بين واشنطن وطهران المواجهة على أشدها منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن النظام الإيراني وتمدده في منطقة الشرق الأوسط هو الخطر الأول والأساس والأكبر، فيما خطر “داعش” بالنسبة للإدارة الأميركية هو الأصغر بعد تمكنها من السيطرة عليه وإنهائه جغرافياً على الأقل. لكن تصنيف أميركا لإيران بـ”الخطر الأكبر”، لا يعني وفق مصادر دبلوماسية مطلعة على سياسة إدارة ترمب، أن المواجهة بين واشنطن وطهران ستتحول إلى حرب، فلا قرار في واشنطن بشنّ حرب على إيران، أو افتعال مواجهة مباشرة، كما أن لا يوجد قرار بتغيير أنظمة في الشرق الأوسط، كما حصل مع الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في العراق، لكن الخوف موجود من حدوث أخطاء غير مقصودة أو خطوات ناقصة قد تتطور إلى حرب. وتؤكد مصادر مأذونة أن الولايات المتحدة جدية في تحذيرها من أن أي اعتداء على مصالحها في المنطقة سيلقى “رداً سريعاً”. وتغريدة ترمب التي هدد فيها إيران من محاذير استهداف أميركا، خير دليل على ذلك. وتكشف مصادر دبلوماسية لـ “اندبندنت عربية” أن الإدارة الأميركية حرّكت أسطولها إلى الشرق الأوسط بناءً على معلومات استخباراتية بوجود خطر جدي ونوايا إيرانية بضرب مواقع أميركية، وهو ما حصل لاحقاً حين تعرضت المنطقة التي تضم سفارتها في العراق لإطلاق صواريخ، اعتُبرت بمثابة رسالة جس نبض إيرانية.
أجندة إيران
لإيران ميليشيات في المنطقة تنفذ لها أجندتها وتشكل ورقة ضغط في يدها، تستخدمها لتحقيق مزيد من المكاسب والتوسع أكثر في شؤون الدول التي تسعى لإخضاعها. و”حزب الله” هو إحدى هذه الميليشيات المصنفة أميركياً، ليس فقط كمنظمة إرهابية بل أيضاً منظمة إجرامية عالمية. وحمل أكثر من مسؤول أميركي إلى لبنان نصائح بضرورة التقيد بالنأي بالنفس للحفاظ على الاستقرار المحلي في ظل الغليان الإقليمي، ومنع أي فصيل محلي، وتحديداً حزب الله، من وضع الساحة اللبنانية عموماً والمنطقة الجنوبية خصوصاً بتصرف طهران، لاستخدامها في كباشها مع الولايات المتحدة. وشكلت في اليومين الماضيين، زيارة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي النائب الديمقراطي إليوت أنغل إلى لبنان رسالةً بالغة الأهمية، نظراً إلى طبيعة الأدوار التي ارتبط بها اسمه في ما يخص الملف اللبناني، وتحديداً في مرحلة صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 (طالب بانسحاب القوات السورية من لبنان وتسليم أسلحة الميليشيات إلى الدولة)، وقبله في “قانون محاسبة سوريا” في الكونغرس.
عين أميركا على حزب الله
الرصد الأميركي لحزب الله في لبنان وفي العالم حيث يملك شبكات لتهريب الأموال والمخدرات، تطور تصاعدياً بعد القضاء على “داعش” جغرافياً، وبعد اتخاذ ترمب قرار الحد من نفوذ إيران في المنطقة. ومهّد الرئيس الأميركي لقرار التضييق على حزب الله وإضعافه، بتفعيل الأجهزة الأميركية الأمنية والاستخباراتية والمالية والسياسية والقضائية، باتجاه مراقبة أعمال “الحزب” في الداخل اللبناني وفي الخارج. وفي الموازاة أمّن غطاءً عربياً لتحركاته، فكان قرار تصنيف قيادة الحزب وأمينه العام حسن نصرالله بالإرهابيين، قراراً مشتركاً بين أميركا ودول الخليج.
وعلى عكس إسرائيل التي تعتبر أن لبنان بمؤسساته وجيشه وأفراده، تابع بالكامل لـ “حزب الله”، فإن إدارة ترمب ترى أن في لبنان مَن يعاني من تمدد الحزب في المؤسسات الرسمية، وينتقد إمساكه بمفاصل القرار فيها. والزيارات المتكررة للمسؤولين الأميركيين إلى بيروت تصب في هذا الإطار، وأيضاً للتحذير من خطورة السماح لـ”حزب الله”، المحاصر دولياً وعربياً، بأن يسيطر على مؤسسات الدولة ويستفيد منها للتهرب من التضييق المالي والسياسي الذي يتعرض له.
في السياق، يمكن فهم التغيير الذي حصل في الموقف اللبناني بشأن الحدود البحرية مع إسرائيل، وما يمكن أن يدره هذا الملف إن نجح من أموال وأرباح قد يستفيد منها “حزب الله”، إذ كشفت مصادر دبلوماسية لـ “اندبندنت عربية” أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي كان أول الرافضين مع حزب الله، لأي وساطة أميركية في موضوع الحدود البحرية، عاد وحمّل الوفد النيابي اللبناني الذي كان زار واشنطن مطلع العام الحالي، رسالةً إيجابية ومطلباً باستئناف الوساطة الأميركية بدلاً من الروسية، التي كان لبنان عوّل عليها في فترة سابقة.
كما يمكن وضع اللقاء اللافت الذي حصل بين “الخصمين اللدودين”، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وبري، قبل الزيارة الأولى لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد إلى لبنان، ضمن الإطار ذاته.
في واشنطن، وعلى الرغم من كلام نُسب إلى قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني دعا فيه الأمين العام لحزب الله إلى الجاهزية التامة في وجه عاصفة قادمة إلى المنطقة، فإن كل تقارير الإدارة الأميركية تستبعد أي رد فعل إيراني بواسطة “حزب الله”، فالرسالة الأميركية حازمة كما النوايا الإسرائيلية واضحة بالرد الموجع على أي ضربة.
في المقابل، تعتبر مصادر أن طهران ستكتفي برسائل شبيهة بالصواريخ التي أُطلقت على الإمارات والسعودية وعلى السفارة الأميركية في بغداد، وهي لن تقدم على أي خطوة استفزازية قد تعرّض نظامها وحلفاءها للخطر. أما رهانها فيبقى على الوقت وتغيير الإدارة الأميركية، على اعتبار أن تغيير الإدارة يعني تغيّراً في سياسة الولايات المتحدة.