رغم كل تلميحات أحزاب وتيارات, برغبتها للذهاب للمعارضة, لكنه كان كلاما “لزوم التفاوض السياسي” ولم ينفذ أحد منهم تهديده حقا.. الأن وقد فعلها عمار الحكيم, فما الذي سيحصل بعد ذلك؟
رئيس الحكومة عادل عبد المهدي ورغم معرفة الكل, بأنه رجل محنك وذو قدرات إقتصادية وسياسية متميزة, ثبت عمليا خلال توليه مناصب عدة, ونظريا من خلال مقالات وبحوث قدم خلالها أفكارا تأمل منها كثيرون أن تظهر على ارض الواقع.. لكن ما ظهر من إنجازات ثانوية وصغيرة لحكومة السيد عبد المهدي, خيب أمال الكثيرين.
ما سبب الصدمة لأغلب الناس, والمهتمين بالشأن السياسي, هي الصورة التي أظهرت السيد عبد المهدي, وكأنه مستسلم لرغبات بل “وتصرفات” الكتلتين اللتان شكلتا الحكومة, بشكل كامل لا يقبل التأويل أو التفسير.. فالرجل لديه تاريخ طويل, ومواقف صلبة سابقة, لا تتماشى مع ما يظهره من ضعف تجاه هاتين الكتلتين!
معظم من يعمل بشؤون الحكم والدولة, لا يعارض أن الرجل يملك شيئا يمكنه تقديمه, ناهيك عن أنها ربما ستكون “مغامرته” الأخيرة في العمل السياسي, بحكم عمره الحقيقي والسياسي, وتداخلات وتعقيدات الوضع العراقي.. فهل من المعقول أن الرجل سيضيعها هكذا بكل سهولة؟ ولأي سبب! أيعقل للحفاظ على المنصب؟!
توفرت لرئيس الحكومة الذي سبقه فرصة ذهبية, لضرب كبار الفاسدين, بعد طلب المرجعية منه ذلك بشكل واضح وصريح ” وإضطرار” القوى السياسية لتخويله بشكل مفتوح ومطلق.. لكنه لم يوفق, وربما لم تساعده ظروفه ” الحزبية” رغم أن الرجل لديه إنجازات لا تنكر, بحكم الظروف التي كان يمر بها البلد.
اليوم نفس الفرصة تتكرر مع السيد عادل عبد المهدي, فبيان المرجعية الأخير في خطبة الجمعة, رسم خارطة طريق واضحة, وبنفس الوقت أتاح للسيد رئيس الوزراء, كسر القيود التي تكبله بها الكتلتين اللتان شكلتا الحكومة.. فإحداهما مشغولة بفضائح الفساد التي طالت قياديين مهمين وكبار فيها, مما أسقطها في عيون جمهور كبير كان يؤيدها, فدفعها ذلك مضطرة لتهديد الحكومة ومنحها مدة بسيطة لإستكمال تشكيلتها, في محاولة, لتبرئة نفسها من تهمة تأخير تشكيل الحكومة, إن لم يكن من قبل زعيمها, فمن قبل مفاوضيه بحثا عن مصالحهم الشخصية.. بالتالي لن يجرؤ على سحب الثقة منه وإسقاط حكومته..
الكتلة الثانية طالها بيان المرجعية, فأتهمها بالمتاجرة بتضحيات المجاهدين, في رسالة واضحة وصريحة لقادتها, مما وضعها في موقف حرج للغاية أما الجمهور الذي صوت لها, حماسة للتضحيات التي قدمها المجاهدون, والتي قدمت نفسها كأنها المثل الرسمي عنهم, فصارت في أضعف موقف حاليا.. وبالتالي لن تفكر حتى في السعي لسحب الثقة عن الحكومة.
إعلان عمار الحكيم ذهابه للمعارضة, سيفيد عادل عبد المهدي ويقويه.. فالحكيم ليس من النوع الذي يستهدف إسقاط الحكومة, حتى لو كان من يشكلها ألد خصومة عداوة, كما حصل في إتفاقات أربيل ومحاولة إسقاط حكومة السيد المالكي الثانية.. كما أنهما من نفس المنبع الفكري, ولديهما مشتركات كثيرة, بالتالي يمكن للسيد عبد المهدي أن يتجاوز ضغوط الكتلتين من خلال دعم المعارضة له, رغم أنها معارضة وله لحكومته.. لكنها في الحقيقة وكما يبدوا واقعا معارضة لمنهج من أسس وشكل تلك الحكومة..
الفرصة ذهبية الأن للسيد عبد المهدي, ليقدم مرشحيه لإستكمال الوزارة, ويتحدث بكل صراحة عن من يعرقل بدء تنفيذ برنامجه, ومن يتقاسم كعكة المناصب الخاصة ويريد أن يستبدل “الدولة العميقة” السابقة بأخرى تخصه واتباعه.. ويظهر قدراته ويطبق أفكاره التي طالما كتب ونظر لها خلال سنوات إبتعاده عن المناصب.. فهل سيفعلها, أم سيبقى أسيرا لهما لأسباب لا يمكن فهمها مطلقا؟!