في الوقت الذي تقوم العشائر بتسوية النزاعات ، كثر الطلب على الشيوخ
بغداد – مجلة الايكونوميست اللندنية
الأول من حزيران 2019
عندما اكتشف إن أحد موظفيه قد أختلس 800,000 دولار، قاضاه سيف أمام المحكمة في بغداد وربح القضية. وبسبب أن السارق لم يرجع المبلغ إلى صاحبه فقد بقي في السجن. ولكن سرعان ما أطلق سراحه بعد أن دفع على الأرجح رشوة. وخشي أنه سوف لا يسترجع المبلغ أبداً، فبدء سيف التفاوض مع عشيرة السارق بعد أن استأجر أحد الشيوخ. لقد نشأ سيف في الخارج ولم يألف السلوك العشائري، ولذا قام باستئجار أحد الشيوخ لهذا الغرض.
يحتضن العراق قرابة 150 عشيرة، حيث يقوم رؤسائها بحل الخلافات. وبعد سقوط صدام حسين عام 2003، ملأ الشيوخ الفراغ بعد نشوء دولة هشة وفاسدة. ويقوم اليوم حتى المحامين بتقديم النصيحة لزبائنهم باستخدام مجالس العشيرة بدلاً من اللجوء إلى المحاكم، خاصة بعد أن أقام الشيوخ علاقات وطيدة مع الميليشيات ذات النفوذ. وهذا ما أدى إلى إزدهار بزنس جديد؛حيث يقوم الشيوخ، بعضهم، بعرض خدماتهم.
في الأغلب، من الصعب الحديث عن ضعف العلاقات العشائرية، خاصة في المدن. ولكن من الملاحظ أن بعض المطاعم أصبحت مقراً لاستئجار الشيوخ. ويقوم بعض الناس ممن يقف على الجانب الخاطئ من القانون بالبحث عن طرق ملتوية لأنهم يتحرجون كثيراً أمام شيوخهم الأصليين. إلاّ أن سيف على النقيض من ذلك، فهو لايعرف شيوخ عشيرته، ولقد تعرف على الشيخ المستأجر بواسطة أحد أصدقائه. وقد كلفه ذلك آلاف الدولارات صرفت على الولائم ونفقات الحضور، إضافة إلى نفقات الشيخ المستأجر وأتباعه الذين يتابعون القضية. وكما يحدث في العادة، يطالب الشيوخ بالعمولة عند نجاحهم في القضية؟
إن الاعتماد على العشائر في تسوية الخلافات ليست خالية من الفوائد. فالمحاكم تتلاشى؛ والتسويات العشائرية يمكنها أن تحل المشاكل خلال أيام. إنها ظاهرة جيدة في حسم الخلافات العائلية والمحلية. ولكنها تؤدي إلى انتهاك المنظومة، خاصة عندما تطال أكثر فأكثر الخلافات التجارية. في المناطق المدنية، غالباً ما تبتز العشائر المال من حقول النقط والغاز التي بقربهم. وفي المدن يحصل الشيوخ الدجالون على النقود دون أي عمل انتاجي. فبعد سبعة شهور من المفاوضات، لم يستعيد سيف إلا نتفاً من المال الذي سرق منه.
لقد جرى أخيراً إصدار مرسوم حول “الدكة العشائرية” التي اعتبرت ضرباً من الارهاب. والدكة تشمل أطلاق النار على البيوت. أنها طريقة مفيدة لتشجيع الناس على التفاوض. ولكنها أيضاً انتهاك صارخ للحقوق المدنية، وقد استقبلت غالبية العراقيين هذا المرسوم.
تنصب الشكاوي على الحكومة لكونها لم تعزز النظام القضائي. فبعد سنوات من من الحرب، أعلن رئيس الوزراء عادل بد المهدي البدء بالاستثمار من أجل تقليص حجم البطالة. ولكن لم يستجيب إلاّ القليل من المستثمرين في توظيف رساميلهم في بلد يتمتع فيه الشيوخ والميليشيات بنفوذ أكثر من نفوذ المحاكم. لنأخذ على سبيل المثال المستثمر مهند الذي توجه إلى العشائر عندما رفض الوكيل التجاري اخلاء بنايته ووجه رشاش بي كي سي بوجهه. وطبقاً لمرسوم عشائري، فعلى مهند أن يدفع للوكيل مبلغ 140,000 دولار كي يخلي البناية. ويشير مهند إلى :”أن الحكومة غير قادرة لإنهاء القضية، ولذا نفضل أن بيع سلامتنا وأمننا بالمال“.