يتنازع تياران متصارعان داخل حزب الدعوة الإسلامية الحاكم في العراق ، على تفسير خطاب المرجع الديني الشيعي الأعلى، علي السيستاني، بشأن “مواصفات رئيس الوزراء القادم”، فيما عادت عجلة المفاوضات السياسية إلى الدوران، بعد توقف طارئ فرضته احتجاجات شعبية في تسع محافظات عراقية ضد فساد الطبقة السياسية وسوء إدارتها للبلاد ونقص الخدمات الأساسية وتفشي البطالة.
وكان السيستاني، الذي يحظى بتأييد الملايين من الشيعة في العراق، أعلن عبر ممثله، الجمعة، ما وصف بأنه “خارطة طريق لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة”، فيما أشار إلى جملة من المواصفات يجب توافرها في المرشح لتشكيل هذه الحكومة، من بينها “القوي والشجاع والحازم”.
ويعتقد الفريق الموالي لرئيس الوزراء حيدر العبادي داخل حزب الدعوة ، أن “ المواصفات التي حددتها المرجعية ، بشأن رئيس الوزراء القادم تنطبق جميعا على العبادي”.
ويقول هذا الفريق إن شروط “الحزم والشجاعة والقوة تتوافر في العبادي، فهو من قاد البلاد إلى نصر عسكري تاريخي على تنظيم داعش ، الذي احتل نحو ثلث أرض العراق في 2014، وهو من وقف بحزم في وجه الفاسدين وتصدى لهدر المال العام”.
لكن أنصار جناح نوري المالكي، وهو الأقوى داخل حزب الدعوة الآن، يرون أن “المرجعية الدينية في النجف ألمحت إلى أن رئيس الحكومة الجديدة يجب أن يكون من خارج الشخصيات التي تولت هذه المسؤولية سابقا، بمن فيها العبادي”.
ويقول سامي العسكري، وهو المستشار الخاص للمالكي، إن خطاب المرجعية أشار إلى “بقاء الحكومة الحالية وتنفيذ ما تستطيع من طلبات المتظاهرين”، لكنه أشار أيضا إلى أن “رئيس الحكومة القادم هو ليس من الذين تولوا هذا الموقع سابقا”.
وحرك خطاب المرجعية عجلة المفاوضات الراكدة منذ نحو أسبوعين بسبب انشغال الحكومة بالاحتجاجات الشعبية الواسعة التي خرجت في تسع محافظات عراقية ضد فساد الطبقة السياسية وسوء إدارتها للبلاد ونقص الخدمات الأساسية وتفشي البطالة.
ونقلت صحيفة “العرب” عن مصادر سياسية في بغداد ، إن “معظم الأطراف السياسية جددت مشاوراتها الداخلية، وأعادت تكليف مفاوضيها بجس نبض الأطراف الأخرى”.
ويتوقع مراقبون أن تتمّ المصادقة على نتائج انتخابات مايو/أيار العامة قريبا، بعد جدل بشأن نزاهتها استغرق وقتا طويلا وفرض عملية عدّ وفرز يدوية لجزء من أصوات الناخبين، ما يتيح للبرلمان الجديد فرصة عقد جلسته الأولى الشهر القادم أو مطلع الشهر الذي يليه على أقصى تقدير، حيث سيعلن عن المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة.
ومع عودة عجلة المفاوضات إلى الدوران، تقول مصادر سياسية إن “أطرافا داخل البيت السياسي الشيعي، تطرح اسم طارق نجم ليكون مرشحا منافسا للعبادي على منصب رئيس الوزراء في الحكومة الجديدة”.
ونجم هو أحد أبرز “قيادات الظل” في حزب الدعوة الحاكم، وسبق له أن شغل منصب مدير مكتب المالكي في حكومته الأولى بصلاحيات واسعة، قيل إنها تناظر صلاحيات رئيس الوزراء نفسه.
ويروج مقربون من المالكي أن نجم يحظى بقبول كوردي، فيما لن تمانع واشنطن أو طهران توليه هذا المنصب نظرا لعلاقاته الجيدة بالعاصمتين، وهي تقديرات يقلل مراقبون من قيمتها.
وسبق لنجم أن رفض تولي منصب رئيس الوزراء العام 2014، بسبب رغبة المالكي في الحصول على ولاية ثالثة، ما فتح الطريق أمام العبادي لشغل المنصب.
وإلى جانب نجم، تطرح أطراف شيعية اسم مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، لشغل منصب رئيس الوزراء، فيما عاد اسم السياسي المخضرم، عادل عبدالمهدي، إلى خارطة التوقعات مجددا مع حظوظ أقل.
وكان مصدر في مجلس شورى حزب ‹الدعوة›، كشف لـ(باسنيوز) في وقت سابق من الشهر الجاري ، عن تمسكِ الحزب بمنصبِ رئاسة الوزراءِ وحصر الترشيح بشخصية من قبله.
وقال المصدر لـ(باسنيوز)، إن «مسألةَ ترشيح شخصية لتولي منصب رئيس الوزراء قد حسم لصالح مرشح من الحزب»، مضيفاً أن «هذا الأمر تم حسمه من قبل أعضاء مجلسِ شورى الحزب».
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن «هناك اتفاق جرى بين حيدر
العبادي ونوري المالكي، بشأن توحيد صفوف حزب الدعوة من أجل إيصال مرشح الحزب لرئاسة الوزراء»، رافضاً الكشف عن اسم المرشح المطروح بالصدد.
فيما كان قيادي في ‹الدعوة›، قد كشف لـ(باسنيوز)، عن وجود شبه اتفاق داخل الحزب على ترشيح طارق نجم لرئاسة الوزراء في الحكومة الجديدة، وأكد أن نجم يحظى «برضى إيراني – أمريكي».
وقال القيادي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ (باسنيوز): «حسب المعطيات، فإن رئيس الوزراء المقبل لن يكون حيدر العبادي ولا هادي العامري»، مبيناً أن «طارق نجم هو إلى الآن الأوفر حظاً، فمجلس الشورى في الدعوة يدعم ويؤيد ترشيح طارق نجم لرئاسة الوزراء».
وذكر أن «طارق نجم كان المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الوزراء من حيدر العبادي قبل أربع سنوات، لكن نجم لم ينافس العبادي وقرر عدم الدخول معه في صراع شخصي، لهذا سحب ترشيحه في الفترة الماضية»، حسب قول القيادي.
ومع ذلك، ما زال العبادي هو المرشح الوحيد المطروح بشكل علني، لكن حظوظه تتراجع تدريجيا، لا سيما بعد تبني مرجعية النجف لمطالب المحتجين وحث الحكومة المتورطة في قمعهم على الإصغاء لأصواتهم، بالتزامن مع تسريبات عن انشقاقات محتملة في قائمة النصر التي يتزعمها رئيس الوزراء.
وبحسب مصادر سياسية في بغداد، فإن “حزب الفضيلة الذي حاز على 9 مقاعد، ربما يخرج من قائمة النصر بزعامة العبادي، التي تملك 42 مقعدا بحسب نتائج الانتخابات غير النهائية”.
ويقع حزب الفضيلة ضمن دائرة النفوذ الإيراني في العراق، لذلك كان مستغربا منذ البداية مشاركته في الانتخابات ضمن قائمة النصر بزعامة العبادي، التي تعتبر قريبة من النفوذ الأميركي في العراق.
وفي حال كانت هذه المعلومات دقيقة ، فإن انشقاق الفضيلة عن النصر لن يكون الأخير الذي يضرب قائمة العبادي، بل ربما يمهّد لانشقاقات عديدة.
ويحاول رئيس الوزراء تدارك التداعي الكبير في شعبيته بإجراءات استثنائية، خلال المدة القصيرة المتبقية له في المنصب، بعدما فشلت حكومته في ملف الخدمات وأصرت على مجابهة المحتجين بالقوة المفرطة، ما تسبب في مقتل وجرح الكثيرين.
وقرر العبادي سحب يد وزير الكهرباء قاسم الفهداوي وفتح تحقيق عاجل معه على خلفية التردي الكبير في قطاع الطاقة، فيما شكل لجنة رفيعة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في مؤسسات مختلفة، تشرف بشكل مباشر على ملف الخدمات والإعمار.
وتقول المصادر إن “العبادي ربما يلجأ إلى إجراءات مماثلة مع وزراء آخرين، على أمل امتصاص غضب ونقمة المحتجين، الذين تلقوا دفعة قوية، الجمعة، عندما تبنت مرجعية النجف مطالبهم”.
ووصف مراقبون إجراء العبادي بحق وزير الكهرباء بأنه “محاولة لتقديم كبش فداء، أملا في استعادة شعبيته المتضررة”.
وتلقى مدونو مواقع التواصل الاجتماعي العراقي خبر سحب يد وزير الكهرباء بالكثير من السخرية، متسائلين عن سبب الصبر عليه حتى انتهاء عمر الحكومة، بالرغم من أن تردي قطاع الكهرباء مستمر منذ 4 أعوام.