أنا الآن أمام منجز علمي أقل ما يقال عنه: أنه رائع. منجز علمي يعمل بمنهجية جديدة لم أجد له إسماً بعد. منجز يحمل رسالة إنسانية واضحة وصريحة للعرب والمسلمين عموماً، والعراقيين خصوصاً. تتجلى هذه الرسالة من كلمات الإهداء البسيطة التي تسطرها الدكتوره خالدة حاتم بالقول:
” أن نبكي مظلومية الآخر…شريكنا في الوطن
تلك هي قضيتنا…
فإلى…
كل قطرة دم إيزيدية نزفت ظلماً..
نبض كل قلب ايزيدي بكى وجع الفراق…
دمعة كل إمرأة ايزيدية عاشت عنف هويتها المركبة..”
إذن القضية الايزيدية أولاً وقبل كل شئ هي قضية عراقية تقع فهمها ومعالجتها من قبل المثقفين العراقيين قبل بقية شرائح المجتمع كافة.
ينطلق بحث الدكتوره خالدة حاتم علوان من محورين رئيسيين هما: تفكيك الصورة النمطية عن الديانة الايزيدية التي مثلث متخيلاً جماعياً مخفياً لدى المجتمع العراقي، والتأسيس لأدب القضية الأيزيدية كما تكتب الباحثة الفاضلة في خاتمة كتابها. ويأتي ذلك من خلال إستنباط المعاني التي تمثلها العديد من النصوص التي تناولتها روايات ما بعد إبادة أيزيدية سنجار على أيدي عصابات تنظيم الدولة الإسلامية المسمى إختصاراً (داعش).(3/آب/ 2014)، أو قبلها، والتي تحمل بين المحكي الفني والحوارات الإفتراضية، فقد إرتأت الباحثة القديرة بشكل رائع من تقديم نتائج موجزة مع المعانى المستنبطة، أي الاستنتاجات، وتمكنت بجدارة من تقديم الصورة الحقيقية عن الديانة الايزيدية كرسالة ردّ إعتبار لهم في رفع الغبن التأريخي، ونفض غبار التشويه المتعمد عن عقيدتهم.
نعم إهداء الدكتوره خالدة حاتم الدليمي، المشار اليه أعلاه، في كتابها الموسوم: أدب الأقليات العراقية/دراسة في تفكيك الصورة النمطية عن الايزيديين، تختزل وظيفة وغاية مؤلفها من خلال الصورة النمطية المشوة عن الايزيديين وديانتهم عبر القرون. تحاول الباحثة الدكتوره خالدة الدليمي من إعادة قراءة التأريخ والتعريف بالديانة الايزيدية فكراً وعقيدة وممارسة وتأريخاً وجغرافيةً..الخ. لبناء أسس ثقافة جديدة، وإزاحة ذلك الغطاء المشوه الذي كرسه بعض الكُتاب المؤدلجين بثقافة دينية أو قومية. كما تحاول الدكتوره تشخيص الأسباب لكي يقف عليه المجتمع العراق، أو النخب الفاعلة والمؤثرة في كافة المجالات، بغرض العمل على حلها ومنع تكرارها مستقبلاً.
علينا التوقف عند جدلية الصراع والخلل القائم بين الثقافة والدين في المجتمعات الشرق الأوسطية، حيث سيادة وإحتكار الدين الاسلامي لمعظم المرافق الحياتية، والصراع بين الثقافة الحديثة والتقليدية، إذن نحن بحاجة إلى تجديد الدين. ذلك الدين، كل دين، الذي يفترض به أنه جاء ليسمو بالإنسان، ويحفظ كرامته، ويقرب البشر بعضهم من البعض…فإن كل ذلك لا يتم إلاّ بمحاربة الجهل بكافة أشكاله، ومحاربة الاستبداد والظلم، وإزالة الخوف والخجل باعتبارهما من الصفات الذليلة، وكونهما عبيداً للتقاليد البالية خوفاً من التغيير.
الثقافة هي الضامن الرئيسي والوحيد لتحضر الأمم، وهو العامل الوحيد الذي يستطيع تحرير الإنسان. وما نحن بحاجة اليه هو التنوع الثقافي وليست سيادة ثقافة واحدة، ونحن بحاجة إلى خلق مساحات للحوار، لأن الجهل بالآخر وبديانته وعقائده هو سبب الإختلاف، لأن ذلك خلق ويخلق تصورات ذهنية غير صحيحة عند الآخر منذ زمن بعيد لم يحاول أحد تصحيحها من قبل المسلمين. هذه التصورات الذهنية الخاطئة تتحول إلى حرب ثقافية، وتلك الحرب تتحول في مراحل أعلى إلى حرب عسكرية!. جميع الإبادات ضد الايزيدية، وآخرها الحرب العسكرية (الإبادة) لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابية عليهم، هي خميرة فتاوى بعض شيوخ السلفية بدءاً من ابن تيمية وانتهاءً بابن سعود العمادي والملا خطي!.
إذن إعادة خلق ثقافة عصرية تواكب التطورات على كافة الأصعدة، وتلبي مطاليب الانسان، زائداً دولة قوية تراعي المساواة وحقوق المواطنة ، وتطلق الحريات وتؤمن بالمبادئ الديمقراطية، ويبقى الدين يمارس دوره الروحي في المساجد والكنائس والمعابد بعيداً عن السياسة ومؤسسات الدولة.
هكذا قرأت البحث/الرسالة الانسانية للدكتوره الفاضلة خالدة حاتم علوان الدليمي. وهي بالتأكيد إضافة نوعية في حقل الدراسات العلمية تملأ حيزاً كبيراً داخل المكتبة العربية الإسلامية، وإضافة ثقافية لتنوير المجتمع ومن أجل المصالحة مع الذات ومع الآخر المختلف، وبناء السلم المجتمعي….أتمنى كل الصحة والعافية للدكتوره خالدة وإلى المزيد من النجاحات العلمية الرصينة.
(* الكتاب تحت الطبع وسيصدر قريباً)
خليل جندي
مانيلا في 13/6/2019