لسنا في معرض الحديث عن تاريخ العراق ، فهو مضرج بالدماء ، وتعلوه الانقلابات وتسمو فوقه لغة الاغتيالات والقتل ، ومنذ اغتيال امير المؤمنين ( عليه السلام) في مسجد الكوفة والعراق يعيش في بحر من دم ، ولكننا نتحدث عن طبقى سياسية جديدة حكمت البلاد ، ومنذ 2003 وهذه الطبقة نفسها تحكم وتلعب أدواراً خطيرة في حكم البلاد والعباد ، وأمسى هولاء كحكم فرعون وأعوانه لايمكن تحريكهم أو زعزعة وجودهم ، ومن يحاول بمجرد الهمس فانه يلقى المصير المحتوم ، ويكون اما بعثياً او يمتلك اجندة خارجية ، وهنا لابد من سؤال مطروح بالفعل : هل هذه الطبقة تمتلك اجندة ؟! وهل يقف خلفها مخطط سواءً كان إقليميا ام دولياً ؟!، فالولايات المتحدة تنظر الى العراق على انه بئر نفط ليس الا والتي ينبغي الاستيلاء عليها حيث فرضت رسوم “تكسر الظهر ” على كل حركة او مبادرة تقوم بها في مساعدة العراق .
التظاهرات الاخيرة التي شهدتها عدد من محافظات الجنوب والوسط ، اعادت مفهوم خلط الاوراق حيث استهدفت وبشكل لافت من جهات خارجية عملت وتعمل على زحزحة الوضع الامني والاستقرار الذي تشهده المحافظات ، والابرز في هذا الملف أن تلك المحافظات لم تبرز فيها التظاهرات الا الآن ، وهذا ما يطلق رسائل عدة ، في أن التظاهرات يمكن لها أن تتحول الى أجندات واهداف سياسية ، وهذا ما حصل فعلاً في النجف الاشرف حيث دخلت الاهداف السياسية على خط الازمة ، ودخول خطوط مشبوهة لشخوص مشبوهين من داخل الوسط الشيعي النجفي ، ولكنهم يعملون تحت الراية الداعشية ومن تحالف معهم ، الى جانب الاجندات الاقليمية الداعمة لها .
الاحتجاجات انطلقت على أثر نقص الخدمات ، ولكنها ركزت على الانقطاع اللافت للكهرباء ، وتوقف الخط المغذي والقادم من ايران ، على أثر زيادة الاستهلاك الايراني للكهرباء ، وتأخر دفع المستحقات من جانب العراق ، وهذا ما آثار الجمهور وادى الى حرق المؤسسات الحكومية ، الى جانب حرق المقرات التي تربطها علاقات وثيقة مع ايران ، بينما يرى آخرون أن باستطاعة ايران أن تقلب الطاولة على ساسة العراق ، وإعادة تزويده بالطاقة الكهربائية ، والظهور بمظهر المنقذ والحريص على مصلحة العراق وشعبه ، وقدرتها على التحكم وارباك أسواق النفط وعرقلة انتاج نفط العراق .
الجانب الآخر هو الجزء الموالي لدول الخليج ، والذي يسعى الى فرض أجندة عبر تكوين تحالف قوي من القوى الشيعية القريبة منها ، الى جانب القوى السنية لتكوين كتلة كبيرة تأخذ على عاتقها تشكيل الحكومة القادمة ، وتنفيذ مخططاتها الرامية الى تفكيك الحشد الشعبي وشل حركته ، والسعي الجاد من أجل تغيير الواقع السياسي وبما يتلاءم والواقع الاقليمي الراهن .
يبقى شي مهم وهو المتحكم بخيوط اللعبة من ؟
لايمكن الجزم بان السياسيين العراقيين يمتلكون مثل هكذا ذكاء بقيادة العملية السياسية ، ولا يملكون الوعي السياسي للقدرة على المناورة أو توجيه الرأي العام ، أو التأثير على الوضع الاقليمي والدولي لان العراق اليوم ليس كعراق الامس ، وما فيه من سياسيين لايتعدى مجموعة من الهواة تسيطر على السلطة والمال ، وتفرض هيمنتها على مصالح الشعب وحقوقه ، حتى أمتلئت بطونهم مالاً سحتاً ، وأصبحت الدولة “دولة الاقارب ” ، واللعب بأموال الشعب المرتهن ، الى جانب سرقتهم لصوت المواطن المسلوب الارادة ، كما انهم كانوا مدرسة الفساد الاولى في البلاد ، حيث تقدم العراق لكي يكون في مقدمة الدول الفاسدة ادارياً ومالياً ، وتراجعه على كافة المستويات ، وهنا يبقى سؤال مطروح : متى يعي هذا الشعب أن هولاء ليسوا سوى ذئاب تنهش لحم الوطن وتسرق ثرواته ، وهل سيطردهم من بلده ام سيخلق ديكتاتور آخر وصنم جديد يعيشون تحت سيطرته ؟!!