إنطلقت قبل الأيام العملية الإنتخابية في السويد عبر التصويت البريدي أو في مراكز الإقتراع للسويديين المقيمين في الخارج, حيث تستمر عملية الإقتراع الى يوم 9 سبتمبر المقبل موعد إجراء الإنتخابات داخل البلاد التي سيتمخض عنها برلمان جديد يتألف من 349 نائبا. وتخوض عدد من الأحزاب السباق الإنتخابي ويشترط لدخولهاالبرلمان الحصول على 4% من مجموع أصوات الناخبين, وهي تتوزع بين تكتلين أحدها اشتراكي يساري وآخر رأسمالي محافظ فيما برز حزب جديد في الإنتخابات السابقة عام 2014 وهو حزب السويديين الديمقراطيين ذي الميول العنصرية.
لقد شاركت شخصيا في الإنتخابات في مقر السفارة السويدية بلندن قبل أيام, وجرت عملية الإقتراع بسلاسه حيث استقبلتني أحدى الموظفات بالترحاب ثم شرحت لي كيفية الإنتخاب وبعدها وقفت في الدور, ثم أبرزت للموظفة المسؤولة الهوية الوطنية وتم شطب اسمي من السجل الإنتخابي عبر جهاز الكومبيوتر ثم وضعت قائمة الحزبالذي صوت له في ظرف وضعته في صندوق الإقتراع ولم تستغرق العملية سوى بضع دقائق.
وكان اللافت ان ثلاثة إنتخابات إجريت في آن واحد وهي إنتخابات مجلس النواب ومجالس المقاطعات التي يبلغ تعدادها 20 والمجالس البلدية ويبلغ تعدادها 290 , و تتولى مجالس المقاطعات الإشراف على القطاع الصحي والعمل على تطوير المقاطعات. ويضع الناخب قائمة الإقتراع لكل منها في واحد من الصناديق المخصصة, ولكلقائمة لون خاص فالأصفر للإنتخابات البرلمانية والأزرق للمقاطعات والأبيض للمحلية, حيث توضع في ظرف فيه فتحه تظهر اللون كي لا تختلط الأمور على الناخب.
ومن الملاحظ ان قائمة الإنتخاب تارة تكون ورقة بيضاء تحمل اسم وشعار الحزب حيث يمنح الصوت للحزب, وتارة يمكن ملأها بأسماء مرشّحي الحزب.
ويتم فرز الأصوات بعد إغلاق صناديق الإقتراع يوم التاسع من سبتمبر المقبل ليعلن عن النتائج بعد ساعات قليلة. وبمجرد الإعلان تتضح صورة التحالفات الإنتخابية حيث تحسب مقاعد كل من الحزب الإشتراكي وحزب اليسار وأخيرا حراك البيئة الأخضر. وأما الجناح المحافظ فيتشكل من حزب المحافظين وحزب الوسط وحزبالمسيحيين الديمقراطيين وحزب الأحرار, وهناك حزب مرفوض من كلا الجناحين وهو حزب الديمقراطيين السويديين ذي الميول العنصرية.
وجرت العادة ألا يحصل أي حزب على الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة بمفرده وهي 175 مقعد, حيث يشكل إما الإشتراكيون أو المحافظون الحكومة. وقد يحصل أن كلا التكتلين لا يحصل على الأغلبية البرلمانية وكما حصل في الإنتخابات التي جرت عام 2014 والتي فاز بها الحزب الإشتراكي بزعامة رئيس الوزراء الحالستيفان ليفين لكنه حصل على 113 مقعدا فقط فيما جاء حزب المحافظين من بعده ب 83 مقعد.
وقد بدأ بعد ظهور النتائج حينها حساب المقاعد التي حصل عليها كل تكتل حيث بلغ عدد مقاعد اليسار 159 فيما بلغت عدد مقاعد اليمين 140 مقعدا باستثناء حزب الديمقراطيين الذي حصل على 42 مقعد والمتبقي مقاعد قليله متفرقة. ومع هذه الأرقام فإن حزب الديمقراطيين يعتبر بيضة القبّان إذ ان إنضمامه الى أي من التكتلين يعنيفوزه بتشكيل الحكومة. ومن الطبيعي أن التكتل الإشتراكي لن يوافق على تشكيل الحكومة بدعم من هذا الحزب, لأن الخلاف بينهما آيديولوجي ولن يقبل هذا التكتل بتشكيل حكومة مع حزب ذي ميول عنصرية وعلى حساب مبادئه.
واما تكتل احزاب اليمين التي تمثل الجناح الرأسمالي في البلد فإنه يمكنها التحالف مع هذا الحزب وتشكيل الحكومة, لكن تلك الأحزاب أيضا في بلد متحضر من السويد ترفض التنازل من اجل كرسي الحكم عن المباديء الإنسانية التي بنيت وفقا لها دولة السويد الحديثة, ولذا فقد أعطى اليمين التكتل اليساري فرصة لتشكيل الحكومة بالرغممن انه لا يمتلك الأغلبية البرلمانية وهي 175 مقعد! لكن الأحزاب اليمينية لم تعرقل عمل الحكومة الإشتراكية طوال اربع سنوات بالرغم من قدرتها على اسقاطها عبر التعاون مع الديمقراطيين, لكن هذه الأحزاب تضع مصلحة البلاد فوق امتيازات السلطة.
وأما الأمر الآخر الأشد غرابة فهو ان الحزب الإشتراكي شكل حكومة مع حزب البيئة فقط فكان مجموع مقاعدهما 138 مقعد فقط أي أقل من الأغلبية البرلمانية اللازمة ب 37 مقعد! وهي توصف بحكومة أقلية, وأما حزب اليسار(الشيوعي سابقا) الذي فاز ب 25 مقعد فلم يطالب بأي حقيبة وزارية ولكنه دعم البرنامج الحكوميللإشتراكيين وبلا مقابل, سوى تنفيذ بعض المقترحات التي تهدف لتحسين أحوال الطبقة العاملة!
هذا الرقي الحضاري والروح الوطنية والشعور بالمسؤولية تجاه الشعب تتمتع بها احزاب لا تعرف الدين ولكنها أسست وفقا لقيم إنسانية تنسجم مع الفطرة البشرية السليمه, وتعكس كذلك السمو الأخلاقي وقيم الإيثار وهي تعكس بالمقابل مدى الإنحطاط الأخلاقي للعديد من احزاب السلطة في العراق وخاصة الدينية منها التي تتقاتل علىالسلطة واضعة المبادئ الدينية والإنسانية تحت قدميها. فلاضير أن تتحالف تلك الأحزاب مع داعم للإرهاب أو خائن للوطن أو فاسد او فاشل او مقصّر أو عميل , لإن المهم هو الوصول الى كرسي الحكم ولأن الهدف ليس خدمة الناس , ولو أن لتلك الأحزاب أدنى شعور بالمسؤولية لعزفت عن تشكيل الحكومة نظرا للمهام الجسام الملقاةعلى عاتقها في ظل بلد يعيش ازمات لا اول لها ولا آخر.
ومما يثير الغثيان أيضا أن تلك الأحزاب وخاصة الإسلامية منها تدعي انها تطرح منظومة قيمية بديلة للمنظومة الغربية , منظومة قائمة على شراء الذمم ووضع المباديء تحت الأقدام واستخدام مختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة للوصول الى السلطة بهدف نهب خيرات البلاد وليس خدمة العباد, فهل سيأتي يوم يستبدل فيهالسويديون منظومتهم القيمية الراقية بمنظومة هذه الأحزاب البائسة؟ لاشك إن ذلك يستحيل حصوله لإن القيم الإنسانية تسمو هناك يوم بعد آخر فيما تنحدر فيه تلك القيم نحو الحضيض في الشرق المريض !