ولد في قضاء شط العرب في البصرة عام (1948)، وانتقل مع عائلته إلى الناصرية عام (1951)، وتخرج من دار المعلمين عام (1969)، وغادر العراق أوائل عام (1979) لأسباب سياسية، متوجهاً إلى بلغاريا واليمن الديمقراطية، ثم إلى كردستان العراق حيث ساهم في حركة الأنصار هناك. بعدها سافر إلى الاتحاد السوفيتي ومن ثم إلى سوريا، وحط رحاله في الدانمارك ليستقر أخيراً في العاصمة كوبنهاكن. إنه الإعلامي والشاعر والمسرحي العراقي داود أمين منشد (أبو نهران). الذي ولد في بيت تحتل قسماً منه مكتبة كبيرة تحتوي على المئات من الكتب، ونشأ في وسط ثقافي مع أب مدمن على القراءة وأم حنونة وطيبة وأخوة يمتهنون الثقافة. في زمن كان فيه التعليم رصيناً ومبنياً على أسس علمية حديثة وعلى أيدي معلمين ومدرسين وأساتذة أكفاء. وما زال داود يتذكر وهو طالب في الصف السادس الابتدائي نبوءة معلمه (ستار طاهر). الذي كان يراجع مواضيعه الإنشائية ويقول له: “أنت يا داود سيكون لك شأناً في المستقبل وستصبح كاتباً مرموقاً“.
ليلاي والطقوس الأخيرة
أحب داود الشعر وكتب القصيدة العمودية قبل أن يتحول إلى كتابة القصيدة الحرة التي بدأها بقصيدة (كبش الفداء) والتي نشرت في صحيفة (كل شي) عام (1968). “كبش الفداء أنا ولا يدري الجميع / قد جف نسغي مات في قلبي الربيع / حل الشتاء ببرده الثلجي وانهمر الصقيع / الكل يمشي في القطيع / إلا أنا لا أستطيع / ألأن إيماني ضعيف بالذي قاد القطيع؟ / ألأنني فكرت بالسير الوضيع؟ / برتابة السير الوضيع / فلقد خرجت من القطيع”. ثم كتب القصيدة المدورة عام (1970) وهي بعنوان (أبحت دمي): “أبحت دمي هامتي راية / وصوتي غيوم تنز سيولا / عصر الخلافة ولى لم نعد نطيق الوصاية / وليالي شهرزاد انقضت / نيرون عاد لروما والحريق نما / والظلم أوغل صوت الحق مفقود / يا أرض دجلة يا من تحملين دماً / جود الطغاة شحيح فهو مردود”. بعدها قصيدة (ليلاي): “ليلاي أين متى بالله ألقاك أعيا بي البحث حتى صرت أخشاك / أنا كم بحثت عسى يوماً أصادفها تلك التي غرست في القلب أشواك / لكن وقتي بلا جدوى أضيعه مهما بحثت فأني لست ألقاك“.
كانت مقهى (أبو أحمد) في الناصرية بمثابة تجمع للمثقفين شباباً وشيوخاً في سبعينيات القرن الماضي، وكان (داود أمين) أحد روادها المنتظمين، وكان للمخرج (عزيز عبد الصاحب) مسرحية (الغريب)، وكان يبحث عن شخص يقوم بدور الجندي البريطاني، فوجد ضالته في داود وأسند له دور البطولة. كان هذا أول عمل مسرحي لداود يمثله في الناصرية عام (1967)، ومن هذه البطولة إلى أدوار البطولة في أعمال مسرحية كثيرة منها: (حفلة سمر من أجل خمس حزيران) مع (صالح البدري) وكذلك (سيرة أس)، وبصحبة الفنانة (إيمان خضر) في مسرحية (المسيح يصلب من جديد) إخراج الفنان (حازم ناجي)، ومع المخرج (بهجت الجبوري) في (أسياد الدم) وكذلك (الطقوس الأخيرة)، ومع المخرج (مهدي السماوي) في (حصان محترق الأطراف). وحاز على الجائزة الثانية لأفضل ممثل في المنطقة الجنوبية عن مسرحية (المغني) للشاعر (رشيد مجيد)، في يوم المسرح العالمي في البصرة سنة (1970)، وفي العام التالي شارك في مسرحية (ستربتيز) مع (صالح البدري)، التي حازت على الجائزة الأولى كعمل متكامل في ذات المهرجان في البصرة.
على أعتاب المنفى
ساهم داود بتشكيل جمعية (رعاية الفنون والآداب في الناصرية)، في بداية السبعينيات من القرن الماضي. ثم ساهم بتشكيل مكتب صحفي بعنوان: لجنة الصحافة والفنون (لصف)، الذي تحول لاحقاً إلى لجنة الصحافة والنشر (لصن)، ليصبح داود مراسلاً لجريدة (طريق الشعب)، وعضواً في سكرتارية المكتب الصحفي للمنطقة الجنوبية: (البصرة، العمارة، والناصرية). ثم ألتحق بدورتين صحفيتين بين عامي (1974 / 1976) في جريدة طريق الشعب. وكان يكتب بأسماء مستعارة ويقوم بتحقيقات ميدانية في الأهوار: (الجبايش، الحمار، والفهود)، ويجري العديد من اللقاءات مع شخصيات وطنية معروفة. ليضطر بعدها إلى مغادرة العراق متوجهاً إلى بلغاريا عام (1979).
لم يمكث داود طويلاً في بلغاريا حتى سافر إلى اليمن وعمل في جريدة (14 أكتوبر) ولاحقاً في (المسار) ثم (سيناريست) في مجلة أطفال (نشوان). وكان يرسم بالمجلة الفنانين: (عفيفة لعيبي وعبد الإله لعيبي)، وقد أدخل داود رسوماتهما في ثلاثة كتب أصدرها لاحقاً. ثم توجه إلى كردستان، وعمل في مكتب إعلام (سرية زاخو) الذي إصدار مجلة (المفرزة 47) الدفترية. وأصبح مسؤولاً للإعلام وساهم بإصدار صحيفة (النصير) باللغتين العربية والكردية. ثم رئيس تحرير جريدة الجبهة الكردستانية (ريكاي سركفتري) باللغتين العربية والكردية، ونسختين بالكردي (البهديني والسوراني). بعدها التحق بالإعلام المركزي في (سوران) في نهاية عام (1985)، وعمل محرراً ومذيعاً. وكان في هيئة تحرير طريق الشعب وسكرتير تحرير (نهج الأنصار). وفي نهاية الحرب العراقية الإيرانية وبدء عمليات الأنفال عام (1988)، توجه (أبو نهران) إلى مدينة (راجان) الإيرانية وعمل في إذاعة الجبهة الكردستانية محرراً ومذيعاً ومسؤولاً للقسم العربي.
وطن يأكل أبناءه
أول قصيدة شعبية كتبها داود كانت (أحلام) في بيت سري في طهران بعد مغادرته كردستان، وفي الذكرى الثالثة لاستشهاد شقيقته (أنسام / موناليزا)، وتحتوي القصيدة على (21) حلماً. وكان الحلم الأول بعنوان أمي: “إحلمت مره بمره حره أصفى من الذهب دره / ما طخت أبد راس ولا دنكت للناس / هم مره الزمان يجود وتشوفج عيني يا أم داود”. الحلم الثاني شقيقته الشهيدة أنسام: “إحلمت مره بوجه أنسام يكلي الغيره تنقصنه يا خويه الغيره والإقدام”. الحلم الثالث شقيقته الشهيدة سحر: “إحلمت مره بسحر تضحك وعلى خدها الحلو رصعات / كمت أطحن حزن وأسحك وأمسح بيدي أثر دمعات / لأن عيني ألمحت ركبة طويلة وأحس حبل يخنك وشبح رجلين يتلولحن ماكو ثبات”. ومن ثم أبنته روزا والخسارات الأخرى في كردستان.
وصل أمين إلى سوريا عام (1990)، فعمل في مركز الدراسات والبحوث الفلسطينية في دمشق، ثم في إذاعة (صوت العراق) حتى وصل الدانمارك عام (1992). لديه خمسة كتب باللغة العربية وأثنين باللغة الدانماركية وكتاب باللغة الكردية. ومشاريع عديدة منها: كتاب عن الفنانين: (طالب غالي، كوكب حمزة، وكمال السيد)، وكتاب عن (ناصرية الخمسينات)، ورواية وكتاب أنصاري وكتاب دراسات. صدر له أحد عشر كتاباً: قصص للأطفال وكتاب دراسات إعلامية (مقالات) ورسالة الماجستير، وكراس عن الشاعر (عدنان الصائغ)، وكتاب آخر تحت الطبع. إضافة إلى المقالات والدراسات الأخرى ومنها دراسة مهمة عن (الحزن في الأغنية العراقية)، تبدأ من السومريين وكلكامش إلى يومنا هذا، وتحتوي على نماذج عديدة وعلى أسباب الحزن وهي محاولة للتفسير.