كشف رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي المنتهية ولايته، حاكم الزاملي، اليوم السبت، عن وجود جهات سياسية وعسكرية ضالعة في ملف تهريب نفط البصرة عبر مياه الخليج العربي بمساعدة أطراف إماراتية، مشيراً إلى أن الفصائل المسلّحة تحصل من تهريب النفط على مبالغ تصل إلى مئات آلاف الدولارات في اليوم الواحد.
ونقلت صحيفة “العربي الجديد” عن مراقبين ومسؤولين محليين في البصرة وبغداد، قولهم، إن “أكثر من 40 فصيلاً مسلحاً ونحو 10 أحزاب سياسية في العراق تتغذّى مادياً على النفط المهرّب من جنوب العراق، بالإضافة إلى 6 جهات كردية تموّل نفسها أيضاً من النفط العراقي المنهوب في الشمال، وهو الملف الذي تعاظم أخيراً وبات تحدياً أمام الحكومة بسبب ما يتكبّده العراق يومياً من خسائر جراء تهريب النفط الخام أو مشتقاته منذ الاحتلال الأميركي للبلاد ولغاية الآن”.
وكشف وزير عراقي بارز في بغداد لـ”الصحيفة” عن “مفاتحة الحكومة العراقية للجانب الإماراتي إزاء ملف تهريب النفط العراقي عبر مياه الخليج العربي ومساعدة أطراف إماراتية لعصابات ومافيات التهريب بطرق مختلفة”.
ووفقاً للوزير، فإن “جهات إماراتية، بينها شيوخ معروفون في أبوظبي والفجيرة والشارقة ورأس الخيمة، متورطون بالتعامل مع شبكات ومافيات نفط عراقية معظمها مرتبطة بمليشيات سبق لأبوظبي أن أدرجتها على لائحة الإرهاب، مثل حزب الله والنجباء وبدر والعصائب، وأحزاب أبرزها الفضيلة والمجلس الأعلى والدعوة والتيار الصدري”.
ولفت الوزير إلى أن “الحكومة العراقية بدأت تتحرّك فعلياً مع المسؤولين في الإمارات للعمل على هذا الموضوع، لكن بشكل غير معلن، لعدم إثارة أزمة أو استغلال الموضوع سياسياً”، مؤكداً شراء طنّ النفط العراقي من قبل جهات غير رسمية في الإمارات، لكنها مقربة من النظام، بمبلغ لا يتجاوز 250 دولاراً (طنّ النفط يعادل نحو 7 براميل نفط). مبيناً أنّ “النفط العراقي المهرّب يذهب معظمه إلى الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة، لتشغيل محطّات كهرباء هناك أو لخلطه مع النفط الإيراني الخام بغية تخفيف نسبة الكبريت، إذ إنه من المعروف ارتفاع نسبة الكبريت في النفط الإيراني الخام، وهو ضار بالبيئة، ويتطلّب خلطه مع نفط عراقي أو سعودي لتخفيف نسبة الكبريت فيه”.
وتابع الوزير أن “الأموال التي تحصل عليها شبكات تهريب النفط العراقي، يتم إيداعها في بنوك إماراتية”، مضيفاً أنه “تمّ ضبط نماذج وأذونات قطع ومرور جمركي بأختام شركات إماراتية لها مكاتب في موانئ إماراتية، مثل شركة العهد الجديد وشركة جبل علي، حيث وجدت بحوزة مهربي النفط العراقي”.
من جانبه، اتهم القيادي البارز في التحالف الوطني الحاكم في العراق وعضو البرلمان عن محافظة البصرة، القاضي وائل عبد اللطيف، السلطات الإماراتية بـ”تسهيل عمل عصابات وشبكات تهريب النفط العراقي من البصرة”، مبيناً، أنّ “النفط المهرّب يباع لجهات إماراتية غير حكومية بأسعار بخسة، لكن تلك الجهات مسكوت عنها في الإمارات”. وأوضح أنّ “عمليات تهريب النفط العراقي تتمّ من قبل جماعات وعصابات مدعومة من أحزاب وجهات مسلحة تقوم بنقل النفط العراقي بطرق مختلفة”.
وشرح عبد اللطيف، والذي كشف عن امتلاكه مقطع فيديو يظهر جانباً من عمليات التهريب تلك، قال إنه “سيقدمه للجهات الحكومية العراقية، الطرق التي تستخدم في تهريب نفط العراق، موضحاً أنه “في العادة تصل باخرة نفط وتستقرّ خارج المياه الإقليمية العراقية وتبقى بين 3 أيام وأسبوع، وهناك يبدأ المهرّبون بنقل ما لديهم من نفط إليها عبر زوارق تراوح حمولتها بين 10 إلى 20 طنّاً، وتقوم ببيعه، بحيث تستلم المال إمّا مباشرة أو يتم إيداعه في حسابات بنكية متّفق عليها بين المهرّب والمستفيد. وبعد امتلاء الباخرة بالنفط، تقوم بنقله بنماذج خروج حصلت عليها مسبقاً، تحوّل صفة هذا النفط من مجهول النسب أو غير شرعي، كما هي المصطلحات المتداولة في عالم تهريب النفط، إلى نفط شرعي يمكن له المرور عبر مياه الخليج العربي”.
ولفت عبد اللطيف إلى أن “موضوع تهريب النفط العراقي “بدأ منذ عام 1990 بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق، لكنّ الدولة هي التي كانت تقوم بتهريبه وبيعه وقتها، للحصول على الدولار، إلا أنّ الأمر ما زال متواصلاً، لكن هذه المرة من خلال عصابات وجماعات مدعومة من أحزاب وجماعات مسلحة، تهرّبه وتبيعه بأسعار أقّل بكثير من أسعار السوق العالمي”.
وحمّل عبد اللطيف الإمارات مسؤولية ذلك، خصوصاً أنّ “الباخرة التي تنقل هذا النفط المهرّب لا تملك أوراقاً رسمية بحمولتها، وتحمل نفطاً غير شرعي، وهو تعامل مع عصابات لا أكثر”، كاشفاً عن “تحرّك الحكومة العراقية حيال الموضوع من خلال تسيير قوات تابعة للبحرية العراقية وشرطة خفر السواحل لضبط عمليات التهريب تلك، التي تتم في العادة من داخل حقول النفط العراقية أو عبر كسر أنابيب التصدير وسحب كميات كبيرة من النفط منها، ثمّ نقله في صهاريج ضخمة إلى المياه العراقية في البصرة”، مشيراً إلى أنّ “قوات بحرية عراقية تمكّنت من اعتقال عدد من المهربين في عرض مياه الخليج وقيّدتهم، وعند التحقيق معهم، تبيّن أنّ بعضهم يتبع لجهات عراقية سياسية”.
وأعلنت قيادة شرطة نفط الجنوب، في الـ14 من شهر أغسطس/ آب الجاري، عن إلقاء القبض على عصابة لتهريب النفط في البصرة. وذكر بيان لها، أنّ قواتها “ألقت القبض على عصابة متخصصة بتهريب النفط تتكوّن من 4 أشخاص في محافظة البصرة”، مضيفةً أنّه “تمت إحالة المتهمين إلى الجهات المختصة لإتمام الإجراءات القانونية”.
إلى ذلك، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي المنتهية ولايته والقيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، إنّ “قضية تهريب النفط أصبحت أمراً شائعاً، فالكلّ يعلم أنّ هناك جهات سياسية وعسكرية ضالعة في التهريب، وهناك تسترّ من قبل بعض القطاعات الماسكة لهذه المناطق”، مبيناً أنّ “الفصائل المسلّحة تحصل من تهريب النفط على مبالغ تصل إلى مئات آلاف الدولارات في اليوم الواحد”. وأضاف أنّ “هناك جهة صغيرة تمتلك السلاح، وتمتلك المليشيات وتمتلك القوة، تسيطر على تهريب النفط، ويجب إيقافها”، موضحاً “أنا طالبت رئيس الحكومة بالتدخّل ومحاسبة تلك الجهات، لكن من دون جدوى”.
وعبّر الزاملي عن استغرابه من “سكوت الحكومة، في وقت نحتاج فيه إلى ثورة ومحاربة حقيقية لمنع تبدّد ثروات البلد وسرقتها. فآبار النفط مفتوحة أمام المهرّبين في القيارة والدجيل وعلاس وعجيل (شمال العراق)، والبصرة والعمارة (جنوب العراق)”، مشدداً على أنّ “هذه الثروات هي ملك للشعب، وليست لطائفة أو حزب، ومن يتاجر بالنفط ستصبح لديه قوة وسلاح وعتاد ومقدّرات اقتصادية عالية، وسيصبح غولاً كبيراً لا يمكن مجابهته”.
ويعدّ ملف تهريب النفط العراقي من أبرز المشاكل التي واجهت الحكومات العراقية منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، إذ تقدّر سنوياً خسائر العراق جراء عمليات التهريب بنحو مليار دولار، وتتورّط مليشيات مسلحة في جنوب ووسط البلاد وجماعات كردية شمال العراق، بجرائم التهريب، وكذلك تنظيم “داعش” خلال سيطرته على مدن عراقية عدة. وتعدّ تركيا وإيران الوجهة الرئيسة لمعظم النفط العراقي المهرّب.
وفي الإطار ذاته، شدّد الخبير في الشأن العراقي وأحد الباحثين في مجال جهود مكافحة تهريب النفط العراقي، أحمد المحمود، أنّ “أطراف معادلة تهريب النفط عبر البصرة من خلال مياه الخليج العربي هي: المهرّب أو شبكة التهريب، والوسيط والجهة المستفيدة”، مضيفاً أنه “في كل الأحوال هناك دور إماراتي في العملية؛ سواء عبر شراء النفط المهرّب، أو بسبب تحوّل الإمارات لوجهة رئيسة تتجه إليها أموال المهربين التي يحصلون عليها من بيع النفط المهرّب، عبر حسابات في أبوظبي ودبي، أو من خلال شخصيات مقربة من حكومة الإمارات، والتي تقوم بمنح تراخيص قانونية للمهربين حتى يتم تسهيل مرور السفن التي تحمل النفط المهرّب”.
ولفت المحمود إلى أنه “من دون الإمارات، لا يمكن للنفط أن يهرّب إلى خارج العراق عبر الخليج العربي. لذا، هناك عصابات صغيرة تستخدم الحيلة من خلال نقل مشتقات نفطية للمياه الدولية، ثمّ إعادتها للعراق بتصاريح مزيّفة وبيعها مجدداً، وهو ما يمكن اعتباره غسيل أموال واسع الانتشار في البصرة اليوم”، لافتاً إلى أنّ “البحرية العراقية اعتقلت بحارة هنوداً، تبيّن أنّ قسماً منهم يتبع لشركة مقرّها في الإمارات، وهناك معتقلون الآن في البصرة من جنسيات إيرانية وسورية، ألقي القبض عليهم في عرض البحر قبل أيام خلال عمليات تهريب مشتقات نفطية تبيّن أنهم سرقوها من العراق، وقاموا بنقلها لباخرة في البحر لتأتي الأخيرة في ما بعد وتبيع النفط في الميناء بأوراق شهادة إماراتية وكأنها جاءت من الإمارات أيضاً”. ولفت إلى أنّ “كميّة ما يتمّ تهريبه من النفط يومياً من البصرة عبر الخليج، يبلغ ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف طنّ من النفط العراقي”.