في 2014، كانت الأيزيدية شيرين جيردو الحانتو، وأفراد عائلتها الـ16، ومعظمهم من الأطفال، أسرى لدى داعش.
نجحت شيرين في الهرب.. لكن أمنيتها الوحيدة، أن تشعر مجدداً بدفء العائلة، لم تتحقق، حتى بعد زوال داعش!
6 آلاف أسير
في 3 أغسطس 2014، دخل داعش معقل الأيزيديين في جبل سنجار شمال العراق. قتل 10 آلاف، وأسر 6 آلاف آخرين.
ومن بين 6 آلاف أيزيدي يعتقد بأنهم على قيد الحياة لم يعد سوى النصف، بينما اختفى النصف الآخر، ألف منهم من الأطفال.
تقول شيرين الحانتو في تقرير استقصائي لـ”الحرة”: “داعش لم ينته، لا يزال موجوداً، ومسألة القضاء عليه هي دعاية لا أكثر”.
وتتساءل: “إن كان داعش قد انتهى، إذا أين هم أسرانا؟ أنا فقدت عائلتي كلها، لدينا مفقودون بالآلاف، أباؤنا وإخوتنا وأمهاتنا وقعوا في أسر داعش ونحن لا نعلم شيئاً عن مصيرهم”.
مطلوب 15 ألف دولار
رغم أن الحانتو تعيش حاليا في ولاية نبراسكا الأميركية، فإنه تحاول بنفسها العثور على أفراد عائلتها المفقودين.
تقول وهي تمسك بصور عائلتها القديمة إن خيطها الأول كان الوسطاء الأيزيديين المعروفين بعلاقاتهم الواسعة على الأرض.
وعلى مدى شهور لم تتوقف الأخت الكبرى عن إرسال ما لديها من صور ومعلومات عن إخوتها وأولاد عمها هنا وهناك.
وقبل أن ينقطع بصيص الأمل وصلتها صورة من أحد المهربين لابنة عمها سعاد مرفقة برسالة نصها: “هل هذه الفتاة لكم؟ المبلغ المطلوب 15 ألف دولار”.
تقول: “أجبناهم: نعم بالطبع. هي ابنتنا ونريد استعادتها، جمعنا المال وتمت عملية الشراء”.
بعد الإفراج عن سعاد مقابل المال علمنا منها أنها كانت لدى عائلة داعشية وأنه تم بيعها خمس مرات.
أطفال.. للبيع بأعلى سعر
وسط الفوضى التي ضربت المنطقة خلال المعارك مع داعش وبعدها، ظهرت سوق سوداء جديدة سلعتها هي البشر وتحديداً الأطفال.
لكن الأطفال لا يعرضون للبيع على ذويهم فقط بل لمن يشتري بأعلى سعر، بحسب سعد بابير المسؤول الإعلامي في منظمة يزدا بالولايات المتحدة.
يقول بابير إن “ظاهرة الاتجار بالبشر للأطفال الأيزيديين متفشية جدا في سوريا وتركيا والعراق”.
وسرعان ما أخذت هذه التجارة لنفسها قالباً متعارفا عليه، يحتوي على بائع ومشتر وبينهما مهرب ووسيط أيزيدي.
البائع هو إما داعشي يحتاج المال، أو شخص عثر على أطفال أيزيديين، أو اشتراهم ليتاجر بهم، والمهرب هو الميسر لعملية البيع والتسليم.
وفي حالات أخرى، يكون البائع هو من يخطف الطفل لقاء المال، وأما الوسيط الأيزيدي فهو من يستقبل الصورة من المهرب أو من البائع مباشرة ويتواصل مع ذوي الطفل أو مع مكتب المختطفين الأيزيديين لدفع الفدية أو ترتيب عملية استرجاع الطفل.
وغالباً ما يتواصل أطراف التجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل تطبيق واتساب لتنفيذ عمليات البيع والاستلام.
تجارة سرية
داود سالم فقد كل أفراد أسرته بأحداث سنجار أيضاً.
ومثل شيرين، لم يكتف داود بالتطمينات الرسمية في البحث عن المفقودين، وظل ينشر صور أخويه بين المهربين والوسطاء على أمل الوصول لرأس الخيط، حتى وصله الخبر المنتظر، لكن كان أعقد بكثير مما توقع.
يقول داود لـ”الحرة تتحرى”: “الأخبار التي وردتني إلى الآن أن أحدا منهم في منطقة إدلب تحت سيطرة جبهة النصرة في سورية والآخر في منطقة أعزاز في سوريا على الحدود التركية، هذه تجارة سرية بينهم وبين عصابات في دول أخرى”.
أسماء وصور أخوة داود على لائحة طويلة من الأطفال المفقودين الذين يسعى الوسيط الأيزيدي حسن سليمان إسماعيل لوكو للتفاوض على إعادتهم.
ويقول حسن وهو يرينا صور الأطفال الأيزيدين المفقودين لـ”الحرة تتحرى” إن “العوائل الأيزيدية يتصلون بي وينطوني تصاوير (صور) مثل هدول، ويسألوني عن مكان تواجد أطفالهم، فأسأل الجماعة وأرسل لهم الصور وأساميهم حتى يعرفون شيئا عن أولادهم وإن كانوا موجودين أو لا”.
صارت أصعب
ومنذ هجوم داعش على سنجار انطلقت عمليات إنقاذ فردية لأيزيديين من براثن التنظيم.
وكان عبد الله شريم من أول من قام بذلك، مستفيدا من معرفته بجغرافية المنطقة وعلاقاته على الأرض لتنفيذ عمليات الإنقاذ.
كان أمل عبدالله بأن يتوقف عن الإنقاذ بعد انتهاء داعش ولكنه فوجئ بعمل مكثف وأكثر صعوبة من ذي قبل.
يقول عبدالله لـ”الحرة تتحرى”: “بعكس ما افتكر العالم وكل الناس إنو بعد خلاص داعش انتهى معاناة الأيزيديين والأسيرات والأطفال، العملية صارت أصعب”.
يضيف “بوقت داعش كنا نعرف البقعة الي موجود عليها داعش ومناطق توزع عائلاتنا، أما بعد داعش فتوزعت العائلات وأطفالنا بين المدن العراقية والمخيمات وحتى تركيا وإدلب”.
وأرسل عبدالله فيديو خاص بشقيق سعاد ويدعى هافال إلى شيرين، وقال إنه معروض للبيع بـ15 ألف دولار، “وعندما قلت لهم إن هذا المبلغ يفوق إمكانياتي المادية طلبوا 500 دولار مقابل إرسال صورة وفيديو، ثم انقطعت الأخبار عن هافال”.
المفاجأة الأجمل
خلال إعداد هذه الحلقة حدثت المفاجأة الأجمل، حيث زفت لنا شيرين خبر عثور البيت الأيزيدي على هافال في أحد دورياته في مخيم الهول.
ويعتقد الأيزيديون بأن عدداً كبيراً من أطفالهم المخطوفين لازال بقبضة العوائل الداعشية التي قطنت المخيمات السورية بعد انتهاء داعش.
وكانت مهمة البيت الأيزيدي هناك هي البحث عنهم بين العائلات.
ويقول أديب مصطفى المتطوع في البيت الأيزيدي “كنا في المخيم، رأيت الولد، اسمه أنس وكان يبيع آيس كريم، لكنهم أوقفوه عن العمل لأنهم شكوا أنه قد يتم التوصل إليه، كان خائفا من هؤلاء الذين كانوا يستعبدونه، لكن عندما وقفنا معه بعيدا عن الأعين فورا اعترف بأن اسمه الحقيقي هفان وأنه أيزيدي وصار له عددا من السنوات وهو يعمل لديهم بائعا للبوظة”.
تجارة الأعضاء
اعتاد مكتب إعادة المختطفين على مساعدة العائلات الأيزيدية في دفع فدية مختطفيها.
ولكن مع ازدياد رقعة المتاجرة قرر البيت الأيزيدي في سوريا منع أي عمليات شراء من هذه العصابات.
ولكن ربما يكون هذا القرار هو من فتح باب بيع الأطفال لأطراف خارجية مهتمة بشراء الأعضاء البشرية.
الروايات المتداولة بين الأيزيديين عن بيع الأطفال لعصابات تعمل بالتجارة بالأعضاء البشرية لاتزال محل استقصاء ولكن الأدلة باتت أكثر وضوحاً.
يقول أديب لـ”الحرة تتحرى”: “كان من قبل تجينا اتصالات يتفاوضون معانا على أسعار البيع معنا، هلأ حاليا وقف هاد الشي لأن الوضع صار استفادة أكثر، حيث صاروا يبيعونهم لتجار أعضاء بشرية كقطع مثل السيارة”.
يعلمون في الظلام
مأساة الاتجار بالأعضاء البشرية عادة ما تبدأ من مخيم الهول الذي يضم حاليا ما يزيد عن 70 ألف عائلة نازحة من مناطق كانت تحت سيطرة داعش.
وتدور الشكوك بأنه يتم عمليات بيع وتهريب النازحين من داخل هذا المخيم لشبكات تعمل في الظلام.
ويقول الوسيط الإيزيدي حسن “التهريب يتم من مخيم الهول ومخيم السد على إدلب، يهربون الدواعش والعوائل على إدلب”.
ويضيف أديب مصطفى من البيت الأيزيدي “هدفهم أن يصل الأطفال لتجار الأعضاء البشرية في تركيا خاصة، التوصيل من دير الزور لمنبج بس 3500 دولار”.
لا يختلف الحال في العراق عما هو في سوريا، فالأطفال الأيزيديون وجدوا أيضاً في بعض المدن العراقية لدى عوائل عربية أو لدى دور الأيتام، ثم اختفوا للأبد.
اختفاء الطفل الايزيدي، صبر، بعدما تم تسليمه لإحدى دور الأيتام في بغداد كان ما دفع الناشطة البريطانية سالي بيكر لدق ناقوس الخطر.
وتقول بيكر لـ”الحرة تتحرى”: “لاحقا تم العثور على صبر في الموصل، وكان واحدا من بين 15 طفلا استخدمهم داعش كدروع بشرية، وتم أخذهم إلى حمام العليل في نينوى، قام الناس بنشر صورهم وفيديوهاتهم عبر الإنترنت على أمل أن يتعرف عليهم عائلاتهم، وبعضهم توصلوا إلى أطفالهم من خلال الصور، لكن عائلة صبر لم تر المنشور، وبعد أيام قليلة اختفى صبر ولم يره أحد منذ ذلك الحين”.
تتخوف سالي من أن يكون صبر ضحية لعملية اتجار بالبشر كما كانت أخته التي “وجدت في مشفى في تركيا، حيث كان تجار الأعضاء البشرية على وشك استئصال كليتها، ولحسن الحظ، أدرك الطبيب ما يجري واتصل بالشرطة وتم إنقاذها قبل فوات الأوان”، بحسب بيكر.
“الحكومة لم تتحرك”
رغم انطلاق الأصوات المطالبة بالتحرك لإيجاد المفقودين الأيزيديين، لم يتم بعد أي تحرك رسمي للبحث عن هؤلاء الأطفال.
وتقول فيان دخيل عضوة سابقة في مجلس النواب العراقي لـ”الحرة تتحرى” إنها دعت الحكومة الاتحادية إلى أن تكون أكثر جدية في هذا الملف، “لكن للأسف لم تقم الدولة باي خطوه بهذا الاتجاه، يتحدثون عن مأساة الأيزيديين وما حدث لهم أما في أرض الواقع لا نجد شيئا”.