29/8/2018
الكتابة هي لغة التعبير عن الذات و مكامن الامور ، و هي التي تربط الماضي بالحاضر و بدونها كادت ان تكون تراث الاجداد و الحضارات القديمة ضرباً من الخيال , و بالكتابة تبرهن تطور الحياة البشرية على مر العصور و مدى درجة فهمهم للاحداث و البيئة التي كانت تحيط بهم و اسلوب تعاطيهم و تعاملهم اليومي و اعرافهم و غزواتهم و الانتصارات التي حققوها و اخفاقاتهم .
في العادة إن الكاتب او المثقف عند كتابته لموضوع معين يطرح سؤال أو مجموعة من الاسئلة على مجتمعه و واقعه و يبحث او ينتظر الاجابة عنها او يرمي بافكاره و آراءه ليرى ردة فعل الشارع رغبة منه في اثارة الحماسة و المشاعر المتقدة و وضعها في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الاصلاح و التغيير المنشود كحاجة المجتمع , وقد يقابله احياناً الاتهام بالخيانة و قصر الفهم عندما لا يكون الفكرة صائبة و لا تناسب أهوائهم او في غير محلها ، و قد يقتاد صاحبه الى خلف القضبان او معانقة حبل المشنقة.
في هذه المرة توجهت بالسؤال الى نفسي اذا اعتبرت اني كاتب وهو (لماذا أكتب ؟ ) ! هذا السؤال صعب الجواب يقود الى التفكير ملياً بالاسباب التي تدفع الى كتابة مقال او البحث في موضوع معين و ما هو الهدف منه ؟ و هل تأتي بثمارها الآن او بعد حين ام ان غبار الرفوف ستغطيها و تقرأ عليها الفاتحة .
قد يكون هذا السؤال عتاباً في مضمونة للكاتب لان الاستمرار في فعل شيئ دون تغيير او منفعة ضربٌ من الوقاحة ، لكن الدوافع وحب الانسانية و تقديم الخدمة الافضل و اختيار الامثل و اخراج الانظف من بين القمامات و الشجاعة في طرح الاراء و الاحساس بالمسؤولية تجاه الوطن و الشعب و اثبات الوجود و ترك اثار البصمة و الافتخار بما قدمه من سبقونا ، كل هذا تحول العتاب الى تشجيع و الندم الى الاستمرار و النقد و التجريح الى الدفع لتشخيص الخلل و معالجتها بالسرعة الممكنة .
ان الوثائق و البيانات التي غالباً ما نرجع اليها للأثباتات المتعددة كانت نتيجة حتمية للكتابة من قبل الذين بذلوا جهوداً في هذا المضمار .
ان الابتعاد عن القراءة وهجرها و عدم الاهتمام بالكتابة بات من شيمة هذا العصر في معظمه ، و مجتمعنا جزء منه يؤثر فيه و يتأثر به و الادهى منه ان من يكتب هو الغريب البعيد من بين الاهل و الاقران , و ربما محل السخرية و الاستهزاء و الطعون ، مع علمهم بان الحضارات تبنى و الدول تتقدم و الحياة ترى النور بالعلم و الكتابة و تحديد الخلل و طرح المعالجة اللازمة المناسبة لها .
فالكاتب حيران بين حبه للكتابة و ولعه و رغبته في كشف الثغرات و محاولة سدها و حماسته الجياشة و بين مجتمع في غالبيته يرى في الكتابة مجرد انشغال لا يسمن و لا يغني من جوع و الكُتاب اجسام غرباء بينهم لا يتقنون فنون الحياة و لا يستطيع اللعب على اوتارها ، لذا فيكون الفقر و الانعدام من نصيبهم و من الكُتاب من يرضح لنزوات هذه الطائفة ليكتب وفق أهواءهم أو يمتنع عن الكتابة و يسلك طريقاً آخر ، و منهم من يصمد و يقاوم بارادة فولاذية تزداد قوة و صلابة يوماً بعد آخر لايمانه المطلق بان النهاية سيكون في صالحه و بصمات آثاره هي الباقية و على اكتافه تبنى المجتمعات ، ولولا هؤلاء الكُتاب لما كانت للحضارات القديمة حضور بيننا , فكم من الجماعات ظهرت و لعبت و اثرت و في النهاية اندثرت و تلاشت على الرغم من قوتهم و جبروتهم و لكن الكتابة بقيت و نقلت أحداث زمانها الينا و تستمر ..
لذا فان الكُتاب هم روح المجتمعات و قوتها و سر ديمومتها و من هذا المنطلق سيكون جواب عنوان المقال حاضراً و شافياً كافياً مع التحلي بالصبر و الروح الرياضية امام الصعاب و تأخير جني الثمار لأن القلة المؤيدة و المشجعة للكتابة هم النخبة و الصفوة المصفاة و انها تدل على صدق السُنّة الالهية ((و اكثرهم لا يعلمون)).
فالكتابة مسؤلية وأمانة وتحدي والشوق الى خدمة الانسانية في المجالات المختلفة لتبقى أرثاً وتاريخاَ للأمم في الاجيال القادمة …
/ماجستير قانون دولي