وعن هذا ايضا يقول جلال الطالباني..
( الحقيقة اننا نتحمل مسؤولية ما وقع بيننا وبين عبدالكريم قاسم، وأنا أتحمل مسؤولية شخصية في هذا الموضوع لأنني كنت امثل الجانب المتشدد وترافق هذا مع تحرك الآغوات والعشائر الكردية وكل الذين تضرروا من جراء تطبيق قانون الاصلاح الزراعي، إذ عقدوا تحالفات ولقاءات فيما بينهم، وعرفنا انهم قرروا الاتصال بشاه إيران، وكانت علاقته متوترة مع عبدالكريم قاسم بسبب الخلاف على شط العرب ) مجلة الوسط العدد357 في 30/11/1998
وعموماً كانت الفجوة تكبر ايضا بين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني والملا مصطفى البارزاني.. بسبب الرؤية المختلفة والمنشأ العشائري للبارزاني ونظرته للحزب كتابع لثورة التي يتزعمها ويقودها من منطلق رئيس عشيرة..
وبين رؤية اعضاء المكتب السياسي.. الذين يسعون لفرض القيادة الحزبية والتنظيم واخضاع الثورة لقيادة الحزب.. واستمرت التجاذبات بين الطرفين .. لغاية ما قبل انقلاب شباط حيث سرت في كيان الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال قيادته القناعة بعدم قدرة عبدالكريم قاسم على البقاء في السلطة.. وان الحكم سينتزع منه بحكم قوة معارضيه ومن يساندهم ويدعمهم في مصر وبقية البلدان العربية .. والضغوط التي تمارس عليه من قبل شركات النفط والدول الغربية .. التي تدخلت بشكل واضح لصالح المعارضين له ولسلطته .. لذلك بدأ اعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.. بالتنسيق مع القوى القومية.. وحصل لقاء بين ابراهيم احمد وتحالف القوميين المناوئ لعبدالكريم قاسم.. من خلال ممثلهم طاهر يحي التكريتي.. الذي اصبح المدير العام للشرطة بعد ثورة تموز.. واصبح كريم قرني مقدم الاستخبارات العسكرية.. من السليمانية صلة الوصل بين الجانبين ..
وهناك رسالة بتاريخ 18 نيسان 1962 من ابراهيم احمد.. موجهة الى طاهر يحي.. تؤكد على التنسيق بين الطرفين.. وتضمنت مقترحات بتعيين الملا مصطفى البارزاني حاكماً او رئيس وزراء كردستان العراق.. ومنحه حق تشكيل حكومة ذات حكم ذاتي.. لتكون هذه ضماناً لتطبيق المادة الثالثة من الدستور العراقي .. من الذين سيعقبون قاسم في الحكم.. واعتبرت الرسالة.. هذه الشروط المقدمة والاساس لبدء مفاوضات لاحقة ..
وهذا ما اكده جلال طالباني ايضا وفقا لما نشر في العدد358 من مجلة الوسط بتاريخ 7/12/ 1998 عن صلة الوصل بين الطرفين من خلال المقدم قرني عن وجود .. ( حركة تجمع القوميين والبعثيين غايتها الاطاحة بعبدالكريم قاسم .. واتفاقهم معهم وتقديم المزيد من الشروط عبر ابراهيم احمد تشمل .. الاعتراف بالحكم الذاتي وتعيين البارزاني حاكماً عسكرياً في كردستان واشراك الاكراد بأربع حقائب وزارية في الحكومة الجديدة.. وحصولهم على جواب من خلال طاهر يحي بالإيجاب ) ..
الى جانب هذه العلاقة.. من خلال هذه الصلة.. ارسل المكتب السياسي للبارتي سراً.. صالح اليوسفي وشوكت عقراوي للاتصال بالقوى السياسية المناهضة لعبدالكريم وسلطته.. وتمكنا من عقد لقاء مع قادة حزب الاستقلال.. وايضا تم بمساعدة من العميد المتقاعد فؤاد عارف.. عقد لقاء بين وفد الحزب المكون من صالح اليوسفي وعلي السنجاري.. مع علي صالح السعدي في كانون الثاني السابق للانقلاب شباط 1963 بعدة ايام فقط ..
وحسب مصادر مطلعة في الحزب الديمقراطي الكردستاني ان اللقاء اسفر عن شبه اتفاق على حل القضية الكردية وهذا ما اكده شبلي العيسمي ايضا.. والذي تضمن اعلان قيادة الثورة الكردية الهدنة مع النظام الجديد.. والمشاركة في الحكم.. وضمان دور الكرد في منع اية قوات عسكرية لمقاومة الحركة المرتقبة في بغداد.. وفقاً لما نشر في العدد 869 من صحيفة خبات بتاريخ 3/4/ 1998 ..
وبدوره اكد البارزاني في منشور له بعنوان.. ( لكي لا تبقى الحقائق مكتومة عن الشعب الكردي) عبر حديث صحفي مع مراسلين اجانب.. التقاهم بعد الانقلاب.. في مقره بكردستان.. مشيراً الى الاتصالات السرية التي جرت بين الطرفين.. ( لقد اعطانا البعث وعدا بالاعتراف بالحكم الذاتي، إلا انه لم يكن وعدا خطياً ولم يسطر على الورق ولم يوقع ).. وهذا سهل للانقلابين من التنصل وانكار وجود اي اتفاق او تعهدات بهذا الشأن ..
بالرغم من وجود صالح اليوسفي في بغداد.. وايصال رسالة تهنئة باسم البارتي الى ما سمي بالمجلس الوطني لقيادة الثورة.. الذي تسلم السلطة.. واعقبها زيارة صالح اليوسفي وشوكت عقراوي وفؤاد العرف لدار الاذاعة في الصالحية للتهنئة بنجاح الانقلاب..
من الجدير بالذكر.. ان عبدالكريم قاسم.. كان قد بادر لإعلان الهدنة في كردستان.. وايقاف العمليات العسكرية من كانون الثاني 1063.. ولم يكن لقادة الانقلاب الا الالتزام بالقرار.. لكنهم عقدوا اجتماعاً عسكرياً خاصاً للوضع في كردستان بتاريخ 14/2/1963 .. اشترك فيه.. اللواء أحمد حسن البكر رئيس مجلس الوزراء.. والفريق صالح مهدي عماش وزير الدفاع.. والعميد الركن ابراهيم فيصل الانصاري قائد الفرقة الثانية.. والعميد الركن عبدالكريم فرحان قائد الفرقة الاولى.. و ضابط من مديرية الحركات العسكرية لتلخيص الموقف العسكري والامني.. من خلال خريطة كبيرة و مؤشرة.. واتضح لهم ان النشاط الثوري قد توقف بعد الاطاحة بعبدالكريم قاسم.. فقرروا استغلال الموقف والاعلان عن مفاوضات ..
وبعد 5 أيام وصل بغداد في 19 شباط .. وفد يمثل قيادة الثورة الكردية ضم كل من جلال الطالباني وصالح اليوسفي ولقمان البارزاني.. الذي كان متواجداً في بغداد بعد اطلاق سراحه من السجن.. وكان رئيس اركان الجيش طاهر يحي.. اول من زارهم في الفندق.. وفي اليوم التالي زار الطالباني رئيس الجمهورية عبدالسلام عارف.. ورئيس الوزراء احمد حسن البكر.. وكان انطباع الوفد ايجابياً من هذه الزيارات ..
وفي اللقاء مع قيادة حزب البعث.. بحضور علي صالح السعدي.. الامين القطري للحزب.. نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية.. والفريق صالح مهدي عماش وزير الدفاع.. وطالب شبيب وزير الخارجية وحازم جواد عضو القيادة القطرية وزير الدولة.. طرح الوفد الكردي وفقاً لما قاله الطالباني.. مبدأ الحكم الذاتي كحل للقضية الكردية .. وهو ما اكده طالب شبيب.. حينما اكد.. الاتفاق على اعلان نظام لامركزي..
زار بعدها جلال الطالباني .. من خلال مرافقته لوفد رسمي متجه للقاهرة.. بمناسبة احتفالات ذكرى اعلان الجمهورية العربية المتحدة في 26 شباط 1963 ..ترأسه علي صالح السعدي وعضوية كل من عماش وطالب شبيب.. و الحق بهم وفد شعبي.. ضم الطالباني والوزير فؤاد عارف مع شخصيات اخرى.. بينهم خيرالدين حسيب.. وصديق شنشل من حزب الاستقلال .. واديب الجادر نقيب المهندسين وآخرين ..
وفي القاهرة جرى ترتيب لقاء مع عبدالناصر لجلال الطالباني وفؤاد عارف.. وقد اوصى عبدالناصر القدة البعثيين بان يعالجوا المشاكل مع البارزاني بنفس طويل.. وكتب الى نائبه المشير عبدالحكيم عامر رسالة ورد فيها.. ( قال لي الأكراد بعد ان قابلتهم .. انهم لا يثقون في أي وعد من الحكومة الا اذا ضمنت شخصيا تطبيق الوعود، وهم يطالبون بالحكم الذاتي، وقد اوقفوا القتال بعد قيام الثورة، وكان لهم اتصال مع رجال الثورة قبل قيامها، اخذوا وعداً والملاحظ ان الحكومة تتهرب ).. وفقاً لما ورد في ص 251 من كتاب علي كريم سعد ( عراق 8 شباط 1963 – من حوار المفاهيم الى حوار الدم: مراجعات في ذاكرة طالب شبيب(..
وعند عودة الوفد من زيارة الجزائر التقى عبدالناصر بجلال وفؤاد عارف وابلغهم موافقته على الحكم الذاتي ضمن العراق الموحد وحملهم عدة وصايا وتحذيره من شاه ايران ومسعاه لاستغلال القضية الكردية من اجل مطامعه ومصالحه الخاصة واحتمالات استغناؤه عنهم عندما تقتضي مصالحه ..
وقد التقى الوفد الكردي حال عودته من القاهرة احمد حسن البكر.. وابلغه الطالباني بموقف عبدالناصر ووصاياه.. لكنه يقول عن ردة فعل احمد حسن البكر.. بعد تلعثمه تفوه بكلمات نابية وغير لائقة عن عبدالناصر ..
وللتاريخ كان عبدالناصر اول من بارك اعلان اتفاق 11 آذار عام 1970.. رغم الخلافات الكبيرة بين نظام البعث آنذاك وعبد الناصر.. الذي كان قد تعرض لهجوم اعلامي وحملة شتائم بتوجيه من قيادة البعث ..
في بغداد تتابعت اللقاءات بين الوفد الكردي برئاسة الطالباني.. و وفد حكومة الانقلاب برئاسة حازم جواد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية.. والامين القطري الجديد لحزب البعث.. بعد ان تخلى علي صالح السعدي عن منصبه الى حازم جواد.. في تلك الفترة الذي اعطى انطباعاً ملفتاً عن موقفه وهو يسرد امنيته في تحقيق المصير للشعب الكردي.. متمنياً ان تتشكل جمهورية كردستان الاشتراكية..
وفي اليوم التالي اجتمعنا كوفد ضم محمد سعيد الخفاف وبابا علي وفؤاد عارف وصالح اليوسفي بصالح مهدي عماش.. الذي وافق على صيغة الحكم الذاتي وابدى استعداده لمنحهم تعهداً بذلك وطلب منا اعداد صيغة للحكم الذاتي.. واعطائهم فرصة اربعة اشهر قادمة.. وعاد الوفد الى كردستان بتاريخ 1/3/1963 بطلب من البارزاني.. الذي كان متواجدا في مقر (كاني ماران) في حوض بتوين .
ــــــــــــــــــــ