في البداية نُذَكر أننا لم نفوت أي فرصة سانحة إلا وناقشنا بقاء الإرهاب من عدمه بعدما أعلنت الحكومة العراقية عن هزيمة داعش العسكرية وتحرير الموصل والعديد من المناطق التي احتلها بسبب تهاون سياسة وعجرفة رئيس الوزراء الأسبق، وأكدنا بصريح العبارة أن القضاء على داعش لا يعني هزيمته عسكرياً وعدم وجوده في العراق لان الإرهاب أصبح شاملاً حتى في دول الجوار، ونوهنا أن الطريق الوحيد للانتصار يعتمد طرقاً عديدة منها إصلاح حكومي شامل مع العمل على اجتثاث الفكر الإرهابي والعنفي وهذان المسلمتان لهما شروطاً عملية وعلمية .
ـــــ الإصلاح الحكومي أول ما يتطلب التخلص من المحاصصة الطائفية والتوجه الجاد لمحاربة الفساد وفرض القانون ثم العمل على إصلاح القطاعين الصناعي والزراعي لإيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل وبخاصة الشباب والنساء، ومن اجل استتباب الأمن من الضروري التخلص من السلاح المنتشر في يد الميليشيات الطائفية المسلحة لأنها تشكل جزء لا يتجزأ من الإرهاب بشكل عام
ــــ اجتثاث الفكر الظلامي الإرهابي بشقيه السلفي و الأصولي يتطلب وضع برامج تربوية تعتمد على الأسس الوطنية والفكر الإنساني واعتماد الإنسان في عملية البناء والتعمير.
إن الإرهاب بكل أصنافه وألوانه ينمو ويترعرع في ظروف تكاد أن تكون مشابهة في الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان في العيش والحرية والديمقراطية، إن ألد أعداء الإرهاب والقوى الظلامية هو الفكر التقدمي التنويري والقوى الوطنية الديمقراطية والحريات العامة والشخصية ، حرية التنظيم والرأي والمعتقد والانتماء، ولهذا يلتقي الإرهاب على نهج الفكر الظلامي المعادي للقيم التقدمية الإنسانية مع القوى والميليشيات الطائفية والقومية المتطرفة ذات الأفق الضيق والأخيرة تعتبر نفسها حاملة سيف العنف القومي العنصري تحت طائلة من الأفكار والتوجهات الشوفينية
لقد عانى العراق حقباً غير قليلة من إرهاب الدولة ومؤسساتها الأمنية منذ العهد الملكي وانقلاب 8 شباط الدموي 1963 ثم طوال ( 35 ) من الحكم الثاني للبعث بقيادة صدام حسين بعد انقلاب 1968 وهذا الإرهاب تنوعت طرقه وأساليبه فكان، نعم ( 35 ) من الدكتاتورية والإرهاب والحروب والكيماوي والأنفال والسجون والمعتقلات والإعدامات والاغتيالات لإخضاع أكثرية الشعب واعتباره قطيعاً من الغنم الجاهزة للقتل والدمار.
1 ــ إرهاب فكري، بث الإشاعات، التهديدات، والملاحقات، المراقبات لطرق حياة العائلة وعلاقاتها ومستواها المعيشي وانتماءات أفرادها وملاحقتهم في أماكن سكناهم وعملهم.
2 ــ إرهاب جسدي، الاعتقالات التعذيب والسجن لفترات قصيرة وطويلة والمحاكمات الصورية والإعدامات والاغتيالات …الخ
3 ــ إرهاب معيشي اقتصادي، منع العمل والمحاربة في الرزق والمعيشة أو التعاون بالتهديد والوعيد أو تقديم المغريات للعمل تحت ظل السلطة وأجهزتها الأمنية
4 ــ إرهاب جماعي لخلق حالة من الرعب والخوف والشك وعدم الثقة في مجالات العمل والسكن ومن خلال العلاقات العامة وحتى العائلية منها .
بمجرد سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 تنفس أول وهلة الكثير من الذين اكتووا بنار الدكتاتورية والإرهاب والتعسف والملاحقات و راحوا يتطلعون إلى وضع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي أفضل، لكن سرعان ما انطفأ هذا البصيص من الأمل بإعلان احتلال العراق بعدما كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت التحرير والتخلص من الأسلحة المحرمة دولياً وإسقاط النظام الدكتاتوري لتحقيق الحريات والديمقراطية، ثم سرعان ما وضحت الأمور أكثر بتعيين حاكم أمريكي مدني ” بريمر ” من قبل قوات الاحتلال والإدارة الأمريكية، ثم مجلس حكم انشأ على أساس محاصصة طائفية وقومية ضيقة، وهنا تحركت قوى الإرهاب متمثلة حينذاك بفلول حزب البعث والنظام بجانب منظمة القاعدة الإرهابية ، فلول النظام سرعان ما قامت بتأسيس منظمات مسلحة بأسماء مختلفة بحجة محاربة الاحتلال بينما نلاحظ في الجانب الثاني قدوم ميليشيات تأسست في إيران أعقبتها قيام ميليشيات طائفية مسلحة هدفها الرئيسي تدمير النسيج الاجتماعي وتبني التصفيات والاغتيالات إضافة إلى شعارها الديماغوغي محاربة الاحتلال وإخراجه من البلاد ( للعلم أن الاحتلال ساهم في تسليم السلطة لهم ).
إن الحديث عن الجيل الثالث لداعش الذي جاء على ألسنة العديد من المسؤولين وعلى رأسهم أياد علاوي صحيح كل الصحة لان التحركات المشبوهة والنشاطات التي تتبع في العمل الإعلامي والتنظيمي والحربي تدل على التكتيك الذي اتبع من قبل قيادة داعش خطط له حتى قبل هزيمة التنظيم عسكرياً بالاعتماد على تشكيل خلايا نائمة تنتظر الأوامر في الوقت والساعة المحددة وقد جرت تغييرات كبيرة على قوام التنظيم ووضع قيادات من الكوادر غير المعروفة إعلاميا على راس التشكيلات ووفق خطوط تنظيمية منفصلة وتعمل بالآليات جديدة من حيث التعاون والتنسيق، ولاحظنا خلال الفترات اللاحقة تحركات ونشاطات ملموسة تراوحت بين المواجهات المسلحة والاغتيالات والعبوات الناسفة والنشاط الإعلامي للوصل لتحقيق هدف يكون حاسماً في العودة القوية مثل السابق، ( مع اعتقادنا أن التنظيم الإرهابي داعش لن يعود بالزخم والسيطرة نفسها لكن الأعمال الإجرامية الأخيرة المتفرقة في العاصمة وامتدت إلى مناطق واسعة ) ، هذا الشكل من الإرهاب يكمله الشق الثاني الموجود في جوهر الميليشيات الطائفية المسلحة التي تستغل العلنية في ” الحشد الشعبي ” وهي تمارس دور الإرهاب والعنف بشكل رسمي وأحياناً سري وهو حافز للقوى الإرهابية للعودة والعمل بالسرعة الممكنة، ومن هنا تكمن خطورة الإرهاب بشقيه السلفي والأصولي مهما ادعت الميلشيات الطائفية من ادعاءات بخصوص العميلة السياسية، وبمجرد الإطلاع على التصريحات والتهديدات والأعمال العنفية المسلحة نؤمن أن الطابع الفعلي لهذه الميليشيات لا يختلق عن توجهات الإرهاب بشكل عام، والاختلاف الوحيد هو بالأسماء دون الأهداف التي تعتمد الأعمال الإرهابية التي تكلف بها وتمارسها على الواقع وتعتمد التصفيات وإلغاء الآخر، ولهذا نجد الجيل الثالث ليس محصوراً بداعش فحسب لكنه موجود في التنظيمات المسلحة الأخرى وهي عودة لا بد منها وإحدى أسبابها الرئيسية عدم الالتزام بفتوى المرجعية حول “الدفاع الكفائي” حيث جاء على لسان السيد أحمد الصافي ممثل المرجع الشيعي الأعلى في العراق في بيان المرجعية العليا ونشرته أكثرية وسائل الإعلام “في مثل هذه الأيام قبل خمس سنوات انطلق من هذه المدينة نداء المرجعية الشيعية العليا بفتواها الشهيرة بوجوب الدفاع الكفائي لكل القادرين على حمل السلاح وضرورة الانخراط في القوات الأمنية ” وبدلاً من ذلك قام البعض من استغلال الفتوى بشكل مقلوب وأسس على ضوء ذلك الحشد الشعبي من تنظيمات وميليشيات من مكون واحد تقريباً، أما لبعض التفجيرات والأعمال الإجرامية الأخيرة نفت مصادر عديدة كون الهجمات الإرهابية من قبل داعش وأشير في هذا الصدد في تقرير خصص لهذا الموضوع أن “التحقيقات أشارت إلى استخدام سيارات حكومية في تلك الهجمات، تمكنت من اجتياز نقاط التفتيش وحواجز الجيش العسكرية والوصول إلى تلك المناطق واستهداف مواطنين فيها” مما يؤكد صحة المعلومة التي انتشرت بان هناك تنظيمات لميليشيات طائفية مسلحة خلف هذه الهجمات التي كانت بحوالي ( 42 ) عملية بين إطلاق الرصاص والعبوات الناسفة وإطلاق قذائف الهاون على المناطق السكنية والقرى، ثم ممارسة الاغتيالات المباشرة وقيادة عمليات التهريب وتكاد أن تكون نصيب ديالى حصة الأسد من هذه الهجمات والتفجيرات والمصادمات المسلحة، وهذا ما أشار له هادي العامري في مؤتمره الصحافي في مدينة بعقوبة الأحد 9/8/2019 حيث لم يتهم داعش مباشرة بل كان اعترافاً باتهام تورط تنظيمات طائفية مسلحة وأوضحَ ضمن العديد من التوضيحات أننا “نخشى من بعض الجهلاء وأمراء الحرب أنهم يريدون إعادتنا إلى الطائفية مرة أخرى” وتأكيداته العديدة حول رفض الطائفية!! ” حسب أجوبته ” وتوجساته من ردات الفعل بتنوع التفجيرات بين المناطق الشيعية أو السنية وهي عبارات مؤلمة عن ما جرى للعراق ومحافظاته ومدنه من تقسيمات طائفية حتى في السكن، وأشار هادي العامري “لم أدعم أي إنسان متهم بالطائفية، ويجب أن توجه كل جهودنا باتجاه محاربة الإرهاب، ويجب اعتقال كل من يحاول إعادتنا للمربع الأول!!”، إلى جانب ذلك لم تهدأ جبهة داعش الإرهاب من الإعمال الإرهابية وبنوعية جديدة ومناطق متفرقة من البلاد.
إن الجيل الثالث الذي اخذ بالتحرك يتحين الفرصة تلو الفرصة ويقوم بنشاطات متفرقة وصولاً لاستكمال المهمات التي تجعله أكثر قوة وهيمنة والذي يعتمد الإرهاب والعنف حقيقة وليس من استنباطات الخيال كما يحاول البعض الهروب من الحقيقة والسبب يعود حصراً بسبب السياسة الخاطئة وغير المستقرة من قبل الحكومات المتعاقبة ودور الفساد في العملية السياسية وعدم المباشرة في معالجة مخلفات الحرب على داعش وبخاصة المدن والمناطق المدمرة وعدم إعادة النازحين وتعويضهم للمباشرة في دورة الحياة الاعتيادية ، وتبقى المسألة مرتبطة بمدى جدية الحكومة في الإصلاح والتغيير والتوجه لبناء المناطق المحررة وإنهاء المحاصصة التي خربت العراق.