المشهد من إحدى أسواق الموصل، والطفلان موصليان لا يتجاوز عمراهما التاسعة، هذا المشهد يعكس حال المدينة التي تحررت عسكرياً ولكنها لحد الآن محتلة من قبل مشاعر الانتقام والانكسار… محتلة من قبل العوز والفقر من التحولات الخطيرة… تركة داعش ثقيلة لا يمكن لحكومة كحكومتنا تحملها، والكلام للصحافي الموصلي أحمد محمد.
ويقول أحمد محمد من الموصل “المدينة تائهة، هكذا أشعر، الشارع كان حديثه سابقا عن أوكار وأنفاق ومضافات ومعسكرات داعش، نحن اليوم مستمرون بالحديث عن داعش لكن عن مخيمات النازحين ومخيمات العزل، عن أطفالهم الذين تحولوا إلى متسولين ونسائهم اللواتي يتم استغلالهن جنسيا مكرهات أو طوعا”.
الدعارة سبيلا لإبعاد الشبهة
ويوضح: “هناك مخيمات بجنوب الموصل هي مخيمات الحاج علي والقيارة وحمام العليل ويطلقون عليه المخيم الأميركي أو المخيم القديم، وهي ممنوع الدخول إليها إلا بموافقات أمنية… المخيم الأميركي الموجود بحمام العليل جنوب مدينة الموصل هو لعوائل داعش، وهم مضطرون أن يبقوا بالمخيم فليس لديهم مكان آخر، كثير من النساء لا يستقبلهن ذووهن”، مشيرا إلى “وجود حالات لاستغلال جنسي وغدت حديث الشارع والذي يكون إما من منتسبي الحشد الشعبي أو العشائري مقابل حمايتهن من الضغوطات الاجتماعية والملاحقات الأمنية أو من منتسبي الشرطة التي تسيطر على المخيمات، وهناك حالات لنساء اخترن طريق الدعارة إما لإبعاد الشبهة الداعشية عنهن وإما لتوفير حاجياتهن المعيشية، يمارسن الدعارة مقابل مبالغ بسيطة ومستلزمات بسيطة متعلقة بالمخيم من سلال غذائية أو الانتقال لخيام أفضل نوعا ما، مقابل 6 آلاف دينار أي أقل من 5 دولارات”.
أحمد الذي التقى عددا من النساء، واطلع على عدة حالات لاستغلال أبناء وبنات عوائل تورطوا مع التنظيم، يؤكد أن “نساء من المخيمات ممن كان زوجها داعشيا أو كان أخوها داعشيا وتورط بجرائم، يعملن بالدعارة مقابل الحماية من الملاحقة الأمنية أو لتأمين قوت يومهن، وصولا إلى استخدام الأطفال في التسول، إلا أن الجهات المسؤولة في الموصل تتكتم عليها لاعتبارات اجتماعية وأمنية”.
ويشير أحمد محمد إلى أن “نسبة التسول في ازدياد وهناك أرقام مخيفة… الحكومة المحلية والاتحادية لا تهتم بمستقبل هؤلاء الأطفال الذين ينتظرهم مستقبل معتم، وهناك عصابات منظمة تقوم بإجبارهم ونقلهم بسيارات إلى داخل الموصل، لغرض التسول في شوارع المدينة، وبعد حلول الليل تتم إعادة الأطفال إلى المخيمات مع سحب الأموال التي حصلوا عليها»”.
ويكشف أحمد محمد عن فساد حتى في المؤسسات الحكومية فيما يتعلق بتزوير المستمسكات لأناس كانوا ضمن تنظيم داعش، ويقول بهذا الخصوص: “هناك عصابات قامت بتزوير المستمسكات الرسمية لدواعش، وهم الآن يعيشون في كركوك أو بغداد أو حتى إقليم كوردستان، وعدة مرات كنا نسمع عن ضبط مزورين أصدروا هويات أحوال مدنية لدواعش في نينوى وشهادات جنسية لدواعش منهم موجودين خارج البلاد مثلا في تركيا مقابل مبالغ مالية كبيرة بالتواطؤ مع ضباط ومنتسبين في دائرة أحوال الموصل”.
داعش والأساليب الخبيثة
إذن أشبال داعش بعد التحرير يتحولون إلى متسولين، ومنذ بروز داعش في العراق في يونيو (حزيران) 2014. أظهر التنظيم وبشكل بارز الأطفال في دعاياته، ففي الفترة 2015-2016، وهي ذورة تجنيد الأطفال، ظهروا في 254 مناسبة ودعاية للتنظيم، من لم يقتل منهم أو يغادر إلى خارج العراق تجده اليوم في المخيمات أو على الطرقات يتسول، ولكن لا يجب أن ننسى أن الأطفال تغذوا على الفكر الداعشي فهم متشدّدون أيضاً، كثير منهم يمتلك القدرة على القتل والتحول إلى انتحاريين، وكانت المعسكرات في مدن العراق المحتلة من التنظيم، تعلّم الأطفال ما بين سن 6 و16 عاماً حمل السلاح وتنفيذ الإعدامات، والتي تقدر أعدادهم بالآلاف ــ من الأيتام أو المخطوفين أو من قيادات الصفين الأول والثاني في تنظيم داعش، وكان إلى جانب تعليمهم القتال، يتعلمون كيف يطيعون الأوامر في عملية غسل للدماغ ممنهج.
وكما القيادات الداعشية، فقد ذاب الأطفال ونساء الحسبة وكتائب الخنساء بعد عمليات التحرير بين النازحين وداخل بعض المدن، فيما قتل وهرب آخرون إلى سوريا أو دول أخرى رغم خطورة إهمال تلك الشريحة، بخاصة الأطفال والنساء الذين فقدوا ذويهم في المعارك وعزلوا في مخيمات خاصة، من التحول إلى أعداء للدولة والمجتمع.
لا قوائم رسمية تحدد الساكنين في داخل المخيمات ويمكن لأي عائلة أن تخرج أو تدخل من المخيم من دون متابعة، وأن عوائل داعش هي الأكثر انتشاراً في مخيمات جنوب الموصل، والقيارة، وحمام العليل.
من جهته يقول مدير دائرة الهجرة والمهجرين فرع نينوى خالد عبد الكريم، ان “قضية الاستغلال الجنسبي وممارسة الدعارة حالات فردية”.
ويقول عبد الكريم من الموصل: “نحن في محافظة نينوى لدينا 14 مخيما تمتد من ناحية القيارة، والمدرج، والحاج علي، وناحية النمرود، وهي مخيمات النمرود والسلامية، والقسم الثاني ناحية الحمام وفيه مخيم حمام الأول والثاني، إضافة إلى مخيم جبل سنجار الواقع في قضاء سنجار”، مضيفا أن “أعداد العوائل حاليا أكثر من 39 ألف عائلة موجودة في عموم مخيمات الموصل أي ما يعادل 200 ألف نسمة”، نافيا وجود ما يسمى مخيمات العزل، قائلا: “نحن نتعامل بكل إنسانية مع العوائل الموجودة بالمخيمات التي نزحت خلال عمليات التحرير، وتم تدقيقها أمنيا ودخولها إلى المخيمات”.
أما بخصوص حفظ الأمن الداخلي والخارجي في المخيمات، فيشير إلى أن “مسؤولية الأمن تنقسم إلى قسمين، قسم يتعلق بالأمن خارج المخيم وهي من مسؤولية وزارة الداخلية المتمثلة بمديرية شرطة محافظة نينوى عن طريق أفواجها المنتشرة في القيارة، أو في مخيم حاج علي أو النمرود أو مخيم الحمام، أما بخصوص الأمن الداخلي، فهناك نوعان من الأمن الداخلي، هناك بعض مخيمات خاضعة للأمن الوطني ومخيمات أخرى يتحمل مسؤوليتها الأمنية الأمن الوطني وإدارة المخيم”.
ويضيف: “عموم المخيمات تتم إدارتها من قبل منظمات أممية دولية أو محلية، ولكن الغالبية العظمى هي دولية وكذلك منظمة الهجرة الدولية التي تدير مخيم الحاج علي ومنظمات أخرى تدير منظمات العليل والسلامية إضافة إلى منظمة محلية تدير مخيم جبل سنجار، فيما وزارة الهجرة والمهجرين هي المشرفة، لكن السلطة الإدارية والقانونية هي تابعة للحكومة المحلية والمتمثلة في إداراتها المحلية سواء كان في ناحية النمرود أو السمام أو القيارة أو قضاء سنجار”».
وعن المساعدات يقول: “لدينا توزيعات تكون على شاكلتين، فإما أن تكون توزيعات موسمية شتوية أو صيفية، والتوزيعات المنتظمة كالمساعدات الإغاثية المنتظمة متمثلة بالسلال الغذائية والسلات الصحية وكذلك توزيع مادة النفط والغاز للطبخ والتدفئة»”.
ولدى سؤالنا عن حالات استغلال النساء داخل المخيمات، يؤكد على أنه “لا معلومات مؤكدة عن وجود مساومات حول الجنس مقابل الإغاثة في مخيمات نينوى الـ14، وهناك تقارير دولية، لكن في الحقيقة لم نجد شيئا على أرض الواقع، مستدركاً: “لكننا نعرف جيداً أن هناك أناساً تتراوح نسبهم بين 3 إلى 4 في المائة، وبرغبتهم قد يبيعون أنفسهم أو يدفعون بأطفالهم للتسول»”.
ويضيف: “كما أننا لا نمنع الناس من الدخول والخروج من المخيم، ولديهم حرية كاملة، لأنهم ليسوا محتجزين، والهجرة تتعامل مع النازحين وفق النظم الدولية وهي المعاملة الإنسانية، لذلك لا نسأل عن موقفهم الاجتماعي أو السياسي، ويقتصر على الموقف الأمني حتى لا يؤثروا على استقرار المخيمات والمحافظة”.
ويتابع: “هناك تهويل لموضوع الاستغلال الجنسي في المخيمات من قبل الإعلام، والاستغلال الجنسي مقابل السلال الغذائية هي حالات فردية، أما موضوع الدعارة فلا ننسى أن المخيم بالنهاية هو مجموعة مجتمعات منتشرة وكل مجتمع لديه مشاكل، سواء التحرش أو الدعارة أو مشاكل أخرى”».
ويختم حديثه “لدينا أكثر من 13 ألف منزل مهدم في المدينة بحاجة إلى أموال طائلة لإعادة الحياة مرة أخرى، البنى التحتية تم تدميرها خلال عمليات التحرير، والكثير من النازحين غير مسجلين، حتى الجهات الدولية لا تحصيهم أو عجزت عن إحصائهم، نحن بحاجة إلى فكر يحارب الفكر الداعشي”.
من: مجلة “المجلة” اللبنانية