السيد مقتدى الصدر المحترم
تحية طيبة
على وفق المعلومات المتوفرة وما نُشر في الصحف حتى الآن فأنتم تعتبرون الراعي والمشرف والموجه الفكري والسياسي لتحالف “سائرون“، وبالتالي خطبكم وتصريحاتكم السياسية تحسب على “تحالف سائرون” وعلى ما أشار إليه برنامج تحالف “سائرون“. وهذا الأمر يستوجب من الناحيتين المبدئية والعملية منكم شخصياً ومن كل العاملين في تحالف “سائرون” الالتزام بالأهداف الأساسية المسطرة في برنامج “سائرون“. لهذا وجدت نفسي ملزماً بتبيان وجهة نظري حول ما يجري حالياً بشأن موقفكم من الدولة المدنية والقضاء العراقي وتأثير ذلك على مجرى الأمور بالترابط مع برنامج “تحالف سائرون“. فأنا أمروءٌ بلغ الرابعة والثمانين وعشت العهود المنصرمة كلها كسياسي مخضرم: أتابع نشاطكم وتصريحاتكم ومواقفكم منذ 2003 حتى الوقت الحاضر، وكتبت الكثير من المقالات بشأنها معارضاً مواقفكم أو مؤيداً للمواقف التي اعتبرتها إيجابية ومطلوبة.
جاء في برنامج “تحالف سائرون“: بشأن الدولة المدنية ما يلي:
” 1. إنشاء دولة مدنية تقوم على أساس المواطنة وتؤمّن العدالة الاجتماعية، دولة قوية بمؤسساتها، قادرة على اتخاذ قراراتها المستقلة، بما يعكس هيبتها، وسيادة البلاد الوطنية، والحرص على سلامة أراضيها ووحدتها، وعلى إقامة علاقات عربية وإقليمية ودولية متوازنة مبنية على أساس المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والاحترام المتبادل لسيادة واستقلال كل دولة“.
ثم جاء في الفقرة 10 من البرنامج ما يلي:
” 10. استقلالية القضاء، وتفعيل دور الادعاء العام“.
وبشأن القوات المسلحة ما يلي:
* يسعى تحالف (سائرون) إلى بناء القوات المسلحة على أساس المهنية والكفاءة والولاء للشعب والوطن، ويعمل على تطوير كفاءة القوات المسلحة، فضلاً عن الحد من مظاهر التسلح خارج إطار الأجهزة الأمنية.
إن هذه الأهداف تشكل جزءاً مهماً مما يسعى إليه الشعب العراقي ويتمنى تحقيقه ويتطلب ممن التزم بتحقيق هذه الأهداف وغيرها الالتزام بها أولاً وقبل كل شيء، أي التزام الراعي والمشرف والموجه لـ “تحالف سائرون” السيد مقتدى الصدر، وقبل غيره من كل القوى العاملة ضمن “تحالف سائرون“، ليقدم النموذج الذي يحتذى به. والسؤال المشروع والعادل هو: هل حصل هذا فعلاً خلال الفترة الأخيرة؟
نحن أمام واقع مخالف لما ورد في برنامج “تحالف سائرون” في الموقف من الالتزام بهذه الأهداف. اليكم ملاحظاتي الشخصية راجياً أن يتسع صدركم للاطلاع عليها وتبيان وجهة نظركم بشأنها.
أولاً: الدولة التي يعيش في ظلها الشعب العراقي هي دولة طائفية سياسية بامتياز ويتجلى ذلك في المحاصصة الطائفية في سلطاتها الثلاث وفي المؤسسات والهيئات المستقلة. وهو ما ورد في البرنامج السعي الجاد للتخلص من الطائفية محاصصاتها المذلة. ولكن الوزارة الحالية ورئيسها، الذي وافقتم على تبنيه وجعله رئيساً لوزراء العراق، هو جزء من المشكلة/ من المحاصصة الطائفية وهكذا الأمر مع أغلب الوزراء، وممارساته تؤكد ذلك. يضاف إلى ذلك ابتعاده التام عما ورد في برنامج “تحالف سائرون” حول “مكافحة الفساد“. فهو لم يخطُ خطوة واحدة إلى الأمام في هذا الصدد وفي كل الأمور التي التزم بتنفيذها، وبالتالي فهو في تراجع شديد عن محاربة الفساد في العراق وعن القضايا الأخرى ذات الأهمية الفائقة للشعب العراقي.
ثانياً: إن تحالفكم مع قائمة فتح، التي يرأسها الطائفي بامتياز هادي العامري والذي كان ولا يزال وسيبقى ولاؤه الأول والأخير لإيران ولولاية الفقيه، لمرشد الثورة الإيرانية، السيد علي خامنئي، هو إخلال بمبدأ رفض الطائفية ومحاصصاتها من جهة، ورفض الخضوع لإرادة أجنبية، تقرر لهادي العامري ما ينبغي له فعله في العراق، وليس لما ينفع العراق واستقلاله الوطني وسيادته واستقلال قراراته.
ثالثاً: أنتم تدعون إلى قضاء مستقل، كما هو وارد في “تحالف سائرون“. وهذا يعني ضرورة الالتزام بتقديم قضايا المخالفات التي تحصل في قوى التيار الصدري أو في “تحالف سائرون“، سواء أكان فساداً مالياً أم إدارياً، أم إساءة معاملة المجتمع أم التجاوز على الدور والأشخاص، أو قتل أو تهديد أشخاص، إلى القضاء العراقي، وليس التدخل في شأن القضاء واتخاذ قرارات من جانبكم بحق هؤلاء أو طلب اعتذارهم منكم والتوبة عندكم ثم إخلاء سبيلهم. إن هذا مخالف للشرعة الدولية وحقوق الإنسان والدستور العراقي، وهو بالضد من مبدأ “الدولة المدنية” واحترام استقلال القضاء العراقي. كما إنه يعيد العراق إلى أوائل القرن العشرين حيث كانت العشائرية هي السائدة وقانون العشائر هو الفاعل وليس الدستور العراقي. فعلى سبيل المثال نشرت الصحف المحلية والعربية ما حصل من تجاوز على جنابكم من قِبَل شخص في حزب الدعوة مهدداً إياكم بالقتل أو الإساءة لشخصكم. ونشرت الصحف خبر إقامة دعوى ضده ، وقرر القضاء القبض عليه. ولكنكم طلبتم منه أن يأتي إلى مقركم في “الحنانة” ليتوب أمامكم عن فعلته فتعفون عنه. إن هذا مخالف للدستور العراقي وللقوانين المرعية، ثم طالبتم بإطلاق سرحه، أي إيقاف الدعوى ضده، في حين أن هناك حقاً عاماً ينبغي ان يأخذ طريقه لمحاسبة مثل هؤلاء الأشخاص. مثال آخر، ظهر في وسائل الاتصال الاجتماعي فيديو، وصلتني نسخة منه، يشير إلى أشخاص يعتبرون مذنبين من وجهة نظركم، ويمكن أن تكون مخالفاتهم قائمة فعلاً، وهم يزحفون على بطونهم وظهورهم وهم مقيدو الأيدي للتوبة عندكم. أرجو أن يكون هذا الفيديو مزوراً، وإلا فالمصيبة كبيرة إن كان صحيحاً. ويشار إلى أن هناك لجاناً تحقيقية خاصة لدى “التيار الصدري” تقوم بالتحقيق في قضايا “الفساد” ومكافحته، وتتخذ إجراءات عقابية دون تقديم المعنيين للقضاء العراقي. وليس لديكم الحق في ذلك، فمثل هذه القضايا من اختصاص القضاء العراقي وحده دون غيره.
رابعاً: اشرتم في أحد تصريحاتكم بأنكم تعاقبون المذنبين. وهذا ليس من مهماتكم، فهي من مهمات القضاء العراقي، رغم الاختلالات التي يعاني منها هذا القضاء بسبب التدخل السياسي والانتهازي في شؤونه، وقد حصل ما لا يمكن تصوره فيما نشرته الصحف العراقية والعربية والأجنبية. واليكم ما نُشر أخيراً من قبل السيدين زيد سالم وعلي الحسيني في 17/05/2019
“ليست المرة الأولى التي يوجه فيها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بإبعاد عناصر مقربة منه عن قيادة تياره، فقد جمّد نهاية العام الماضي عناصر من مليشيا “سرايا السلام” التابعة له، بعد معلومات وصلته متأخرة تفيد بتورطهم في قضايا فساد مالي وعمليات ابتزاز للشركات الأهلية، عدا عن تورط آخرين في المتاجرة بالمشتقات النفطية وتهريب العملة الصعبة إلى إيران. إلا أن موجة الطرد الجديدة التي طاولت قادة بارزين ومقربين من الصدر، تعتبر الأكبر منذ تأسيس التيار الديني بعد عام 2003 وما نتج عنه من مليشيات مسلحة أبرزها جيش المهدي، ولواء اليوم الموعود وسرايا السلام. أبرز تلك القادة هو أبو دعاء العيساوي، معاون الصدر الجهادي، وهو المصطلح الخاص بمساعد مقتدى الصدر لشؤون الفصائل المسلحة التابعة له ، وكذلك عواد العوادي المقرّب من الصدر هو الآخر، فضلاً عن عضو البرلمان السابق، القيادي المعروف بالتيار الصدري جواد الگرعاوي ، إضافة إلى كل من علي هادي أبو جميل، وعماد أبو مريم. وهما من المقربين إلى الصدر ويظهران بشكل مستمر برفقته في لقاءاته داخل العراق. وبعد ساعات قليلة من إعلان الصدر عن أسماء القادة المطرودين، شهدت مدن جنوب العراق أبرزها، كربلاء وبابل وواسط والبصرة والنجف، تظاهرات صاخبة قرب منازل المطرودين من التيار الصدري ومكاتبهم ومصالح تجارية تابعة لهم، غير أن الأعنف كانت في محافظة النجف، والتي أسفرت عن مقتل أربعة من أنصار الصدر وجرح 19 آخرين خلال اقتحام مول تجاري يعود للقيادي المفصول من التيار الصدري جواد الگرعاوي، وذلك بعد سقوط جريحين في محافظة واسط المجاورة بأعمال عنف مماثلة.” (راجع زيد سالم، علي الحسيني، مقتدى الصدر يغربل تياره: حملة لطرد “الفاسدين“، موقع العربي الجديد، بغداد في17 مايو 2019).
خامساً: الدولة المدنية تعني دولة ديمقراطية مستقلة، دولة ترفض 1) أن تكون هناك دولة داخلها، أي “دولة داخل دولة“؛ 2) جيش وميليشيات مسلحة خارج إطار قواتها المسلحة، أي “جيش داخل جيش“؛ ج) أن يكون السلاح بيد الدولة ومن خلال قواتها المسلحة، أي نزع أسلحة جميع الميليشيات المسلحة وسلاح الأفراد غير المجاز رسمياً. وبغير ذلك يعني غياب الدولة المدنية الديمقراطية وهو الحاصل حالياً في العراق، منذ 2003 وحتى الآن. والتيار الصدري بالذات لديه ميليشيا مسلحة كبيرة باسم “سرايا السلام“، إضافة إلى وجود مليشيات مثل بدر وعصائب الحق وحزب الله أو النجباء وعشرات أخرى، أغلبها تابع لإيران الدولة والحرس الثوري وجيش القدس والبسيج…الخ. في هذا تسقط مصداقية من يطالب بأن تكون لنا دولة مدنية وأن يكون السلاح بيد الدولة فقط.
سادساً: أعلن مسؤولون في التيار الصدري وسائرون بأنهم سيعاقبون بأقسى العقوبات ويسحقون رؤوس من ينتقد مقتدى الصدر أو العائلة الصدرية!! وهذا أمر غير ممكن وغير مقبول وسيء جداً في دولة مدنية تدعون لها في برنامج “تحالف سائرون“. وأنتم أدرى بأن ليس هناك من هو معصوم من البشر عن ارتكاب الأخطاء، صغيرة كانت أم كبيرة. وبالتالي فلا بد هناك من يوجه النقد لمثل هذه الأخطاء على وفق تقدير الناقد، وهو حق مطلق يكلفه الدستور العراقي واللواح الدولية ووثائق وعهود شرعة حقوق الإنسان. كما إن النقد هو الضوء الذي يمكن أن ينير طريق المخطئين ولاسيما في السياسة وأخص بالقول في واقع العراق الراهن، الذي يستوجب ممارسة النقد البناء، بعيداً عن الإساءة الشخصية أو العائلية.
إن هذه الأوضاع لا تبشر بخير العراق، بل بنشوء مشاكل جديدة وعصية على الحل. لهذا يفترض أن كنتم جادين في رعايتكم لـ “تحالف سائرون” ولما ورد في برنامج “تحالف سائرون” أن تعملوا باتجاه آخر، باتجاه تصحيح هذه المسارات الخاطئة وتقويمها، والتي أشرت إلى بعضها في أعلاه، وإلا فأن سائرون سوف لن تختلف عن أي تحالف آخر قائم في العراق يدعي المدنية والعمل من أجل إقامة الدولة المدنية، في حين أنه بعيد عنها بعد السماء عن الأرض. و“دولة القانون” ورئيسها النموذج الأكثر إساءة للدولة المدنية وللقانون في العراق.
إن ما طرحته في رسالتي هذه هو تعبير عما يدور في بال الملايين من العراقيات والعراقيين في الداخل والخارج، رغم إنني لست الناطق باسمهم، ولكن الاحتكاك بالناس في الداخل والخارج يؤكد هذه الحقيقة.
كاظم حبيب
في 20/06/2019