يضعنا المبدع الكبير ( برهان الخطيب )امام عمل روائي متكامل الابداع والتقنية والصياغة . في النص الروائي . وهو يخوض في غمار الواقع السياسي , في مرحلة معينة من تاريخ العراق الحديث , المضرجة بالدماء والعنف المفرط واساليب التسلط الشمولي , الحبكة السردية وتداعياتها تمثل ارهاصات خلاصة التجربة الحياتية والمعايشة والفعلية في لب الصراع المتعدد الاطراف والاشكال . في الخوض في خارطة التفاصيل , لاصعب مرحلة او حقبة سياسية معقدة ومتشابكة . وهي تتناول كيفية انتزاع السلطة بالطرق اللاشرعية , وكيفية احتكار العمل السياسي , وكيفية ملاحقة الخصم على أمل تدميره , سياسياً وجسدياً . المتن الروائي يتناول ايضاً التخبط في اسلوب وعمل التنظيمات المعارضة العراقية في الخارج . يسلط الضوء الكاشف على كل اطرافها الساسية بكل الوانها واشكالها . وخاصة في فترة السبعينيات من القرن الماضي , والفترات المتعاقبة والمتلاحقة بعد ذلك . من خلال المعطيات الحقيقية , بالوثائق المستندات الدامغة . ليستقرئ الاوضاع السياسية السائدة آنذاك ,في تقمص دور دور رجل الامن الغليظ والمتزمت , وبالسلوك الذي يعتمد على الاساليب في المكيدة والدسيسة والاحتيال . في ممارسة نهج التصفيات السياسية والجسدية للخصم السياسي . مما خلقت اوضاع شاذة في اراقة الدم العراقي , وفي التضييق الكامل على الحرية العامة والخاصة , وانتهاك حقوق الانسان . وتصاعد وتيرة الارهاب بطفرات كبيرة , مما خلقت النزوح والهجرة والتشرد خارج الوطن . في محطات الغربة والمنفى والاغتراب . وهذه المحطات : ( سوريا . روسيا . السويد . الدنمارك ) تناول مسار المتن السردي بتسليط الضوء على كل محطة من هذه المحطات , التي تتواجد الجالية فيها العراقية . مثلاً سوريا , لا يخرج ولا يدخل اي عراقي , بعيداً عن مجهر المراقبة الامنية , وتحت سمع وبصر المخابرات السورية , وعيونها منتشرة حتى داخل تنظيات المعارضة , ولها اليد الطويلة على اطراف المعارضة بكل اشكالها والوانها . كما يكشف المتن الروائي , التنابز والخلاف والتناحر , الذي يسود عمل التنظيمات المعارضة السياسية . والكل يدعي بأنه سيكون الوريث الشرعي بعد سقوط النظام في بغداد , وكذلك يد النظام الاخطبوطية , المتغلغة في اعماق المعارضة وتنظيماتها . ويتناول النظرة الارتيابية , لكل من يدعي انه مستقل ولا يحبذ العمل السياسي ولا الانخراط فيها , فمعنى الاستقلالية مرفوض , يعني يضع نفسه في وضع غير مأمون وصعب وغير مرغوب به , ولا يمتلك شرعية الاقامة على الارض السورية , إلا بتزكية من احدى تنظيمات المعارضة . حتى ( خالد ) كان يخطط بأن يكون بعيداً عن الاجواء السياسية والحزبية وطقوسها كلياً , وان يكون مستقلاً , متفرغاً للعمل الادبي . لكنه وجد نفسه يغوص في اعماق بحر السياسة المتلاطم بامواجها العاتية , وجد نفسه مشدوداً الى خيوطها ( أراد خالد كل حياته ان يكون بعيداً عن السياسة فوجد نفسه في لبها ! . أن يكون متفرجاً مستقلاً فوجد أنه مشدود بخيوط مرئية وغير مرئية الى مسرح الحياة ) ص405 . والمتن الروائي سلط الضوء على الشخوص المحورية في الرواية ( خالد . عدنان . صلاح , رباب . غالا . ضرغام . حامد ) . ويتابع خيوط تواجدهم في روسيا . وكذلك في انتقالهم الى السويد لطلب اللجوء , يتابع تفاصيل حياتهم وطرق تفكيرهم في هذه البلدان , التي احتلت مساحات واسعة في ثنايا الحبكة السردية . التي جاءت من ثمرة عمل روائي , بالجهد المثابر والدؤوب , وبالعمل المتواصل دون انقطاع , أستمر ست اعوام . ليقدم هذا العمل الروائي . الذي وظف عدة اساليب متنوعة , في اشكال التقنية الفنية والتعبيرية في اسلوبية الرواية الحديثة , واهم هذه الاشكال , الرصد البوليسي , في الملاحظة والتدقيق والتحليل والمتابعة . في اسلوب رشيق ومرهف .
×× أحداث المتن الروائي :
× بعد طرد وابعاد ( خالد ) من روسيا , بالمعاملة الخشنة , حيث لم يسمحوا له بأخذ اي شيء , ولم يخبره سبب الاستدعاء , او الجهة التي يتوجه اليها , لكي يجهز نفسه . وجد نفسه في الحجز لم يسمح لزوجته وابنه في الزيارة في الحجز .اي انه طرد بأسلوب تعسفي وظالم , فمن الحجز الى المطار دمشق , وهل لا يعلم الى اين ؟ واستلم جواز سفره في مطار دمشق . بدون مال سوى حقيبة سفر . فكان يبحث عن قشة انقاذ لوضعه الصعب , بأيجاد صديق , او من معارفه , او من اهل مدينته ( الحلة ) وراح يفتش عنهم في مرقد السيدة زينب في الشام . ووجد اقربائه ومعارفه واصدقائه هناك , وساعدوه في تخفيف معاناته . وجد الدعم المالي بالاقتراض المالي , ليمشي اموره الحياتية , وكان يخطط بأية وسيلة في الرجوع الى روسيا مجدداً , ليدبر احواله هناك , ثم الانتقال الى احدى دول الهجرة . وعرف عن قرب على الخلافات في التنظيمات المعارضة العراقية , واحوالها البائسة , التي تكتنف حياة العراقيين بالضائقة الحياتية والمالية . وبعد مساعي حثيثة , حصل على جواز سفر مزور وتذكرة سفر سياحية الى روسيا . وبالفعل دخل روسيا في عهد ( البيرسترويكا ) . ووجد الاحوال متغيرة في مدينته وكذلك في الاوضاع العامة في البلد , وجدها تعيش المعاناة والفوضى في الاوضاع الجديدة . وبدأت تعيش في وضع بائس وتعيس ( لكن المدينة بدت في عينيه وكأنها في بداية عهد تعيس . نظافتها ونظامها الصارمان القديمان يختفيان وتحل فوضى في الشوارع والبيوت … مؤسسات كبيرة تتحلل الى دكاكين صغيرة . والناس في عجلة الى مجهول . القبضة القوية ارتخت فبدأ كل يبرز قبضته ) ص207 . فلم يستقر به الحال في روسيا , فشد الرحال الى السويد , طالباً اللجوء والاستقرار فيها . لكن من الصدف , أنه وجد غريمه القديم والعتيق ( عدنان ) الذي ساهم بمكيدة منه في ابعاده من روسيا . وكما أن ( عدنان ) يمثل شخصية عدوانية بالمزاج الشرس والانانية القصوى . وكان سابقاً , الحارس الامين والمدافع الشرس عن السلطة وحزب البعث , وساهم في الجرائم الكثيرة , في الاعدام والقتل , حت لاقرب اصدقائه , نفذ فيهم القتل . ولكن حين اشتد عليه الخناق هرب من قبضة النظام , وانتقل الى دور المعارض . واساليبه المفضلة في السلوك والتصرف , هي المكيدة والدسيسة والحيلة , من اجل الايقاع بخصمه . وعرف ( خالد ) بأن غريمه دخل السويد , بأسم مستعار , اسم صديقه القديم ( أياد مجيد ) الذي نفذ به حكم الاعدام في بغداد بموافقة النظام . لهذا يبقى السؤال والتساؤل , عن جريمة القتل , والجثة التي وجدت مقطوعة الاوصال , التي عثر عليها , في احدى الغابات في السويد . والتي عرف عنها بعد التحري والتدقيق والتحقيقات المضنية والمتواصلة , عرفت جثة القتيل بأسم ( أياد مجيد ) . فمن يكون القاتل والقتيل ؟ , أذا كان القتيل بأسم ( اياد مجيد ) معدوماً في بغداد . لذا من ممكن جداً ان ( عدنان ) ارسل لشخص معين لينفذ به جريمة القتل بأسم ( أياد مجيد ) , لكي يهرب الى بلد اخر , وخاصة انه ضاقت عليه الدائرة اعدائه المحيطة به , والذين يطالبون برأسه . ( ضرغام ) شارك في اعدام ابيه بدسيسة مغرضة . و ( خالد ) ساهم بطرده من روسيا , رغم انه كان متزوجاً من روسية ولديه ابن ( سالم ) . و ( رباب ) كانت عشيقته وخليلته في الفراش , اثناء دراستها في روسيا , وكان يستخدمها لتجسس على العراقيين , واجهضها اكثر من مرة , وفي الاجهاض الاخير , لم تستطع اجراء عملية الاجهاض , لذلك احتفظت بالجنين . و ( حامد ) شقيق ( خالد ) ارسلته الحكومة العراقية , لينفذ عملية الاغتيال بحق ( عدنان ) لانه خرج من بيت الطاعة للنظام ( لقد تم ارسال حامد بمساعدة المخابرات الى هنا بأعتباره هارباً من الخدمة ومعارضاً للنظام في بلده , مزوداً بعنوان عدنان لقتله والعودة الى بغداد لينعم بمكافأت ) ص328 . لكنه استغل الفرصة ليهرب من النظام , وينفصل عنه كلياً , ويتزوج من خطيبته القديمة بنت عمه ( رباب ) . ولكنه كان لم يوافق على تواجد الطفل في البيت , الذي هو ثمرة غير شرعية في العلاقة الجنسية , بين ( رباب ) و( عدنان ) . أما ( ضرغام ) فهو متزوج من ( غالا ) الروسية . التي كانت عشيقة وخليلة ( عدنان ) والتي لم تقطع علاقتها المشبوهة حتى بعد الزواج , مما اضطر ( ضرغام ) ان يعتدي عليها , وهذه بدورها اقامت دعوى ضده عند الشرطة , واودع السجن بتهمة الاعتداء على زوجته . ولكنها اختفت مع اختفاء ( عدنان ) بعد ذلك . لذلك يظل لغز اختفاء ( عدنان ) وجريمة القتل التي حدثت . حتى التحقيقات الاجهزة الامنية , لم تتوصل بشكل قاطع الى هوية القاتل والقتيل , حتى بعد مرور عشرة سنوات على ارتكاب الجريمة . وفي محاورة في المطار بين خالد والمحقق , الذي تولى ملف الجريمة على عاتقه ( – لم تعرفوا قاتل عدنان حتى الآن وإلا كانت وسائل الاعلام ذكرت ذلك.
– مقتل عدنان لم يثبت بصورة قاطعة لي . وما يحيرني ان عدنان لو لم يكن هو القتيل فلماذا لم يظهر في بلده أو غيره بعد تغير النظام وانقضاء عهد صدام ) . ص422 .
عمل روائي يستحق القراءة .
× الرواية : الجنائن المغلقة / الجزء الثاني
× المؤلف : برهان الخطيب
× الطبعة الاولى : عام 2006 . في بغداد
× عدد الصفحات : 431 صفحة