جريمتا اغتصاب في غضون أسبوعين، والفاعل عناصر في القوات الأمنية الحكومية، ولا عقوبة تذكر بحق الجناة، ولا نتائج للتحقيقات الاستعراضية لغاية الآن، لتضيف تلك الحوادث إدانة جديدة للحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية، ولتعكس تواطؤ كبار المسؤولين الحكوميين مع مرتكبي تلك الجرائم.
جريمة في الموصل
“الضابط المذكور قام باختطاف الفتاة من مواليد ١٩٩٨ واغتصبها داخل العجلة الحكومية”
بعد أيام قليلة على ارتكاب جريمة اغتصاب طفل ووالدته في مدينة الموصل من قبل عناصر في الجيش، سجلت محافظة التأميم جريمة اغتصاب أخرى لشابّة في العشرينات من العمر ارتكبها ضابط منتسب لوزارة الداخلية.
ففي الموصل أقدم عناصر في الفرقة عشرين من الجيش الحكومي، بتاريخ الحادي والثلاثين من شهر أيار الماضي؛ على اغتصاب امرأة وطفلها البالغ من العمر 7 أعوام في إحدى نقاط التفتيش بجانب الموصل الأيمن.
وفي حالة تعكس استهتار الجناة وعدم خشيتهم من العقوبة، وثّق عناصر الجيش جريمة الاغتصاب ببث مباشر عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، وخلال الفيديو يقر أحد الجنود باغتصاب المرأة، كما يظهر وهو يعتدي بشكل غير أخلاقي على الطفل الصغير داخل عربة عسكرية.
تحقيق من دون نتائج
وعلى خلفية الحادثة تعهد رئيس أركان الجيش الحكومي الفريق أول ركن عثمان الغانمي بالقصاص من الجناة وحسم التحقيق في الحادثة خلال مدة أقصاها 5 أيام، وهو ما أكده بيان لوزارة الدفاع في حكومة عادل عبد المهدي، وبحسب البيان فإن مديرية الاستخبارات العسكرية ألقت القبض على الجنود المتهمين في الحادثة وتم نقلهم إلى العاصمة بغداد لأغراض التحقيق.
“بعد أيام قليلة على ارتكاب جريمة اغتصاب طفل ووالدته في مدينة الموصل من قبل عناصر في الجيش، سجلت محافظة التأميم جريمة اغتصاب أخرى”
ورغم ذلك الوعيد، إلا أنه لم تتم محاسبة أي من الجناة لغاية اليوم، فضلًا عن أن نتائج التحقيق التي توعد بها الغانمي لم يتم الإعلان عنها رغم مرور 15 يومًا عليها.
عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية والنائب عن نينوى نايف الشمري قال في تصريح لمراسل وكالة “يقين”: “إن إنزال أشد العقوبات بمرتبكي جريمة الاغتصاب أصبحت مطلبًا شعبيًا وجماهيريًا في محافظة نينوى، وان على رئيس الوزراء الاستجابة السريعة والفورية لذلك، مطالبًا بتقديم الجناة إلى محاكمة علنية وإنزال أقصى العقوبات بحقهم.
حسام العبيدي مواطن من الموصل أكد لوكالة “يقين” على أن “تلك الجرائم من شأنها إحداث المزيد من الهوة بين المواطنين والأجهزة الأمنية وهو الأمر الذي يستغله تنظيم الدولة (داعش) في إيجاد بيئة مناصرة وحاضنة له في المدينة”، مشددًا على “ضرورة تقديم الفاعلين إلى المحاكمة العسكرية وانزال عقوبة الإعدام بحقهم”.
عبد الله المعماري حقوقي من الموصل يرى أن عدم جدية القيادات العسكرية في محاسبة المتورطين بجرائم اغتصاب ارتكبها جنود وضباط واجبهم الافتراضي حماية المواطنين يضع المؤسسة العسكرية برمتها في خانة “العدو”، محذرًا من ارتكاب جرائم جديدة مستقبلًا كنتيجة طبيعية لغياب العقاب والمحاسبة.
جريمة تهز كركوك
وعقب حادثة الموصل بأسبوعين هزت مدينة كركوك جريمة اغتصاب مشابهة ارتكبها ضابط في الشرطة المحلية بمساعدة أحد المنتسبين، وبحسب مصادر مطلعة في المحافظة فإن الضابط المدعو (علاء إبراهيم) والذي يعمل برتبة رائد في مديرية مكافحة الإجرام، ارتكب الجريمة في الرابع عشر من الشهر الجاري مستغلا منصبه وقربه من مسؤولين حكوميين في المحافظة.
“إنزال أشد العقوبات بمرتبكي جريمة الاغتصاب أصبحت مطلبًا شعبيًا وجماهيريًا في محافظة نينوى”
وبحسب المصادر فإن الضابط أجبر شابة من المكون التركماني على الصعود معه في سيارة نوع (نيسان باترول) تحمل لوحات حكومية بحجة أنه من شرطة الآداب، بعد أن قام هو وأفراد المفرزة الذين معه بضرب خطيبها وتركه مرمياً على الأرض.
وأضافت المصادر:” أن الضابط المذكور قام باختطاف الفتاة من مواليد ١٩٩٨ واغتصبها داخل العجلة الحكومية، مشيرة إلى أن القوات الأمنية ألقت القبض على الضابط بعد أن قدمت الفتاة شكوى ضده.
وعلى خلفية الحادثة طالب مواطنون من كركوك بإنزال أقصى العقوبات بمرتكبي جريمة الاغتصاب، وبينوا أن عدم إنزال العقوبة بالمجرمين سيفتح الباب أمام ارتكاب جرائم مشابهة في المستقبل.
محافظ التأميم راكان سعيد قال في بيان أنه وجه مدير الأمن الوطني ومدير الشؤون الداخلية والجهات التحقيقية المختصة بسرعة اكمال التحقيق بحادثة قيام ضابط وآخر معه باختطاف مواطنة واغتصابها من مدينة كركوك، إلا أن التحقيقات لم يسفر عنها أي نتائج لغاية إعداد التقرير.
الحكومة تكافئ المُغتصب!
رئيس الجبهة التركمانية في العراق أرشد الصالحي قال في تصريح لمراسل وكالة “يقين”: “إن الجهات المختصة فتحت تحقيقًا في الحادث بعد إلقاء القبض على الضابط المتورط”.
وألمح الصالحي إلى وجود تدخلات من بعض الأطراف السياسية في التحقيقات الجارية، مشددًا على رفضه لأي ضغوطات قد تمارس لحرف التحقيق عن مساره الصحيح، ومتعهدًا بالوقت ذاته بمتابعة عمل الجهات التحقيقية لحين اكتمالها وصدور العقوبة بحق المتهمين.
“الجرائم والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان تؤكد على عدم وجود أي محاسبة من قبل السلطات الحكومية”
بالمقابل عزا المرصد العراقي لحقوق الإنسان تكرار حالات الاغتصاب الأخيرة إلى غياب الجدية لدى الجهات الحكومية في معاقبة مرتكبي تلك الجرائم.
وقال مدير المرصد مصطفى سعدون في تصريح لوكالة “يقين”: إن تلك الجرائم والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان تؤكد على عدم وجود أي محاسبة من قبل السلطات الحكومية، الأمر الذي دفع بمرتكبي تلك الجرائم إلى التمادي.
وأشار إلى تسجيل أكثر من حالة اغتصاب لأطفال في الشهر الفائت، تم الكشف عنها عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مرجحًا حدوث جرائم أخرى لم يتم الكشف عنها حتى الآن.
وأضاف سعدون: “أن الإفلات من العقاب يمثل السمة الرئيسية في عمل الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها، مبينًا أن تلك الحكومات وبدل محاسبة المجرمين الذين يسيئون لها قامت بمكافئتهم”.
وهكذا يبقى سجل حقوق الإنسان في العراق يضيف كل يوم فصلًا جديدًا من جرائم ترتكب غالبيتها على يد من ينتسبون للقوات الحكومية وأجهزتها المختلفة، ولها أبعاد طائفية لإذلال طرف على حساب آخر.