كان رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، قد وعد قبل سبعة أشهر مع حلفه اليمين الدستورية، بتطبيق خطّة مدتها خمس سنوات، تحدّد أنشطة حكومته، وإصلاح أهم مفاصلها ببنودٍ استراتيجية مهمّة جداً يمكنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومنها وعوده بتحقيق الرفاهية والاستقلالية في زمن قصير جداً.. ولكن تبيّن أنه كان مجرّد كلام معسول ووعود لا تتحقّق، ذلك أن حجم المشكلات والأزمات العميقة أكبر بكثير من بنود خطّة وهمية، فالوزارة لم يكتمل نصابها حتى الآن، نظراً لضعف رئيسها أمام القوى الحزبية والمليشياوية، بما في ذلك أهم وزارتين شاغرتين، الدفاع والداخلية.
وعلى الرغم من مجابهة الحكومة (الجديدة) جملة من التحدّيات، إلا أن ظروفها أفضل من ظروف حكومات سبقتها، ولكن المناخ الاجتماعي والسياسي العراقي لم يزل مضطربًا للغاية، بسبب التحديّات الإقليمية والضغوط الخارجية أولا، وبسبب وجود قوى داخلية متنفذة ومتغوّلة سياسياً وأمنياً في العراق ثانياً.
بعد تسنمه منصبه، وبدء أعمال حكومته، قال عبد المهدي إن هذه الحكومة قدمت برنامجاً وزارياً كاملاً في إطار زمني واضح، “ونحن نعمل على تنفيذ هذه البرامج”. وأردف: “هدفنا الكبير هو تلبية مطالب الأمة”. ولكن يبدو وبعد مرور سبعة أشهر عليه في منصبه أنه لم ينجز أيّ شيء حقيقي على الأرض، على الرغم من أنّ المزاج السياسي الجديد في العراق لا يظهر أبداً أن الحكومة قد بدأت عزمها بتحقيق توازن إيجابي، وأنها تعتمد نهجاً مستقلاً، وأنها لم تتفاعل بقوّة مع دول أخرى في المنطقة، وإنها فشلت في إيجاد واجهة بين القوى الإقليمية من خلال هيمنة إيران على العراق.
لم يظهر عبد المهدي، في محاولته الأولى، أنه يتخذ خطوات مستقلة، كونه لم يستطع فعل ذلك أبداً، فلماذا ضمّن ذلك في خطته وبرنامجه؟ ولماذا أعلن عن عدم خضوعهِ للعقوبات الأميركية ضد الدول الأخرى؟ ولماذا أكّد أنه يتصرّف في مواجهة العقوبات الأميركية ضدّ إيران؟ وهل أتّم تحديد الأولويات في قضية استقلال البلاد ومصالحها؟ وسواء كانت له دراية جيدة بالعلاقات الثنائية مع إيران أم لا، فليسَ من مصالح العراق العليا أن تجده مع أميركا، وتجده مع إيران في آن واحد، إذ سيكون ضحية للاثنين معاً، مهما بلغ حجم الحياد الذي يتشدّق به، ومهما وزّع بيضه بين السلتين، علماً أنّ إرادة إيران كانت ولم تزل تتحكّم بالعراق.
ثمّة أسئلة ملحّة مطروحة على رئيس وزراء العراق، بعد مرور أكثر من ستة أشهر على حكمه، منها: هل نجحَ في إدارته للحكم، وخصوصاً أنه تولّى منصبه بعد موافقة القوى السياسيّة الشيعية عليه، فأصبح رهينة لمشيئتها، والرجل مختص في الاقتصاد، لكنه لم يزاول العمل الأكاديمي أو البحثي، كونه اشتغل في السياسة، وتقلّب أيديولوجياً من الماركسية إلى البعثية إلى الإسلامية، كما انتقل من راديكاليته العنيفة إلى الاعتدال.. واليوم، يعجز رئيسا للحكومة في مواجهة تحديّات حقيقية، ولم تنجح حكومته في قضايا استراتيجية وملحّة في البلاد، وهي قضايا لا تكفيها إصلاحات جديّة هشّة، بل هي بحاجة للتغيير الجذري، كما عجز الرجل في الاستجابة للتحدّيات الأساسيّة، وبدا غير مؤهل لقيادة البلاد، بعد نكث العهود التي قطعها على نفسه أمام العالم، وخصوصا ما يتعلّق بالسياسة الداخلية، فما هي تلك التحدّيات؟
أولا، المسؤولية الوزارية واستقلاليتها، إذ سجّلت الحكومة، برئاسة عادل عبدالمهدي، فشلاً ذريعاً كما جرى في حكومات من سبقه، وفشل في التغلّب على هيمنة القوى والأحزاب السياسية، ولم يستطع فرض إرادته، كي تكون حكومته مستقلة عن الحيتان المسيطرة، فهذا أوّل مؤشّر على فشله وحكومته، وخصوصاً بعد أن فرضت تلك القوى أسماء معينّة عليه، فقبلها، فدقّ أسافين مسمومة في حكومته التي تبدو وقد أخفقت معه.
ثانيا، لقد وعد بمحاربة الفساد في العراق، وهو أكبر آفة خطيرة تتجاوز ظاهرة الإرهاب، بسبب تغلغلها في كلّ مفاصل الدولة ومؤسساتها على جميع المستويات. وكان من المؤمّل أن يبدأ بإصدار قراراتٍ حديّة وصعبة، ولا تراجع فيها باجتثاث الفساد وضرب بنيته وشبكاته المسيطرة حتى على مجالس المحافظات الفاسدة ، وتبدأ ” القرارات ” من الأعلى نحو الأدنى، ومحاكمة الفاسدين علناً، وإجراء تحقيقات واسعة، بمساعدة خبراء محليين ودوليين، وبمشاركة فرق ومنظمات دولية لمكافحة هذه الآفة الخطيرة. لكن عبد المهدي لم يفعل.
ثالثا، الحدّ من انتشار الأسلحة في البلاد، وحصرها في يد الدولة، وهذا أيضاً من أخطر التحديّات التي تحدّد ملامح ومستقبل كلّ من الدولة والمجتمع العراقيين، فلا يمكن لأيّة حكومة استعادة هيبتها داخلياً وخارجياً مع وجود فصائل مسلّحة حزبية وحشدية وعشائرية، شيعية وسنية، وهي تقاسم الحكومة ممارسة السلطة والنفوذ.. ومن المستحيل التحدّث عن مكانة الدولة الوطنية الحديثة وسيادة القانون، مع وجود وانتشار السلطات الموازية لسلطة الدولة في الأمن والجيش والتعليم والخدمات.. وعليه، فقد فشل عبد المهدي في انتشال العراق من دولته العميقة.
رابعا، الفشل في تحييد القضاء وتعديل الدستور، وكان هذا التحدّي أحد أبرز المشكلات التي قوّضت عمل الحكومة والبرلمان، فإن تسييس القضاء يسمح بنمو الصراعات السياسية مع بقاء الفساد، مع بقاء الثغرات في الدستور وبنوده، والتي اعترف بها الجميع، إذ سمحت للقوى والأحزاب والمليشيات باستغلال الدستور والتنكيل بالمؤسسة التشريعية وخرق السلطة التنفيذية. وعليه، فشلت الحكومة الحالية بإعادة الثقة من خلال تحييد القضاء وتعديل الدستور. والمؤكّد أن كلّ هذا وذاك سيقود إلى تحديد طبيعة العلاقة مع إقليم كردستان، وتحديد العلاقة بين الحكومة المركزية ومجالس المحافظات التي تشهد فساداً مريعاً في أغلبها.
خامسا، تحييد العراق وتطبيق استقلاليته التامة عن سياسة المحاور (الإقليمية والدولية). والعمل على فك الارتباط السياسي غير الرسمي لبعض الفصائل المسلحة، وزعماء بعض القوى، مع إيران، وتفعيل الدبلوماسية العراقية في مجالاتها المختلفة، ووضع مصلحة العراق العليا أولوية قصوى للدبلوماسية. ان عدة فصائل وقوى اوليغارية وطائفية لم تزل تتحكم بمصير البلاد ، وتعبث بشؤونه الداخلية وتحت واجهاتها قوى تمالئها من اجل مصالحها الفئوية والشخصية ولقد ثبت ان قوى سنّية تافهة تشارك في هذا الماراثون القذر .
أخيرًا، يمكننا نقد حكومة عادل عبد المهدي، والتي فشلت حتى الآن في أدائها، بل وعجزت عن تقديم ما وعدت بإنجازه خلال مدّة محدّدة على مستوى الخدمات، وفشلت ليس في تطويرها، بل حتى في معالجة مشكلاتها. وهنا، تتوجب إعادة تنشيط جميع مفاصل الدولة في مجالات الخدمات والأمن والاقتصاد والصحة والتعليم، والنهوض بالبنية التحتية للبلد، والعناية بتطوير بنيته الفوقية، وإزالة الهيئات الاقتصادية للأحزاب السياسيّة من الميدان، وإعادة الإعمار والاستثمار لكلّ أجزاء العراق، وخصوصا المدن المنكوبة. وعليه، نطالب رئيس الوزراء بأن يبرهن على ما قدّمه من منجزات أساسيّة.. ويقدّم الحقائق إلى الناس، فالعراق ما زال يغوص في مشكلاتهِ وترديّات واقعه، فمتى يتمّ انتشاله منها في ظلّ سياسة حكومية خاملة وعاجزة وغير مسؤولة يتبعها عادل عبد المهدي ؟؟
ولمَ البرنامج الإستراتيجي فالأمور تمشي بدون إستراتيجي , ليحدث ما يحدث ويجري ما يجري, فالنفط تجري