الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeمقالاتأحداث في ذاكرتي / الحلقة الأولى/ العراق بعد نجاح انقلاب 8 شباط...

أحداث في ذاكرتي / الحلقة الأولى/ العراق بعد نجاح انقلاب 8 شباط : حامد الحمداني

رحلة نحو المجهول

أحدث نجاح انقلاب 8 شباط 63 وجوماً كبيراً وقلقاً شديداَ لدى الغالبية العظمى من الشعب العراقي، إذا استثنينا قيادة وقواعد وجماهير الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين خرجوا في مظاهرة في مدينة السليمانية يباركون نجاح الانقلاب ويعبرون عن فرحتهم بسقوط نظام عبد الكريم قاسم، وسارع سكرتير الحزب إبراهيم احمد إلى إرسال برقية للانقلابيين يبارك فيه الانقلاب قائلاً: {اليوم تعانقت الثورتان …….إلخ}!!.

كما شارك الطلاب الأكراد في بغداد في الإضراب الذي أعلنه البعثيون والقوميون العرب قبيل الانقلاب ضد حكومة عبد الكريم قاسم، وثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.

ومن المؤسف جداً أن تحصل القناعة لدى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بأن إقامة نوع من التعاون مع تلك القوى البعثية والقومية لإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم يمكن أن يحقق لهم آمالهم في نيل الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي!!.

كان على قيادة الحزب والحركة الكردية أن تدرك النوايا الحقيقية لحزب البعث تجاه الشعب الكردي، ولاسيما وأن البيانات التي أصدرتها الجبهة القومية التي ضمت حزب البعث والقوميين قبل الانقلاب تنضح منها الشوفينية والكراهية للشعب الكردي وقضيتهم العادلة، فقد أصدروا بياناً في أواخر أيلول 1061 حول موقفهم من الحركة الكردية بعنوان:

[ بيان حول التطورات الأخيرة في شمال العراق ] وجاء في البيان :

{منذُ الانحراف الرجعي الذي قاده عبد الكريم قاسم بمعونة الحزب الشيوعي و”القوى الشعوبية” و”الاستعمار وعملائه” لعزل العراق عن الحركة التقدمية العربية، ظهرت في شمال العراق نزعات عنصرية مشبوهة تدعو زيفاً باسم الأكراد ومصلحتهم لتجزئة العراق، وتفتيت وحدته النضالية، واليوم ومنذُ الحادي عشر من هذا الشهر تجري المعارك المسلحة بين قوات الجيش ورجال العشائر الكردية الذين أعلنوا العصيان المسلح، ورفعوا شعار تجزئة العراق. والجبهة القومية تحمل [قاسم] مسؤولية ما يصيب الجيش، وتحذر العناصر الكردية المخلصة من الانسياق وراء دعاة التجزئة والانفصال والسير وراء تلك القيادات المشبوهة}.

أما جريدة الاشتراكي، لسان حال حزب البعث العراقي، فقد نشرت تصريحاً لمصدر قيادي بعثي نشر في أيلول 1962 بعنوان: [حول الحركة المشبوهة في الشمال ] وجاء في تلك الصحيفة ما يلي :

{أن الحركة المسلحة التي قامت في شمال العراق منذُ أكثر من عام واحد أصبح استمرارها يمثل خطراً ليس على استقلال البلاد وحسن العلاقات بين الشعبين العربي والكردي فحسب، بل على وجود العراق … إن هذه الحركة، وموقف قاسم منها تفوح منها رائحة التآمر والتواطؤ مع الاستعمار، فقيادة الحركة المسلحة بماضيها الملطخ بالدماء، والمتصف بالاعتداء، ونواياها العدوانية التي أفصحت عنها مراراً، وبغضها الأعمى يجعلها محلاً للشبهة والاتهام }. ثم عادت جريدة الاشتراكي في تشرين الثاني 1962 حينما كانت الاتصالات جارية بينهما

مع تبادل المذكرات، بنشر مقال بعنوان:[مخاطر الحركة المشبوهة في الشمال وموقف قاسم منها] ، وجاء فيها :

{إن الحركة الكردية المسلحة على الرغم من أنها معادية للحكم القاسمي إلا أنها بسبب ارتباطاتها وأساليبها واتجاهاتها لا يمكن أن تعتبر جزءاً من الحركة الوطنية في العراق، وباعتقادنا أن طرفي الفتنة [عبد الكريم قاسم] و[ قيادة الحركة الكردية] لا يمثلان رغبات الشعبين العربي والكردي ولا يعبران عن مصالحهما. وبعد كل هذا من حق كل حريص على مصلحة الشعبين العربي والكردي أن يتساءل :

كيف حصلت تلك القناعة لدى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بوعود أعداء الشعب الكردي لكي يمدوا إليهم أيديهم للتعاون على إسقاط حكم عبد الكريم قاسم ؟

لكن قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني استمرت بمغازلة الانقلابيين من أجل إقامة التعاون بين الطرفين على الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهها الحزب الشيوعي لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من مخاطر الانجرار وراء الانقلابيين لإسقاط حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم، والتي سوف تصيب بكل تأكيد الشعب الكردي بصورة خاصة والشعب العراقي بصورة عامة بأفدح الأضرار.

إلا أن قادة الحزب لم يأخذوا بتلك النصيحة، وأخذوا يتبادلون المذكرات واللقاءات مع الانقلابيين، حيث جرت اللقاءات بين [العقيد طاهر يحيى] ممثل الانقلابيين و[صالح اليوسفي]عضو المكتب السياسي للحزب، وكان آخر لقاء مع الانقلابيين قد جرى في بغداد بين [علي صالح السعدي] أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث والسيدين [ صالح اليوسفي] و[شوكت عقراوي] وذلك في 4 شباط 63 ، قبل انقلاب الثامن من شباط بأربعة أيام .

لكن الانقلابيين لم يقدموا أي تعهد خطي لقيادة الحزب، بل مجرد وعود شفوية لا غير، ولا تلزم أحداً، وكان واضحاً أن الانقلابيين كانوا يستهدفون بقاء الحركة الكردية على الحياد في صراعهم مع قوات عبد الكريم قاسم .

وفي التاسع عشر من شباط 1963 ، وصل وفد كردي مفاوض إلى بغداد ضم السادة [جلال الطالباني] و[صالح اليوسفي] و [شوكت عقراوي ] ومثّل الانقلابيين [أحمد حسن البكر] رئيس الوزراء و[ صالح مهدي عماش] وزير الدفاع و[طاهر يحيى] رئيس أركان الجيش و[ حردان التكريتي ] قائد القوة الجوية، وتمخض اللقاء عن وعد بقرب إعلان الحكم الذاتي لكردستان.

لكن علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث سارع في اليوم التالي إلى اتهام قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتعاون مع الشيوعيين !!، قائلاً:

{ نحن لا نمثل كل العرب، وكذلك الوفد الكردي لا يمثل كل الأكراد، ولذلك يتوجب الدعوة لعقد كونفرنس شعبي واسع لانتخاب عناصر أخرى لعضوية الوفدين}وبذلك نسف السعدي المحادثات. ثم بدأ البعثيون يتحججون بخشيتهم من أن يثير إعلان الحكم الذاتي لكردستان انتقاد دعاة الوحدة العربية لتصرف الحكومة، وطلبوا من الوفد الكردي المفاوض التريث لبحث المشكلة الكردية جنباً إلى جنب مع مباحثات الوحدة مع عبد الناصر في القاهرة.

وبعد أيام جرى تشكيل وفد للتفاوض مع عبد الناصر، وقد ضم البعثيون السيد[جلال الطالباني] للوفد على مضض، وكان الطالباني ينوي عرض مطالب الشعب الكردي أمام الوفود المصرية والسورية والعراقية.

لكن سفر الطالباني مع الوفد لم يلق قبول السيد البارزاني حيث صرح قائلاً:

{لقد أرسلت الطالباني للتفاوض في بغداد وليس في عواصم عربية}.

وفي 18 آذار عقد الحزب الديمقراطي الكردستاني مؤتمره في كويسنجق ضم 168 مندوباً بحراسة 2000 من قوات البيشمركة حيث تم دراسة الوضع السياسي العام، وقضية المفاوضات مع انقلابيي 8 شباط، وظهر في المؤتمر اتجاهان، الاتجاه الأول يمثله السيد جلال الطالباني، والذي دعا إلى الاستمرار في المفاوضات مع سلطة الانقلاب، والاتجاه الثاني ممثلاً بالسيد مصطفى البارزاني، والذي .يدعو للاستعداد للقتال من جديد. وفي النهاية تقرر تشكيل لجنة مكونة من 35 مندوباً كي تعد قرارات المؤتمر، وجرى انتخاب وفد مؤلف من 14 مندوباً برئاسة السيد الطالباني، سبعة منهم هم أعضاء الوفد المفاوض، والسبعة الآخرين مستشارين للوفد.

وفي نهاية المؤتمر تم إعداد مذكرة تتضمن المطالب الكردية من الحكومة العراقية أكدت على قيام الحكم الذاتي في إطار الجمهورية العراقية. كما طالبت المذكرة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الكرد، ورفع الحصار عن كردستان، وإعادة المفصولين إلى وظائفهم وأعمالهم، وسحب القوات العسكرية من كردستان، إضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بالمنطقة التي سيشملها الحكم الذاتي، والقضايا المتعلقة بالاقتصاد والثقافة. وفي 30 آذار وصل الوفد الكردي المفاوض إلى بغداد برئاسة السيد جلال الطالباني، لكن أحمد حسن البكر ماطل في استقبال الوفد، مما دفع الوفد إلى التهديد بالعودة إلى كردستان.

لكن طاهر يحيى تدخل في الموضوع واستطاع إقناع الوفد بتأجيل المفاوضات إلى الأول من شهر أيار مدعيا أن المطالب الكردية قد أرسلت إلى القاهرة لدراستها .

وفي العاشر من نيسان تم في القاهرة توقيع الإتحاد الفيدرالي بين مصر وسوريا والعراق، وفي 24 نيسان تقدم الجانب الكردي بمذكرة تضمنت مطالب جديد أخذت بالحسبان قيام الاتحاد الفيدرالي المذكور حفاظاً على الوجود القومي الكردي في ظل الإتحاد الجديد.

أخذت الحكومة تماطل في الاستجابة للمطالب الكردية واضعة المسؤولية على عاتق الرئيس عبد الناصر، واقترحت على الوفد المفاوض عرض المطالب على عبد الناصر، وطلبوا من السيد جلال الطالباني السفر مع الوفد الحكومي إلى القاهرة واللقاء مع عبد الناصر.

لكن عبد الناصر تجاهل موضوع الحكم الذاتي، ولم يقدم أي مقترحات حول القضية الكردية. أدرك السيد جلال الطالباني أن التفاوض مع البعث لا يعدو عن كونه مضيعة للوقت، وأنهم ليس بنيتهم الوفاء بوعودهم الكاذبة، فقرر العودة إلى كردستان من دون أن يمر ببغداد، فيما وضع النظام العراقي بقية أعضاء الوفد في الإقامة الجبرية.

في 20 أيار أعادت الحكومة الحصار على كردستان وقطعت كل الطرق المؤدية إليها، وقامت بحملة اعتقالات واسعة شملت آلاف المواطنين الأكراد.

وفي 9 حزيران اعتقلت الحكومة الوفد الكردي المفاوض، وفي اليوم التالي أصدرت بياناً طالبت فيه باستسلام البارزاني وقواته خلال 24 ساعة، وبدأت الاستعدادات للحملة العسكرية الجديدة لقمع الحركة الكردية.

{29}

الانقلابيون يلاحقوني

وقرار بفصلي من الوظيفة واختفائي

في يوم الخميس السابع من شباط 1963 عدت من بغداد إلى مقر عملي في السليمانية بعد قضاء العطلة الربيعية بين الأهل والأقارب والأصدقاء في بغداد، كنا خلالها نناقش الأوضاع المتأزمة في بغداد وتصاعد النشاط التآمري لتحالف حزب البعث مع القوى القومية والرجعية، وتدهور الوضع الأمني، بسبب إضراب الطلاب وسواق سيارات التاكسي، الذي قاده حزب البعث وحلفائه القوميين من جهة، وتشتت الحاصل في صفوف الأحزاب الوطنية، والصراعات التي اتسمت بها العلاقات فيما بينها، وانشقاق الحزب الوطني الديمقراطي، والعلاقات التي تدهورت بين الزعيم عبد الكريم قاسم وقيادة الحزب الشيوعي من جهة أخرى، مما هيأ أفضل الأجواء لوقوع الانقلاب، ولاسيما وأن حكومة قاسم قد اكتشفت محاولة انقلابية كان من المزمع تنفيذها من قبل حزب البعث وحلفائه القوميين في 5 شباط ، أي قبل الانقلاب بـ 3 أيام ، وتم على أثرها اعتقال أمين سر حزب البعث [ علي صالح السعدي ] وعدد من قيادي الحزب.

كانت أيدينا على قلوبنا مما تخبئه الأيام لشعب العراق بوجه عام وللحزب الشيوعي بوجه خاص، فقد كانت كل الدلائل تشير إلى أن الانقلابيين المدعومين من الولايات المتحدة وبريطانيا ينوون شن حملة تصفيه واسعة النطاق ليس فقط ضد الحزب الشيوعي فحسب، بل وضد كل جماهيره وأصدقائه، بالإضافة إلى العناصر الوطنية المقربة من عبد الكريم قاسم في صفوف الجيش وكان الإمبرياليون المهيمنون على شركات النفط الكبرى والذين فقدوا امتيازاتهم النفطية في العراق على أثر صدور قرار رقم 80 الذي تم بموجبه سحب 99،5 % من المناطق الامتياز الغنية جداً بالمكامن النفطية ينتظرون ساعة الصفر بفارغ الصبر، وقد امتلأت قلوبهم غيضاً على ثورة الرابع عشر من تموز وقائدها عبد الكريم قاسم، وعلى الحزب الشيوعي الذي وقف منذ اللحظة الأولى لقيام الثورة إلى جانبها ودعموا قيادة عبد الكريم قاسم بكل ما أوتوا من قوة، وتصدوا لكل المحاولات الانقلابية التي جرت بتخطيطهم بدءاً من انقلاب الشواف، ومحاولة رشيد عالي الكيلاني الانقلابية ومحاولة عبد السلام عارف قتل الزعيم، ومحاولة البعثيين قتل الزعيم في رأس القرية. وقد اعد الإمبرياليون محطة إذاعة في الكويت كانت تذيع أسماء القياديين الشيوعيين ومناطق سكناهم لاعتقالهم وقتلهم.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular