البعث المتوحش في السلطة ثانية 1968
المرحلة الثالثة: فترة تكريس النظام ورسم السياسات الاستراتيجية والتكتيكية 1968-1974
وصل البعث إلى الحكم مرة أخرى في السابع عشر من تموز/يوليو عام 1968 وأعلن عن برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولم يكن في الجوهر يختلف في اتجاهاته الأساسية عن نهج ونشاط البعث العام. ولكن تميز بالوقائع التالية:
• التخلص بالتآمر من حليفه القومي الجديد الذي شاركه الانقلاب على الحكم العارفي من داخل القصر والمخابرات العسكرية، باعتبارهم عملاء لأمريكا وبريطانيا، في وقت كانوا حلفاء لهم أيضاً، وكلهم حلفاء مع بعض؛
• توجيه ضربة انتقامية للقوميين العرب وبشكل شديد الشراسة، فمن تنفيذ أحكام بالإعدام إلى سجن وتعذيب جسدي ونفسي وإهانات لكرامة الإنسان يصعب تصورها، ولكنها لم تكن في كل الأحوال بمستوى ما نفذه البعثيون والقوميون بصورة مشتركة بحق الشيوعيين والديمقراطيين في أعقاب انقلاب شباط/فبراير عام 1963. كما وجهت الضربة لتنظيمات البعث اليسار الذي انشق على حزب البعث العربي الاشتراكي في الفترة التي أعقبت سقوط حكم البعث عام 1963، وزج بالعديد منهم في المعتقلات والسجون وعرضوا للتعذيب كرفاقهم القوميين أيضاً؛
• جرى السكوت في الفترة الأولى عن الشيوعيين، ولكنهم سرعان ما أنزلوا بهم ضربة قاسية في عام 1971، وعرضوا ألاف المعتقلين للتعذيب والانهيار أو الموت أو الصمود بعاهات وأمراض كثيرة في كل المدن العراقية ولاسيما بغداد؛
• واصل البعث الحاكم سياسته العسكرية ضد الشعب الكُردي، إذ استمر في قيادة المعارك ضد قوات الحزب الديمقراطي الكُردستاني محاولاً الاستفادة من الانشقاق في صفوف هذا الحزب لصالحه والتي فشل فيها إلى حدود كبيرة؛
• بعد فترة وجيزة من وجوده في الحكم نظم ونفذ حملة اعتقالات واسعة لعدد ممن تبقى من يهود العراق وقدمهم لمحاكمات شكلية مع عدد من المسلمين العراقيين بتهمة التجسس لإسرائيل، حكمت على 9 من اليهود و4 من المسلمين بالإعدام شنقاً في ساحة باب الشرقي وسط بغداد بتاريخ 27/01/1969 للتشهير بهم وأتوا بالنساء للزغرة وكأنهم في عرس جنائزي؛
• وفي الوقت نفسه سعى الحكم إلى إعطاء بعض المكاسب للجماهير من أجل كسر طوق العزلة عنه وكره الناس له وانعدام الثقة به وبقيادته وإضعاف مقاومة الشيوعيين للتعاون معه، حيث بدأ بعد ضربه للحزب الشيوعي، التوجه لحل المشكلة الكُردية بطريقة تكتيكية جديدة حيث تم التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي لكُردستان العراق في آذار من عام 1970. وضمن هذا السياق والأسلوب الانتهازي برز توجهه لإقامة العلاقات الطيبة مع الاتحاد السوفييتي، إضافة إلى الاعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية وإقامة العلاقات الاقتصادية الواسعة معها، ثم قام بإجراء تأميم مصالح شركات النفط في العراق في عام 1972 ووضعها تحت تصرف شركة النفط الوطنية؛
• واستطاع أخيراً، وبدعم من جانب الاتحاد السوفييتي، إلى إقامة التحالف مع الشيوعيين لتوجيه الضربة لقوى حركة التحرر الكُردية والحركة المسلحة التي بدأ بها الملا مصطفى البارزاني في عام 974؛ وبرأي الشخصي كان قرار المشاركة في الجبهة خطأً كبيرأ ارتكبه الحزب، وأنا مع بقية قادة الحزب مسؤولون عن ذلك الخطأ، لا بد من الاعتراف به، لأنه ساعد بشكل مباشر وغير مباشر في توفير فرصة تكريس حكم البعث حينذاك شئنا أم أبينا الاعتراف بذلك.
• وكان حزب البعث يسعى في هذه الفترة إلى تعزيز وتكريس مواقعه في السلطة وفي المجتمع، وتأمين لمرحلة الانفراد الكامل بالسلطة. وكانت تحالفاته الوقتية معبرة عن موقف مبدأي لحزب البعث وقائد مسيرته الأولى، ميشيل عفلق، حين كتب في مقالته المعنونة “موقفنا من الشيوعية “ما يلي: “… فمجرد اشتراكنا في جبهة مع الشيوعيين هو توجيه ضمني من قبلنا للشعب لكي يتشكك في عقيدتنا وفي كونها الحل الوحيد الملائم لحاجاته. ونحن لا يضيرنا أن نتخوف من إتاحة الفرصة للشيوعية كي تكسب عطف الشعب وثقته على حسابنا.. ولا بد من الإشارة هنا صراحة إلى إن الرأي الذي يشجعه بعض الأنصار وبعض الأصدقاء من القناعة باكتمال الشروط والظروف اللازمة لدخولنا مع الشيوعية في جبهة وفي عمل مشترك إنما مصدره تشوش في فهم قضايانا وشعورنا بالنقص أمام النشاط الشيوعي في العالم“.\
المرحلة الرابعة: البدء بالتهيئة الفعلية لتنفيذ سياسات البعث الإستراتيجية حتى عام 1979 بدأت المرحلة الجديدة بالمؤتمر القطري الثامن لحزب البعث الذي اتخذ قرارته على مستويين:
-
المستوى العلني حيث أكد تصورات البعث حول دور الحزب القائد والرائد في الدولة والمجتمع، وعن وجهة الحزب في تحقيق التنمية الانفجارية في العراق وعن النموذج الاقتصادي الذي يسعى إلى إقامته ليكون جاذباً لأنظار الشعوب العربية وتأييدها ..الخ؛
-
المستوى السري لمجموعة من القرارات التي لم يعلن عنها، رغم خروج بعض المعلومات عن وجهتها، وربما سربها البعث ذاته لتأكيد وجهته وتهيئة الأذهان للتغييرات التي يريد فرضها على المجتمع. وكانت الوجهة تتلخص في سعي البعث لمعالجة تدريجية خلال عدة سنوات لخمس عقد أساسية هي:
1. تصفية المسألة الكُردية وإنهاء الحركة المسلحة في كُردستان العراق؛
2. التخلص تدريجاً من التحالف القائم مع الحزب الشيوعي العراقي، باعتباره عبئاً ثقيلاً على حزب البعث لتحقيق مهماته وطموحاته الاستراتيجية، كما أنه مناهض لفكر البعث في التحالفات السياسية لا مع الحزب الشيوعي فحسب، بل ومع أي قوة سياسية، إذ أن الحزب يسعى إلى السلطة كاملة غير منقوصة. وقد بدأ هذا الحزب في أعقاب انعقاد مؤتمر الحزب الثاني في صيف عام 1976 بقليل بحملة هستيرية متدرجة ومتصاعدة بدءاً بالمحافظات البعيدة والأطراف والريف واقتراباً من المركز في بغداد شملت عشرات الألوف من أصدقاء ومؤيدي وأعضاء وكوادر الحزب الوسطية والمتقدمة، ثم تنفيذ حملة إعدامات بعدد من العسكريين من شيوعيين وغير شيوعيين إلى أن أوصل العلاقة مع الحزب إلى القطيعة الفعلية بعد انسحاب وزيرين شيوعيين من الحكومة واعتبار التحالف جزءاً منن الماضي، انتهى وإلى الأبد مع حزب البعث. وكانت الجريمة بشعة ومريرة وأدت إلى نزوح عدد كبير من الشيوعيين والديمقراطيين والمستقلين ومؤيدي الحزب الشيوعي إلى الخارج أو إلى كُردستان أو بقاء أعداد أخرى في السجون والمعتقلات أو ماتوا تحت التعذيب؛
3. تعزيز قدرات الدولة العراقية البعثية والتوجه صوب عسكرة الاقتصاد والمجتمع وتحديث تسليح وتوسيع عدد أفراد وقدرات الجيش العراق وأجهزة المخابرات والأمن الداخلي والقومي؛
4. تعزيز دور قيادة البعث في السلطة ودور مجلس قيادة الثورة والانفراد الكامل بالسلطة والبدء برسم وتنفيذ الأهداف التوسعية لحزب البعث على النطاقين العربي والإقليمي؛
5. توسيع علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري مع العالمين الرأسمالي والاشتراكي لضمان الحصول على أقصى ما يمكن به تعزيز الدولة البعثية ودور حزب البعث ومحاولة الاستفادة من ذلك لصالح سياسات البعث الداخلية والعربية والدولية. ووضعت لهذا الغرض ما سميت بالتنمية الانفجارية التي رغبت من خلالها الوصول إلى المستثمرين الأجانب وتعزيز علاقات البعث بهم لضمان تأييدهم لها في تحقيق تلك الأهداف.
6. الهيمنة الكاملة والمطلقة على أجهزة الإعلام والدعاية والثقافة والتربية والتعليم والمناهج الدراسية في مختلف المراحل الدراسية وتوجيهها الوجهة اتي تخدم فكر البعث الانتقائي والشوفيني والطائفي في آن واحد.
• وتركز عمل قيادة حزب البعث في هذه الفترة على اتجاهات أساسية أخرى انطلت بهذا القدر أو ذاك على الشيوعيين، وربما على قوى أخرى أيضاً. وابتداءً من المرحلة الجديدة، أي مع الحصول على موارد النفط الخام وإنزال ضربة شديدة وقاسية بحركة التحرر الكُردية، بدأت قيادة البعث الحزبية برئاسة صدام حسين، بالتخطيط والتنفيذ لاتجاهاتها الفكرية والسياسية الجديدة التي كانت في أجندتها حتى قبل وصولها إلى السلطة، وهي:
• مواصلة العمل لتحقيق ما أطلق عليه في مجلة الحزب الداخلية “الثورة العربية” والتي تتلخص بما يلي: تكوين الدولة البعثية القوية ذات الشروط التالية: دولة قوية بقيادة حزب قائد يمتلك أيديولوجية رائدة وقائدة ووحيدة وينفرد بالسلطة؛ ويمتلك القائد التاريخي، قائد الضرورة التاريخية، وجيش موحد ومسلح أحسن تسليح ومهيأ لتنفيذ المهمات. وبهذا الصدد كتبت الجريدة المذكورة ما يلي:
“لقد حدد الرفيق صدام حسين عناصر قوة الدولة والأمة، حين قال “منذ مئات السنين أيها الأخوة حرم العراق وحرمت الأمة العربية من بعده، الأمة العربية بكاملها أن تتحد الثروة والقيادة المخلصة والمقتدرة والعقيدة الحية، فجاء الوقت بعد مئات السنين لكي تكون لكم عقيدتكم المشرفة وأن يكون لكم حزبكم العظيم وعقيدته قيادة منكم وأن تكون لكم قيادة منكم عراقية وعربية صميمية، هذه هي أيها الأخوة العراقيون في كل مكان بهذه الكلمات الثلاثة الموجزة، العقيدة الحية الصميمية، تنظيم قوي وقيادة مخلصة من ذات البلد، وثروة حقيقية“. (راجع: الثورة العربية، مجلة حزب البعث الداخلية، العدد 4، نيسان 1980، بغداد).
• وجه البعث في هذه الفترة والفترة التي تلتها مبالغ مالية طائلة جداً لتحقيق ما يلي: أ) ضمان التسلح الواسع وإقامة ترسانة ضخمة من أحدث الأسلحة التي يمكن الحصول عليها من مختلف بلدان العالم، وتجهيز الجيش بأحدث التقنيات العسكرية وتأسيس كلية البكر للدراسات العسكرية؛ ب) التوسع في إقامة مصانع حديثة ومتقدمة لإنتاج السلاح والعتاد في العراق وبالتعاون مع الدول الاشتراكية والرأسمالية، وكذلك مع بعض دول العربية وبلدان العالم الثالث، أي تلك التي تقف على عتبة التحول، ومنها بعض دول أمريكا اللاتينية والدول الأوروبية، إضافة إلى الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية؛ ج) البدء بالتفكير بإنتاج أسلحة الدمار الشامل وخاصة القنبلة الذرية، إضافة إلى الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وتخصيص مبالغ لا حدود لها لهذا الغرض؛ د) إقامة معاهد ومختبرات خاصة للبحوث والدراسات في مجال التقنيات العسكرية وفنون الحروب الحديثة؛ ه) توسيع الجيش والجيش الشعبي وإقامة التدريبات العسكرية للضباط وضباط الصف في الداخل والخارج، وإرسال البعثات العسكرية التدريبية والدراسية إلى مختلف بلدان العالم الرأسمالي والبلدان الاشتراكية. وقد بلغ إجمال الموارد التي وجهت لغرض التسلح 200.5 مليار دولار أمريكي أو بمتوسط سنوي قدره 13.4 مليار دولار خلال الفترة الواقعة بين 1976-1990. (المصدر: التقارير السنوية لمعهد ستوكهولم لبحوث السلام للفترة 1981-1991 SIPRI: Yearbook 1997. Armaments”
وتشير دراسات معهد ستوكهولم لدراسات السلام والتسلح ونزع السلاح في العالم إلى أن العراق قد صرف مبلغا قدره 50 مليار دولار أمريكي لأغراض إنتاج الأسلحة الكيميائية والجرثومية والأسلحة النووية. فإذا أضيف هذا الرقم إلى الرقم الأول الخاص بإجمالي مصروفات العراق العسكرية فسيرتفع المبلغ إلى 250.6 مليار دولار تقريبا. وشكل هذا المبلغ ما يقرب من 39،2 % من الناتج المحلي الإجمالي للعراق خلال الفترة 1976-1990 حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه السنوات مجتمعة حوالي 640.1 مليار دولار أمريكي وفق الأسعار الجارية. وهذا يعني أن متوسط الصرف السنوي بلغ 16.9 مليار دولار سنويا من متوسط سنوي للناتج المحلي الإجمالي لذات الفترة مقداره 42،7 مليار دولار تقريبا بالأسعار الجارية، أو ما يعادل 39،6% تقريبا. ويستطيع المرء أن يقدر مدى التطور الذي كان في مقدور العراق تحقيقه لو وجه النظام تلك المبالغ الكبيرة لصالح التنمية الاقتصادية والبشرية، ومدى نمو الثروة الوطنية بدلا من حصول ذلك الدمار الهائل الذي يعاني منه العراق بسبب تلك السياسات العدوانية المعادية للشعب ومصالحه الأساسية التي مارستها السلطة في العراق، إضافة إلى الديون الثقيلة التي تراكمت بذمة البلاد والتعويضات التي يراد استقطاعها من موارده السنوية والتي يمكن ان تستنزف جزءا مهما من احتياطي النفط العراقي والتي قدرها البعض بحدود 40 % ولسنوات طويلة. وكانت تلك السياسة عدوانية وتوسعية موجهة ضد الشعوب المجاورة ومصالح شعوب المنطقة بأسرها. وجدير بالإشارة إلى أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا ويوغسلافيا وغيرها من الدول الأوربية، إضافة إلى الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، قد جنت كلها أرباحا قصوى من عقد وتنفيذ صفقات السلاح ومن اتجاهات التنمية الاقتصادية في العراق ومن سياساته العدوانية في المنطقة.
• إجراء تغيير في قيادة البعث لصالح صدام حسين، خاصة بعد أن نفذ ب 23 قيادياً من القيادة القطرية لحزب البعث ومجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء والكوادر المتقدمة الإعدام الجماعي بمشاركة أعضاء وكوادر الحزب في تنفيذ هذه الجريمة البشعة باعتبار أن هؤلاء كانوا يريدون السيطرة على السلطة لصالح أحمد حسن البكر. وبعد الانتهاء من المجزرة في عام 1979، قرر التخلص من أحمد حسن البكر الذي تنازل إلى “بطل الأمة” صدام حسين، ثم قضى نحبه مسموماً، كما يشاع في بغداد. وبالتالي، خلا الجو لصدام حسين في أن يبدأ المرحلة الجديدة بالهيمنة الكاملة على السلطة السياسية وعلى قيادة الحزب ومجلس قيادة الثورة دون منازع.
المرحلة الخامسة: الهجوم التوسعي وممارسة فعالة للسياسات العنصرية والعدوانية التوسعية وشن الحرب ابتداءً من عام 1979 حتى الوقت الحاضر
تمكن صدام حسين في عام 1979 أن ينتهي من عدد من المعوقات في طريق فرض دكتاتوريته الفردية المطلقة على البلاد وفرض نظامه الشمولي على المجتمع. ومن أبرز تلك المسائل نشير إلى ما يلي:
-
التخلص من التحالف البعثي – الشيوعي لصالح انفراد حزب البعث بالسلطة، رغم أنه كان منفرداً حتى حين كان متحالفاً مع الحزب الشيوعي العراقي؛
-
التخلص من المنافسين له في حزب البعث أو الذين برزت على تصرفاتهم عدم الارتياح من صدام حسين، وبالتالي تركيع وإخافة بقية القيادة بحيث تحول أغلبهم إلى جرذان مفزوعة من القط الذي يترقب أي تصرف منهم ليقودهم إلى المقصلة، إلى وجبة شهية للقائد؛
-
التخلص من دور حزب البعث ودمج صورة صدام حسين مع الحزب البعث، بحيث أصبح أحدهما الآخر، ثم غاب الثاني ليبقى صدام حسين وحده في الساحة السياسية، إذ لم تعد هناك حاجة أو ضرورة للحزب، إلا بقدر ما تريده منه أوامر القائد المتفرد والضرورة ليقوم بتنفيذها صاغراً، وبعدها أصبح صدام حسين رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء، وأمين عام القيادتين القومية والقطرية، والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس التخطيط …الخ، وأمسك بيديه منفرداً كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إضافة إلى سلطتي المال والإعلام؛
-
التخلص قبل ذلك من قيادة الحركة الكُردية التاريخية، الملا مصطفى البارزاني، ولكنه عجز عن التخلص من الشعب الكُردي، وبالتالي من حركة التحرر الكُردية، إذ بدأت بعد فترة وجيزة تماماً من توجيه الضربة في عام 1975، إلى إعادة تنظيم الصفوف بتياراتها المختلفة ابتداءً من عام 1976 والعودة إلى المقاومة المسلحة في كُردستان العراق؛
-
في 22 أيلول/سبتمبر من عام 1980 أعلن مجلس قيادة الثورة في العراق الحرب على إيران، وهي الحرب التي دامت ما يقرب من 8 سنوات عجاف مليئة بالدم والدموع والخسائر الفادحة بشرياً ومادياً وحضارياً. واستثمر صدام حسين حالة الحرب ليستكمل بناء دولته الإرهابية والقمعية في العراق مع سكوت مطبق من العالم كله دون استثناء.
6. وقبل الحرب وبعد بدئها مباشرة نفذ النظام عمليات تطهير عرقي بشكل واسع ومكشوف ضد ثلاث مجموعات شعبية أساسية في المجتمع العراقي، وهم أولاً) وقبل كل شيء ضد المواطنين الكرد في كُردستان العراق، ثم ثانياً) ضد المواطنين الكرد الفيلية في بغداد والكوت ومندلي وخانقين وغيرها من المدن التي يوجد فيها كرد فيليون، وثالثاً) ضد المواطنين العرب في الوسط والجنوب “بذريعة فاشية وعنصرية حقيرة إذ اعتبرهم “شيعة بتبعية فارسية“، وأنهم “يؤيدون” الجمهورية الإسلامية التي نشأت على أنقاض الدولة الشاهنشاهية الإيرانية في عام 1979. وعمد النظام إلى تنفيذ عملية تهجير واسعة لسنوات عدة لكرد كُردستان العراق إلى مناطق الوسط والجنوب. فعلى سبيل المثال لا الحصر أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً يقضي بتشكيل لجنة تنفيذية في 20/10/1981 للإشراف على بناء المجمعات والوحدات السكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية (بغداد – ديالي – صلاح الدين التي سيعين فيها “العاطلون من منطقة الحكم الذاتي. كما قرر البدء ببناء 20 ألف وحدة سكنية في المحافظات التالية لنقل السكان الأكراد إليها، وهي القادسية، المثنى، ذي قار والأنبار. وهذا يعني أن هذه المرحلة كانت تهدف إلى نقل ما يزيد على مئة ألف إنسان كُردي إلى مناطق الوسط والجنوب في حملة لتغيير الطبيعة الديموغرافية للمنطقة وتعريب السكان الأكراد. -
وخلال سنوات الحرب العراقية–الإيرانية استعاد واستعان صدام حسين بالعلاقات العشائرية القديمة في العراق محاولاً إحيائها من جديد ومنحها دفعة جديدة لتناصره في صراعه الداخلي وتساعده في تجنيد السكان في حربه العدوانية وإثارة النخوة البدائية في نفوس السكان من منطلق “ناصر أخاك ظالماً أو مظلوماً“. ويمكن الادعاء بأن العراق اليوم يعيش حالة من التمزق العشائري والإقليمي والديني والطائفي، إضافة إلى الإشكاليات القومية التي أججها النظام بسياساته العدوانية والعنصرية ضد الشعب الكُردي والأقليات القومية والدينية. كما يبذل اليوم جهوداً غير قليلة للعب على وتر الدين والإسلام ليجد لنفسه مخرجاً من الوضع الذي زج نفسه فيه من خلال استدرار عطف وتأييد الشعوب الإسلامية التي لا تعرف تماماً أساليب الإرهاب الدموي والقمع والاستبداد والعنصرية التي يسلطها النظام على رقاب الشعب العراقي.
لقد مارس البعث في فترة حكمه أساليب وأدوات مختلفة قديمة وحديثة، سواء أكان في المجالات الاجتماعية أم التقنية بما يخدم أهدافه وأغراضه المكشوفة، بما في ذلك استخدام الحروب الداخلية والخارجية والتي برهنت الحياة على عنصريته وعدوانيته وسفالته الفكرية والسياسية ورثاثته الاجتماعية.
يمكنني أن اختم هذه الحلقة بما أشار إليه الدكتور فالح مهدي بصواب كبير ما كتبه الفقيد الدكتور فالح عبد الجبارة ملخصاً التكوين المهلهل لحزب البعث وحكمه في العراق:
جاءت بذور نظام البعث التوتاليتاري، في أصلها من تضافر عمل عدة جماعات ومؤسسات متفرعة ومتفرقة: الزمر العسكرية المتآمرة، النخب القرابية (من قبيلة ألبو ناصر)، والنشطاء الحزبيون الأيديولوجيون. وهي تمثل مؤسسات مختلف: الجيش، العشيرة التقليدية، والحزب الجماهيري الحضري الحديث. فأن لكل مؤسسة/جماعة خطابها الخاص بعناصره المتنوعة: العسكر هو الوصي على الأمة وحاميها، حامل الوعد بتحرير فلسطين. أيديولوجية القرابة: موئل الثقة ونقاء النسب العربي؟ والأيديولوجية العروبية الحديثة حال الوعد بالتحرر…”. (راجع: فالح عبد الجبار، كتاب الدولة: اللوياثان، دار الجمل 2017، ص 179)، وهذه التشكيلة لا تختلف كثيراً أو تعبيرا عن لملومية المجتمع العراقي التي تحدث عنها فالح عبد الجبار وايدها الدكتور فالح مهدي.
انتهت الحلقة الثانية عشرة وتليها الحلقة الثالثة عشرة