المعارضة بشكل عام هي الفطرة الأنسانية التي تجسدها صراع الأضداد في السلوك والظواهر الأنسانية المختلفة, السياسية منها والاجتماعية العامة وطبعا البيولوجية التي تكمن فيها اسرار سنة التطور والارتقاء في النوع البشري والانساني بشكل خاص, فالمعارضة تنشأ في رحم المكونات الاولى الجنينية سواء في المادة الجامدة أم الحية, ولعل في مخاض ولادة الطفل من رحم أمه تشكل جزء من ملامح تلك الظاهرة الغريزية, التي تجسدها محاولات الطفل الوليد في الخروج الى عالمه الجديد وبين آلية الاحتفاظ به في الأرحام, ولكن الجديد بمواصفات تقدمية يفرض نفسه وينطلق الى رحاب عالمه الأوسع.
في السياسة وحيث المعارضة السياسية تشكل ركنا جوهريا في أي نظام نظام سياسي إن كان مستبدا دكتاتوريا قمعيا أم نظام ديمقراطيا تعدديا, ففي النموذج الآول يكون دور المعارضة السياسية الأساسي هو لأسقاط النظام بعد ان تستنفذ مقومات وجوده وصلاحيته للبقاء خارج اطار الأصلاحات الممكنة التي تنقله نقلة جذرية صووب الأفضل, أما في النموذج الثاني حيث المعارضة السياسية الديمقراطية التي تستهدف اصلاح النظام الديمقراطي القائم بوسائل سلمية متاحة عبر موازين القوى السياسية واعادة تشكيلها في مؤسسات الدولة وخاصة البرلمانية منها وعبر استخدام الجماهير والشارع للضغط على الحكومة في الأستجابة للمطاليب الشرعية, في تحسين ظروف العيش والارتقاء بمستويات االحياة نحو الأفضل استنادا الى المعايير الدولية في حدودها المعقولة والدول المرجعية في التقدم والرقي الاجتماعي وفي الاستناد ايضا الى الامكانيات والموارد التي يمتلكها البلد.
في العراق وما بعد عام 2003 أي بعد سقوط الدكتاتورية بآلية الأحتلال الأمريكي حيث أسس نظاما سياسيا قائم على المحاصصة الطائفية السياسية والأثنية العرقية أخل بأنتاج نظام سياسي قائم على اساس الحكم والمعارضة ورفع شعار ” الجميع يحكم ” ويتقاسم كعكة المحاصصة أو العراق الغنيمة, وهكذا نشأ نظام سياسي شاذ عن اصول اللعبة الديمقراطية يتقاسم مغانم السلطة ويعيد انتاج نفسه عبر انتخابات برلمانية طال الشك بمصداقيتها في كل الدورات الأنتخابية وتوجتها سوءا وعدم شرعية الأنتخابات البرلمانية الأخيرة من ضعف المشاركة في الأنتخابات الى التزوير وحرق صناديق الأقتراع.
جميع القوى السياسية العراقية وخاصة الأسلاموية والأثنية منها الغير مؤمنة بالديمقراطية اصلا والتي وجدت في تلك البيئة السياسية المريضة ملاذا لأعادة انتاج نفسها عبر الترهيب والترغيب والتحايل, هذه القوى مجتمعة وجدت نفسها في سلة الحكم والمغريات السلطوية وتقاسم النفوذ, اما معارضتها المفتعلة فهي جزء من اساليبها لأمتصاص نقمة الشارع الغاضب وغير المتسامح مع الفساد مستندة تلك القوى الى جمهور قطيعي غير معارض بالمعنى السياسي وممتثل لأوامر مرجعيته, فتراه مرة ممتعض منتفض وتارة أخرى خانع مستكن ينتظر نتائج الصفقات الطائفية والأثنية لكي يتلقى الأشارة بالهدوء المؤقت بأنتطار الحصول على المزيد من الغنائم وليست الحقوق المشروعة.
في النظم الديقراطية الحقة المعارضة مثلها مثل الحكومة فهما وجهان لعلمة واحدة تجسدها الديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة وهي حكومة الظل المرتقبة عند تراكم اخطاء الحكومة, فالمعارضة هي ملجأ المواطن الآمن عند الاحساس بالظلم وانتهاك الحقوق وعدم تحقيق المطالب العادلة, والمعارضة السياسية هي حجر الاساس في النظم الديمقراطية والذي افتقده العراق بفعل نظام المحاصصة البغيض والذي افرغ مفهوم الديمقراطية من محتواها الأنساني وحول الصراع على السلطة صراع غابة يسيطر فيه المسلح والمليشياوي وتدخل الأجندة الخارجية لتقرير مستقبل العراق وشعبه.
واليوم حيث لاجديد يذكر في معالجة اوضاع العراق ومعاناته في ظل حكومة عبد المهدي وفي محاولة للتملص من المسؤولية التاريخية تنطلق دعاوى التمويه تحت عباءة المفهوم الجديد للمعارضة التي ابتدعها الأسلامويين على شاكلة “معارضة تقويمية” و“معارضة دستورية” تخفي ورائها ممارسة الضغط لأعادة توزيع غنائم السلطة, فعادل عبد المهدي لم يأتي من كوكب آخر بل أتت به القوى الغير راضية عنه اليوم والتي تروم معارضة حكومته, وجميع القوى التي ستعارضه لم تكن بعيدا عن الفساد وملفاته الشائكة او تقاسم النفوذ في السلطة ابتداء من اصغر موظف الى الوزير وصعودا الى قمة هرم جميع السلطات.
ان الأزدواجية الأخلاقية السياسية التي يمارسها الأسلام السياسي هي محاولات بائسه للظهور بمظهر المتقن والمتعفف لأدارة فن الصراع في الأزمات وتناسوا أن هم انفسهم من أسقط مفهوم المعارضة السياسية من خلال اللجوء الى التوافق سيئ الصيت والذي تم اختيار عادل عبد المهدي على اساسه, وحين يشتد البؤس الأجتماعي والأقتصادي وتسيئ الأحوال العامة فأن الأسلامويين يستنفروا كل قواهم للظهور بمظهر المدافع الأمين عن مصالح الشعب والوقوف معه بواجهات المعارضة ذات المسميات المختلفه ولكن محتواها المعطل لأرادة الأصلاح الجذري هو واحد. أن الأصلاح السياسي والدستوري الشامل هو المدخل للحفاظ على العراق وطنا صالحا للجمبع اما عدا ذلك فأن الجميع ذاهبا الى الجحيم وسيبقى العراق آمنا بما تبقى من الشرفاء.