تتخذ دول الإتحاد الأوروبي ومنذ بروز الأزمة الأخيرة مع ايران, نهجا مختلفا عن نهج الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الملف النووي الإيراني, ففيما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل عام إنسحاب بلاده من الإتفاق الذي وقعته إدارة سلفه باراك أوباما ضمن مجموعة 5+1 مع ايران, فإن الدول الأوروبية المشاركة في الإتفاق وهي كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تسعى لمنع إنهيار هذا الإتفاق الذي جاء حصيلة جهود عدة سنوات من المفاوضات الشاقة التي جرت بين الطرفين وقبل التوصل اليه وتوقيعه من قبل جميع الأطراف عام 2015.
وفي آخر مسعى لتلك الدول لإنقاذ الإتفاق النووي بعد الإنسحاب الأمريكي منه وتهديد ايران بعدم الإلتزام ببعض بنوده, عقدت تلك الدول الأوروبية الثلاث بالإضافة الى روسيا والصين إجتماعا في فينا يوم الجمعة الماضية بمشاركة إيران, اعتبرت فيه أن الاتفاق النووي الإيراني 2015 لا يزال عنصراً رئيسياً في منع الانتشار النووي عالمياً, حاظّة ايران على عدم ارتكاب “خطأ” عدم تنفيذ التزاماتها التي ينص عليها الاتفاق.
لكن الأمر اللافت كان هو إعلان كل من فرنسا والمانيا وبريطانيا أن آلية ”إنتكس“ التجارية وهي آلية خاصة تسمح للاتحاد بالتجارة مع إيران وتفادي العقوبات الأميريكية أصبحت جاهزة للعمل بحسب البيان الصادر عقب الإجتماع, مشيرا إلى أن الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي “ستكثف جهودها لرفع العقوبات” من أجل تطبيع العلاقات التجارية مع ايران.
ومن جانبه فقد اكد المبعوث الصيني في محادثات فينا على رفض بلاده للعقوبات المفروضة على ايران مؤكدا على رفض بلاده لسياسة الولايات المتحدة بفرض حظر كامل على بيع النفط الخام الإيراني. وتأتي تصريحات المبعوث الصيني بالتزامن مع وصول تقارير صحفية تفيد بأن الصين استلمت أول شحنة من إمدادات النفط الخام الإيراني، منذ إلغاء الإعفاءات الأمريكية , وان شحنات أخرى في طريقها الى بكين.
هذه التطورات تشير الى فتح ثغرات في جدار الحصار الأمريكي لأيران الذي مضى قرابة الشهرين على فرضه وبمايهدد بالإطاحة بخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتطويق ايران وتحجيم قدراتها العسكرية ونفوذها في المنطقة. لكن الولايات المتحدة سارعت الى سد هذه الثغرات عبر لغة التهديد. فقد أعلن المبعوث الأمريكي الخاص لإيران براين هوك بان بلاده ستعاقب أي دولة تستورد النفط الإيراني لافتا الى ان بلاده ستنظر في تلك التقارير التي تشير الى بيع نفط ايراني للصين. وأما بالنسبة لآلية إنتكس فلم يصدر اي رد فعل أمريكي حيالها بغير الموقف الأمريكي العام الذي طالما خيّر الشركات الأوروبية بين التعامل مع طهران او واشنطن.
غير أن شكوكا تحوك حول مدى نجاح مثل هذه المحاولات في خرق الحصار, وتبدو ايران أول المشكّكين! إذ أعلنت طهران أن بيان فينا غير كاف مطالبة دول الإتحاد الأوروبي بالوفاء بالتزاماتها بالإتفاق النووي وأهمها رفع العقوبات الإقتصادية عن ايران ومعربة عن أملها بعدم إخفاق آلية إنتكس. وأما بالنسبة لشراء الصين للنفط الايراني فهنك شكوك حول استخدام بكين له كورقة لتحقيق مكاسب اقتصادية في نزاعها التجاري الأوسع مع واشنطن.
ومع تعويل الإدارة الأمريكية على العقوبات الإقتصادية للحد من قدرات ايران وعدم تبنيها خيار الحرب, فإن هذه الإدارة ستلقي بكامل ثقلها خلف عدم السماح بخرق هذه العقوبات, لأن اي تمرد أوروبي او صيني عليها سيعني هزيمة الرئيس الأمريكي المنكرة في صراعه مع ايران وبما يبدد أحلامه في الجلوس أربع سنوات أخر في البيت الأبيض. وفي حالة