لا اعتقد ان الخبراء والمبدعين الذين وضعوا شبكة التواصل الاجتماعي في خدمة المستخدمين.. كانوا يفكرون يوماً انها ستصبح مجرد وسيلة للإساءة للآخرين.. كما يحدث اليوم من خلال التعليقات البذيئة والشتائم الرخيصة ومحاولات التسقيط الاجتماعي ونشر الفضائح .. لا بل تحولها الى وسيلة عدوانية للنيل من الآخرين وتبشيعهم ولصق التهم بهم لإذلالهم واهانتهم.. كأننا في غابة للمتوحشين.. بعد ان استسهلنا هذه الممارسات وقبلناها وبتنا نشترك في توزيعها وتعميمها بهذا القدر او ذاك ..
قبل ستة اشهر طلب مني صديق.. ان ارسل له لقطة فيديو لها علاقة بنهاية الخاشقجي .. بعد ان نبهت القراء الذين ستصلهم الرسائل المشابهة.. ان لا يفتحوها وقلت لهم.. المنظر اكثر من بشع.. ولم اتحمل متابعة المشهد.. الذي فتح امامي من خلال رسالة.. الا لثواني معدودة لا تتجاوز العشرة حينما اغلقت البث واوقفت التسجيل..
وكان جوابي للجميع لست مستعدا للمشاركة في تعميم العنف واصابة البعض من المشاهدين بأية صدمة تتجاوز حدود الرعب في كل المواصيف ..
وقتها قال لي احد خبراء الفيسبوك .. حسنا فعلت .. تعميم هكذا رسائل يعتبر جريمة.. ويضع مرسلها في خانة التساؤل القانوني.. ومن حق ادارة الفيسبوك او أي ادارة قضائية تغريمه ومحاسبته لأنها تتعارض مع قوانين النشر .. ولا تتفق مع الاهداف المرسومة لشبكات التواصل الاجتماعي سواء اكانت في الفيسبوك ام غيرها..
وقبل شهر سألت عن صديق قديم ومناضل ضد للدكتاتورية البعثية.. وصدعني الجواب حينما علمت انه.. قد قتل شقيقته بنفسه في لحظة غضب.. بعد اطلاعه على رسالة تحمل صورة لشقيقته.. جرى التلاعب بها من خلال الفوتو شوب وأصبحت المسكينة ضحية .. مجرد ضحية من بين الكثير من الضحايا.. الذين يجري الاساءة لهن ولعوائلهن عبر شبكات التواصل.. من خلال الصور ولقطات الفيديو وغيرها من الوثائق المفبركة .. وقال لي أكثر من واحد انها ظاهرة تنتشر في عموم البلاد .. وهناك من احصى اكثر من 50 فتاة تعرضن للتشهير بأخلاقهن في قرية صغيرة من قرى سهل نينوى فقط ..
وبين هذه الحوادث وغيرها مما سمعتها وتناقلها الكثيرون عبر الفيسبوك هذه الايام صدمتُ بحالة فتاة في المانيا .. توفرت لها فرصة للدراسة لمدة سنة واحدة في امريكا ضمن في كروب للطلبة.. اشتركوا في حفلة تخرجهم قبل أيام ووفقاً لقواعد وأصول الاحتفال.. أن يمر الطلبة من خلال رتل في موكب ثنائي من طالب وطالبة بساعدين متشابكين تعبيراً عن الفرح والزمالة .. وقد نشرت صور حفل التخرج في شبكة التواصل الاجتماعي تعبيراً عن هذا الانجاز العلمي للطلبة والطالبات .. ولكن الحظ والتقاليد البالية مع التخلف و الجهل السائدين.. كان لصاحبتنا وعزيزتنا بالمرصاد..
الخطوة الأولى بدأت من قريبة جاهلة لها.. وجدت صورة الفتاة وذهب تخيلها الى البعيد.. فصاحت قريباتها لتريهم حفلة زواج ابنتهم من شاب في اميركا ليس من دينها .. وتحولت الصورة او ثلاثة صور من تلفون لآخر بسرعة البرق وانتشر اولاً خبر “الزواج” وهذه العلاقة المرفوضة ..
في الخطوة الثانية استغل شاب يعاني من الكبت والحرمان الموقف والتقط الصورة ليحولها من خلال حقده الدفين ومشاعره العدوانية.. الى صورة فوتوشوب محتفظا برأس الفتاة مع تركيبة جسد لراقصة تؤدي حركات شبه فاضحة ..
وهكذا دواليك بدأت الصورة تنتقل من خلال المزيد من الاجهزة التي تستخدم الاستكرام والفيسبوك والواتص آب .. وغيرها من وسائل التواصل لتنشر الصور عبر المزيد من المواقع الشخصية مع تعبيرات واوصاف وسموم تخرج من نفوس مريضة.. ليس لها هدف الا الاساءة للأخر..
خاصة وان الآخر ليس الا فتاة بريئة وطرية.. لا حول ولا لها امام هذا الهجوم الكاسح ..الا ان تتجرع الصدمة مع بقية افراد عائلتها من ام واب واخوات واقرباء ومعهم الاصدقاء.. اصدقاء الفتاة واصدقاء العائلة.. الذين احتاروا في امرهم وبدأوا يستنجدون بمن يمكنهم ايقاف هذه التداعيات المخزية من اربعة أيام..
كنت مطلعا على تفاصيلها وآلامها.. وشاهدت الأم و الأب .. واتصلت بالفتاة وتحدثت معها.. طالباً منها ومن الأهل التعامل بحكمة وصبر مع ما نشر من قبل حثالة الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي .. بعد ان اتخذنا الإجراءات القانونية بحق من اساء وساهم في ارتكاب هذه الجريمة بحق الفتاة البريئة وعائلتها..
وهي ليست الا حالة من الحالات التي يجب ان نتوقف عندها اليوم.. مع كثرة العابثين الذين يستسهلون الولوج والانغماس في هذه الممارسات الاجرامية.. في كل لحظة.. وليس امامنا الا ان نتصدى لهذه الكارثة.. كارثة الاستخدام الخاطئ لشبكة الاتصال الاجتماعي.. وفضح من يستخدم ما توفره حرية النشر من فرص للتعبير عن الرأي بهذه الطريقة البشعة ..
وليس امامنا الا ان ننبه الى خطورة تناقل مثل هذه المعلومات ونقول لهؤلاء.. ان كانت لكم اليوم.. فتذكروا غدا ستكون عليكم..
وتذكروا ان لكم بنات وامهات واخوات وقريبات.. من السهولة ان يصبحوا ضحايا المجرمين من حثالات الفيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي ..