوة بحرية إضافية، وذلك في إجراء احترازي.
إلى ذلك، قدم شاناهان في الاجتماع الأخير الآنف الذكر عرضا عاما عن الخطط التي يرسمها “البنتاغون”، قبل أن يأتي دور دنفورد رئيس هيئة الأركان ليشرح بالتفصيل الخيارات العسكرية المختلفة، حسبما قال المسؤولون. وكان الخيار الأكبر المطروح في الاجتماع هو الدعوة لنشر 120 ألف عسكري، وهو إجراء سيستغرق تنفيذه بالكامل أسابيع أو أشهر.
وحضر اجتماع الخميس الماضي ثلة من كبار المسؤولين بينهم وزير الدفاع بالوكالة شاناهان، وبولتون، ودنفورد، وجينا هاسبل، مديرة وكالة الاستخبارات المركزية ودان كوتز مدير الاستخبارات القومية.
وفي هذا السياق، قال غاريت ماركيز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، يوم الاثنين الماضي في رسالة الكترونية إن “الرئيس كان واضحا، من أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى مواجهة عسكرية مع إيران، وهو منفتح على إجراء محادثات مع القيادة الإيرانية”. وأضاف “لكن خيار إيران الأساسي ظل على امتداد أربعين سنة هو العنف، ونحن مستعدون للدفاع عن الأميركيين العاملين في المنطقة وعن مصالحنا فيها”.
ويجدر القول إن سبب تخفيض القوات في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة يعود إلى تركيز واشنطن حديثاً على الصين وروسيا وعلى تنافس القوى العظمى. وكانت آخر استراتيجية للدفاع القومي، تم نشرها قبل التحاق بولتون بإدارة ترمب، قد خلُصت إلى أن الشرق الأوسط يبقى مهما، وأن إيران تمثل تهديدا لحلفاء أميركا، وعلى الولايات المتحدة أن تبذل مزيداً من الجهود لضمان ألا تقلب الصين النظام العالمي راساً على عقب.
وكانت التحليلات الاستخباراتية الأميركية الصادرة حتى شهر نيسان الماضي، أفادت بعدم وجود رغبة لدى إيران على المدى القصير بإثارة صراع ما. لكن تقارير استخباراتية جديدة تشتمل على معلومات تم اعتراضها فضلاً عن صور ومعطيات جديدة، تشير إلى أن إيران تطور قدرات وكلائها في المنطقة استعداداً لزجهم في القتال، كما أنها تُعدهم لمهاجمة القوات الأميركية في المنطقة.
يُذكر أن التقارير الاستخباراتية الجديدة ظهرت إلى العلن في 3 أيار الحالي، حسبما قال شاناهان وزير الدفاع بالوكالة للكونغرس الأسبوع الماضي. وفي يوم 5 ايار، أعلن بولتون عن انطلاق أول عملية نشر جديدة للقوات الأميركية في الخليج، بما فيها قاذفات بي-52 وحاملة طائرات.
لكن المسؤولين الاستخباراتيين الاميركيين لايدركون سبب التحول في موقف ايران. بيد أن بعض المسؤولين الاستخباراتيين وموظفي وزارة الدفاع لفتوا إلى أن هناك دلائل تؤكد أن العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة عليها تؤثر بشكل أفضل مما كان متوقعا، وتثبت أنها قادرة على شلّ الاقتصاد الإيراني إلى حد أبعد بكثير من المنتظر، وخصوصا، بعد إجراءات تشديد الضغط على صادرات النفط الإيرانية التي أعلن عنها الشهر الماضي.
كذلك، صنّفت وزارة الخارجية الأميركية في شهر نيسان الماضي، الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية، مما ساهم في دفع إيران على تغيير موقفها. وقد اتُخذ قرار التصنيف هذا بالرغم من اعتراضات مسؤولين استخباراتيين وآخرين من البنتاغون ممن حذروا من أنه قد يدفع الجيش الإيراني إلى شنّ عمليات انتقامية.
وإذ تركز المعلومات الاستخباراتية الجديدة على إعداد إيران لوكلائها، وفقا للتقرير البريطاني، فإن مسؤولين أميركيين أعربوا عن قناعتهم بأن من المرجح أن ينفجر الصراع إثر فعل استفزازي، أو هجوم مباشر تقوم به القوات البحرية التابعة للحرس الثوري، وهي تمتلك أسطولاً من الزوراق الصغيرة التي عُرف عنها الاقتراب من سفن البحرية الأميركية بسرعة عالية في مناسبات كثيرة. ويشكو الحرس الثوري من سوء الإنضباط، إذ أن قبضة قادته غير محكمة على مرؤوسيهم.
وتُركز الخطط المُحدّثة على العمل العسكري الذي قد تقوم به الولايات المتحدة في حال استئناف إيران إنتاج الوقود النووي، الذي كان قد جُمّد في ضوء الاتفاق النووي عام 2015. غير أنه من الصعب على إدارة ترمب، بحسب التقرير، القول على نحو مقنع إن الولايات المتحدة معرضة لتهديد عارم وشيك من جانب إيران، لأن الأخيرة كانت شحنت 97% من وقودها النووي إلى الخارج عام 2016، وهي حاليا لا تملك ما يكفي لصنع قنبلة نووية.
وتقول التقرير، إن هذا التقييم قابل للتغير إذا استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم. لكن حتى لو بدأت عمليات تخصيب جديدة فإن ستحتاج أولاً إلى مايزيد على سنة للحصول على كمية معتبرة منه، و ثانيا ستستغرق أكثر من سنة لتحويل اليورانيوم المخصّب إلى سلاح نووي. وستوفر هذه الفترة الطويلة المفترضة للولايات المتحدة، من الناحية النظرية على الأقل، الوقت الكافي للرد على إيران بشكل ناجع، وذلك من خلال قطع المزيد من عائدات النفط، أو توجيه ضربات سرية من نوع أو آخر او شنّ سري هجوم عسكري مباشر، على سبيل المثال، بهدف معاقبتها.
وتجدر الإشارة إلى أن النسخة السابقة لخطة البنتاغون الحربية كانت تضمّ جزءا فرعيا سريا يحمل اسم “نيترو زيوس” وهو عبارة عن عملية سيبرانية من شأنها أن تؤدي إلى قطع الكهرباء عن مدن إيران الكبرى وعن شبكتها الكهربائية وجيشها. والغاية من استخدام الأسلحة السيبرانية هي شلّ إيران في الساعات الأولى للصراع، على أمل أن يجعل ذلك قصفها بالقنابل أو شنّ هجوم تقليدي عليها، أمرين غير ضروررين. وتتطلب تلك الخطة حضورا مكثفا داخل شبكات إيران على شكل أدوات تسمى “المزروعات” أو “المنارات” من شأنها أن تمهد السبيل لحقن برمجيات خبيثة في النظم الإيرانية. وقال مسؤولان إن تلك الخطط قد خضعت لتحديث مستمر في السنوات الاخيرة.
لكن التقرير يرى أن شنّ هجوم سيبراني في حدّ ذاته، من دون ألقاء قنابل، ينطوي على مخاطر كبيرة، ذلك أن لدى إيران فيلقا سيبرانياً مهما خاصا بها، استهدف بهجمات ناجحة الأسواق المالية عام 2012، وكازينو في لاس فيغاس فضلاً عن عدد من الأهداف العسكرية. وكان مسؤولون استخباراتيون أميركيون أبلغوا الكونغرس في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي أن قراصنة الكمبيوتر الإيرانيين يُعتَبرون حالياً من الأكثر براعة وهم أصبحوا شيئاً فشيئاً قادرين على شنّ هجمات ضد أهداف أميركية.
ومنذ تولي بولتون منصبه الحالي في نيسان 2018، وهو يعمل على تكثيف جهود إدارة ترمب الرامية إلى عزل إيران وممارسة مزيد من الضغط عليها. ويعود عداؤه للقادة الإيرانيين في أقل تقدير إلى أيام عمله كمسؤول في إدارة الرئيس الاسبق جورج دبليو بوش. وقد دعا لاحقا، بصفته الشخصية كمواطن أميركي عادي، إلى شنّ هجمات عسكرية على إيران، وإلى تغيير النظام فيها.