.
توج الفيلم الروائي (تورن) من إخراج وإنتاج نوزاد شيخاني بالجائزة الكبرى (الزيتونة الذهبية) في الحفل الختامي لمسابقات المهرجان الدولي للفيلم العربي في مكناس عاصمة السينما العربية. جاء التتويج بحضور نجوم السينما العربية في مقدمتهم الفنانة المصرية بوسي والفنان القدير محمود قابيل وكوكبة من السينمائيين والفنانين والصحافة والاعلام وجمع غفير من الجمهور
وقد أجريت حواراً مع صديقي المخرج نوزاد شيخاني
– شكرا لدعوتكم الكريمة لإطلاعنا على مقاطع من الفيلم.
* أهلا بك … أنت أول شخص بعد السيد الوالد تشاهد مقاطع من الفيلم لإعتزازي بك كباحث في التاريخ الأيزيدي، ولما تقوم به من جهد كبير في توثيق ملفات مهمة عن جينوسا الايزيدية في آب 2014.
– هل فعلا بدأت بوادر السينما الأيزيدية بفيلم (تورن)؟
* بل انها بدأت بالفعل مع الفيلم الروائي (تورن – الحنين الى لالش) الذي يعتبر أول فيلم روائي طويل في التاريخ ينتج عن الأيزيديين، لذا سميته الولادة الأولى للسينما الأيزيدية.
– ماذا تعني كلمة تورن؟
* تورن هو أسم من الأسماء الأيزيدية القديمة، معناه الإنسان الأصيل المتشبث بأرضه وتاريخه وتراثه.
– ماذا يمثل تورن؟ وما هي فكرة الفيلم؟
* تورن يمثل ضحية مثل مئات الالاف من الضحايا الأيزيديين الذين يتعرضون باستمرار الى حملات الابادة الجماعية التي ترتكب ضدهم على مر التاريخ، وقد شهدنا على آخرها ونحن في القرن الواحد والعشرون على يد ما يسمى (تنظيم الدولة الأسلامية). الفيلم يتحدث عن معاناة شاب أيزيدي من ولادة احدى دول الإتحاد السوفيتي السابق بعد هروب ونجاة عائلته من حملات الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحقهم من قبل العثمانيين في عام 1915 بعد ابادة المئات من أهالي القرى الأرمنية والأيزيدية في وطنهم ووقوع الكارثة الإنسانية المعروفة ب “مذابح الأرمن” حيث فر الناجون منهم الى دول الإتحاد السوفيتي السابق.
– وما علاقة الفيلم بتنظيم الدولة الاسلامية؟
* أهمية الفيلم تكمن في الرجوع قليلا الى التاريخ وتسليط الضوء على المآسي وكوارث القتل الجماعي التي ترتكب دائما بحق الأيزيديين الأبرياء ومحاولة تصفيتهم تحت ذرائع ومسميات وهمية من أجل تنفيذ أجندات ومصالح دنيئة في المنطقة، منها تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين وطمس هويتهم الغنية بالإرث الحضاري والتاريخي.
– هل تتوقع بانتاج أفلام أخرى عن الأيزيدية؟
* هذا الفيلم هو بداية مشروع لأفلام سينمائية أخرى نفكر بانتاجها في المستقبل. الأماني المفقودة للشعب الأيزيدي ومعاناتهم الانسانية تستحق أن تعالج عن طريق السينما (الفن السابع) لأهميتها العالمية ونفوذها المباشر.
– وماذا عن جينوسايد الايزيدية في آب 2014؟ ألا يستحق بأعمال سينمائية عنه؟
* بكل تأكيد سأعمل على انجاز فيلم روائي طويل عن هذه التراجيديا الانسانية، ولقد بدأت بالفعل في رسم خطوط ملامحه، وأهمية هذا الفيلم ستكون مضاعفا بعد عرض فيلم “تورن” في دور السينما العالمية والمهرجانات السينمائية الدولية واطلاع العالم على حقيقة المآسي والكوارث الانسانية التي حلت بالأيزيديين عبر التاريخ.
– ماذا تريد أن تقول من خلال فيلم تورن؟
* أردت من خلال هذا الفيلم الميلودرامي أن انقل وأوجه العديد من الرسائل المهمة الى عدة أطراف.
– من هم هؤلاء الأطراف، أطراف عالمية مثلاً؟
* جزء من رسالتي أن أعرّف العالم أجمع وبصورة غير مباشرة عن أصالة الشعب الأيزيدي وقدمه الذي يرتبط بقدم الإنسان وعصر تقديس الأمومة مرورا بميسوبوتاميا، وعن فلسفته اللاهوتية المؤمنة بالخالق الواحد.
– من ملاحظتي للفيلم شاهدت بأنك تطرقت وبشكل درامي مؤثر الى حملات الابادة، لماذا هذا المشهد تحديدا؟
* هذا المشهد بالذات أخذ مني وقتا طويلا في المونتاج لأني استخدمت طريقة معقدة في تركيب المشاهد باسلوب تراجيدي مع ادخال المونولوج كي يكون تأثيره بالغا ومجسدا للمتلقي، أريد في هذا المشهد تحديدا أن أنبه العالم عن الخطورة التي تداهم الأيزيديين نتيجة حملات الابادة الجماعية المستمرة ضدهم، وهروب الناجين منهم وتشتتهم في بقاع العالم بحثا عن أوطان تحميهم من جحيم الأفكار الهمجية المتطرفة التي تلاحقهم باستمرار.
– كما يبدو من ملاحظاتي أنك تطرقت في الفيلم الى حملة ابادة الأرمن، ما هو القصد في ذلك؟
* ارتكبت الدولة العثمانية بحق أبناء أيزيدخان والأرمن معا في عام 1915 مجازر بشعة وحملات إبادة جماعية لأسباب دينية وعرقية، ولأسباب تتعلق بإعادة ديموغرافية المنطقة. وبما انه كان هناك مئات الالاف من الضحايا الأيزيديين ضمن ما يعرف دوليا بمذابح الأرمن، ونظرا لعدم الاشارة الى ابادة الأيزيديين رسميا في المحافل الدولية جنبا الى جنب مع ضحايا الأرمن والتعتيم الاعلامي حول هذا الموضوع، لذا كانت من بين رسائل الفيلم المهمة هي تدويل هذه القضية وربط الأيزيديين مع الأرمن في حملات الابادة المشار اليها لأهمية هذا الموضوع للأيزيديين دوليا من جهة، ولكرامة الانسانية من جهة أخرى.
– في نهاية الفيلم تود أن توضح فلسفة روحية ومعالجة موضوع حساس ومهم للغاية، ما المغزى من ذلك؟
* أستطيع القول دون الدخول الى التفاصيل بأن جزء من مشاهد الفيلم يكشف الفلسفة الروحية بين “لالش” المعبد الرئيسي لعموم الأيزيديين وبين “المزارات الأيزيدية” التي تبنى خاصة في دول الاتحاد السوفيتي السابق على يد جيل جديد من الذين نجوا ابائهم وأجدادهم من حملات الابادة الجماعية والتركيز على حجم المصاعب التي تواجههم في الحفاظ على انتمائهم ومعتقدهم، وأيصال معاناتهم الى المجتمع الدولي وحتى المجتمع الأيزيدي.
– هناك مناشدة للمجلس الروحاني والمراجع الدينية حول خطورة ضياع العديد من شبابنا لو لم يتم اتخاذ قرار بحمايتهم وأيوائهم، ماذا تريد أن تقول؟
* بالفعل اخر رسائل الفيلم هي مناشدة المثقفين الأيزيديين والمرجعية الدينية التي تراجعت عن أداء دورها وواجباتها تجاه شعبها ورعاياها لدراسة المصاعب التي تواجه المجتمع الأيزيدي في ظل التحديات وإتخاذ القرارات الجريئة التي تمكنها من اعادة ترتيب البيت الأيزيدي بعد التناقص المستمر في أعدادهم واحتواء ابنائهم من الضياع والحرمان.
– ما الحل في وجهة نظرك؟
* العمل الجاد مع الجهات الدولية العليا ومنظمات حماية الشعوب المنقرضة لانتزاع قرار يضمن به حق توفير الحماية الدولية للأيزيديين في الحاضر والأجيال القادمة من الهجمات الشرسة التي تمارس بحقهم والحلول دون انصهار الناجين منهم في مجتمعات خارج وطنهم والذي يؤدي الى انقراض شعب بأكمله.
– الفيلم يدعو الى المحبة والسلام، هل اعتمدت على النصوص الدينية لدى الايزيديين؟
* نعم فيلم تورن يهدف الى زرع بذور الحب والأنسانية والتعايش السلمي بين جميع الشعوب وتشجيعها لبناء أمة محبة للخير والسلام وهناك مشهد في الفيلم يتم الاشارة الى نص ديني يؤكد ذلك.
– الفيلم باللغة الجورجية والكورمانجية، أغلب الممثلين جورجيين لكن مع وجوه أيزيدية أيضا.. هل سيتم ترجمته الى لغات عالمية؟
* من المؤكد سنسعى الى اصدار عدة نسخ من الفيلم وبلغات مختلفة كي يكون انتشار الفيلم على أوسع نطاق، وضمن استراتيجيتنا كي يكون هذا العمل أكثر ناجحا هي أن ندبلج الفيلم الى عدة لغات بدلا من الترجمة منها الانكليزية، الألمانية، الروسية والعربية.
– بقي لنا أن نسأل ماهي مصادرك في تمويل هذا الفيلم؟
* عندما يتعرض شعبنا على خطر حقيقي يهدد وجوده وبقائه يتحتم على كل انسان أن يترك جميع مصالحه الشخصية وأن يضحي بكل ما يملك في سبيل الدفاع عن شعبه وتخفيف معاناتهم وهذا واجب أخلاقي وشعور حي يتعلق بضميره تجاه انسانيته وكرامة شعبه، فيلم تورن بكامل مراحله من تمويلي الشخصي دون اي دعم مالي من أية جهة تذكر، وسوف لن أبخل بكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات مالية وفكرية ومهنية للدفاع عن شعبي وعن جرحه الذي لا يرحم التاريخ وأعداء البشرية في وقف نزيف دمائه الطاهرة.
– لكن لماذا لا تطلب الدعم وهل أنت قادر في المستقبل أن تمول مشاريع أفلام أخرى؟
* تأكد لو كان عندي مشروع أي فيلم، ولو كنت منتظرا وطالبا دعما ماديا، تأكد سوف لن أقدر على إنجاز أي شيء ولكان حالي الآن مثل أي شخص آخر لا يقدر أن ينفع شعبه بقشة. لكن في الوقت نفسه أرحب بكل من يجد في نفسه موقع المسؤولية تجاه شعبه وقضيته وتجاه الإنسانية في تقديم الدعم والعون من أجل الديمومة والإستمرارية في إنجاز أعمال فنية وسينمائية تخدم واقعنا وتطلعاتنا الإنسانية.