.
هددت إيران قبل أسبوع وتحديدًا في السابع عشر من يونيو (حزيران) الجاري، بتجاوز الحد المسموح به – بموجب الاتفاق النووي – من مخزونات اليورانيوم المخصب، وذلك في حال عدم تلقيها ردًا من الدول الأوروبية، للمحافظة على الاتفاق النووي الذي وُقِع عام 2015، وانسحبت منه أمريكا مؤخرًا.
وأعلن المتحدث باسم «منظمة الطاقة الذرية الايرانية» في مؤتمر صحافي أن بلاده زادت من كمية إنتاج اليورانيوم المخصب إلى أربعة أضعاف بنسبة 3.67%، وهو الحد المسموح به بموجب الاتفاق النووي، إلا أنه أكد على أن إنتاج بلاده من اليورانيوم المخصَّب سيزداد «بوتيرة متسارعة».
موضحًا أن «إيران ستتخطى مستوى 300 كجم من اليورانيوم المخصب في غضون 10 أيام»، حسبما نقلت «وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)».
يأتي ذلك في فترة تشهد توترًا كبيرًا بين إيران وعدوها اللدود: الولايات المتحدة، خاصةً بعدما أعطت إيران في مايو (أيار) الماضي الدول التي لا تزال موقّعة على الاتفاق مهلة 60 يومًا للالتفاف على العقوبات الأمريكية، التي أعادت واشنطن فرضها عليها بعد إعلان دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق من جانب واحد في مايو 2018.
التأكيد الإيراني على التصعيد في حال عدم تلقيها ردًا من الدول الأوروبية أثار تساؤلات عدة، أبرزها: كم من الوقت يلزم إيران لامتلاك قنبلة نووية، في حال مضيها قدمًا في برنامجها النووي؟
ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال، وتحديد الوقت اللازم لامتلاك إيران قنبلة نووية، لابد أولًا من توضيح بعض الأساسيات الضرورية لاستيعاب حقيقة القدرات الإيرانية الحالية، واستنباط الجدول الزمني النظري للوصول إلى السلاح النووي.
1. ماذا يعني تخصيب اليورانيوم؟
يُستَخدَم اليورانيوم في تشغيل محطات الطاقة النووية وتصنيع القنابل النووية؛ لأن بعض نظائره الذرية قابلة للانشطار، أي يمكن تقسيم ذراتها بسهولة لتطلق الطاقة.
يحتوي اليورانيوم المنضب حديثًا على أكثر من 99٪ من نظير يسمى اليورانيوم 238، وهو غير انشطاري، بالإضافة إلى جزء ضئيل من اليورانيوم 235، وهو انشطاري.
هنا يأتي دور التخصيب الذي هو عملية صناعية لزيادة نسبة اليورانيوم 235. يتم ذلك عادة عن طريق تمرير اليورانيوم عبر أجهزة الطرد المركزي، التي تدور بسرعات عالية، لفصل اليورانيوم 235، الأخف من اليورانيوم 238.
تعمل محطات الطاقة النووية التجارية بوقود اليورانيوم منخفض التخصيب، الذي يحتوي على 3-5٪ من اليورانيوم 235. ويمكن بالمعالجة الإضافية إنتاج يورانيوم عالي التخصيب، يحتوي على أكثر من 20٪ من اليورانيوم 235.
2. كيف يرتبط تخصيب اليورانيوم بصنع الأسلحة النووية؟
تُستَخدَم التكنولوجيا ذاتها لتخصيب اليورانيوم، إما لتوليد الطاقة النووية أو تصنيع الأسلحة النووية، التي تحتوي عادة على يورانيوم مخصب بنسبة 80٪ من اليورانيوم – 235 أو أكثر.
يمكن أيضًا تصنيع الأسلحة النووية بالبلوتونيوم. لكن لاتخاذ هذا المسار، ستحتاج إيران إلى تشعيع اليورانيوم في «مفاعل أراك» النووي، وبناء منشأة إضافية لفصل البلوتونيوم عن الوقود المستهلك. في الوقت الحالي، يعتبر النشاط النووي المتعلق باليورانيوم هو الخطر الأكثر إلحاحًا من وجهة نظر المجتمع الدولي.
يتطلب تصنيع سلاح نووي أكثر من إنتاج يورانيوم عالي التخصيب أو البلوتونيوم، لكن الخبراء يعتبرون ذلك عمومًا الخطوة الأكثر استهلاكًا للوقت، كما أنها المرحلة الأكثر ظهورًا أمام المراقبين الخارجيين، لذلك فهي مؤشر مهم على تقدم البلد على هذا المسار.
3. كيف بدأت الفكرة النووية في العقل الإيراني؟
يعود اهتمام إيران بالتكنولوجيا النووية إلى خمسينات القرن العشرين، عندما تلقى شاه إيران مساعدة فنية من الولايات المتحدة في عهد الرئيس أيزنهاور أواخر الخمسينات ضمن برنامج «الذرة من أجل السلام».
وبالرغم من انتهاء المساعدة الأمريكية مع قيام الثورة عام 1979، إلا أن إيران واصلت اهتمامها بالتكنولوجيا النووية، وطورت دورة وقود نووي مكثفة، بما في ذلك قدرات التخصيب المتطورة، التي أصبحت موضوع مفاوضات وعقوبات دولية مكثفة بين عامي 2002 و2015.
بدأت إيران برنامجها السري لتطوير أسلحة نووية في عام 1984، وتواصلت مع العالم النووي الباكستاني عبد القادر خان، الذي منح إيران تصميمات حاسمة لأجهزة الطرد المركزي، يمكن استخدامها لتخصيب اليورانيوم من أجل تشغيل المفاعل وصنع الأسلحة النووية.
4. إلى أين وصل البرنامج النووي الإيراني قبل خطة العمل المشتركة الشاملة؟
يمكن القول إنه خلال السنوات التي سبقت إبرام صفقة عام 2015، حسنت إيران من أدائها النووي، ويعتقد المراقبون على نطاق واسع أن بإمكان طهران إنتاج مواد كافية لدفع عجلة برنامج الأسلحة النووية.
قبل الصفقة النووية، كانت إيران تخصب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20٪، وهو مستوى يجعلها قريبة بشكل خطير من المطلوب لصنع سلاح نووي، على الرغم من أن الأمر يتطلب الكثير من العمل للانتقال من نسبة التخصيب الحالية البالغة 3.67٪ إلى 20٪، إلا أن ما تحتاجه إيران هو قفزة قصيرة نسبيًا في الوقت والجهد للوصول إلى نسبة 90٪ المطلوبة لصنع القنبلة النووية.
ويؤكد مسؤولو إدارة أوباما أن إيران قبل الصفقة النووية كانت على بُعد أسابيع فقط من امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي، لكن هذا مجرد جدول زمني نظري، يقدر المدة التي ستستغرقها إيران لتخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة واحدة.
قبل دخول خطة العمل الشاملة المشتركة حيز التنفيذ تابعت إيران برنامجها لتخصيب اليورانيوم وغيرها من المشاريع التي زودتها بالقدرة على إنتاج المواد الانشطارية التي تستخدم في صنع القنابل وتطوير الأسلحة النووية، إذا اختارت القيام بذلك.
في عام 2003 خلُصَت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى أن إيران انخرطت في أنشطة نووية سرية، لبناء القدرة على إنتاج المواد الانشطارية محليًا. وأكدت أن إيران كان لديها برنامج منظم للحصول على الأسلحة النووية قبل عام 2003. واستمرت بعض هذه الأنشطة حتى عام 2009، لكن لم ترصد الوكالة مؤشرات على حدوث أنشطة تسليح بعد ذلك التاريخ.
5. ما هي القيود التي وضعها الاتفاق النووي على البرنامج الإيراني؟
أسفرت المفاوضات بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة – أو ما يُعرف بـ«P5+1» وإيران؛ عن خطة عمل شاملة مشتركة (JCPOA) في يوليو (تموز) 2015، وهي اتفاقية نووية مدتها 25 عامًا تحد من قدرة إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات.
وفي 16 يناير (كانون الثاني) 2016، رُفِعَت جميع العقوبات ذات الصلة بالأسلحة النووية عن إيران؛ مقابل تقدمها في تلبية المعايير الرئيسية للصفقة التي بموجبها وافقت إيران على الحد من برنامج تخصيب اليورانيوم، لكنها احتفظت ببعض التكنولوجيا والمواد اللازمة لإنتاج الوقود اللازم لصنع سلاح نووي.
سُمِحَ لإيران بالاحتفاظ بما يصل إلى 300 كيلوجرام، أو 660 رطلًا، من اليورانيوم المُخَصَّب إلى 3.7٪، ووافقت الجمهورية الإسلامية على وقف تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 5٪.
بموجب شروط الاتفاق النووي لا يمكن لإيران تخزين ما يزيد عن 300 كيلوجرام، أو حوالي 660 رطلًا من اليورانيوم منخفض التخصيب. ولأنها كانت تمتلك كمية أكبر مما يسمح به الاتفاق شحنت بقية اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلاد.
فرض الاتفاق النووي قيودًا أخرى على البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك تطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي يمكنها تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر. كما اشترط الاتفاق أن تفتش «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» المواقع النووية الإيرانية.
يحد الاتفاق النووي أيضًا من كمية اليورانيوم التي تستطيع إيران تخصيبها، وإلى أي مستوى. ويحدد كمية اليورانيوم المخصب التي يمكن لإيران تخزينها، وعدد وأنواع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تستخدمها، وأنواع أنشطة البحث والتطوير التي يمكن أن تقوم بها.
وضعت كل هذه القيود لمنع العلماء الإيرانيين من جمع ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع سلاح نووي – ما بين 10 إلى 30 كيلوجرامًا تقريبًا (22 إلى 65 رطلًا)، اعتمادًا على تصميم الجهاز وتطور صناع القنابل وخبرتهم – في أقل من سنة. ويعتبر هذا التأخير فترة كافية لإعطاء المجتمع الدولي الوقت للرد إذا قررت إيران امتلاك أسلحة نووية.
كما يقيد الاتفاق أبحاث فصل البلوتونيوم في إيران، ويشترط قبول عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من أن طهران لا تستخدم الأنشطة النووية السلمية كغطاء لإنتاج الأسلحة.
6. ماذا لو نفذت إيران تهديدها بتسريع برنامجها النووي؟
كان الهدف الأساسي للاتفاق النووي عام 2015 – المبرم بين إيران، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين – هو تأخير إيران لمدة سنة واحدة على الأقل عن تطوير ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لتصنيع قنبلة نووية.
بيد أن إيران كانت تمتلك بالفعل مخزونًا من اليورانيوم المخصب يصل إلى 20٪، وهو ما يمكن أن يسرع قدرتها على تجميع الوقود لصنع سلاح. وإن كانت ستحتاج إلى الاستمرار في التخصيب إلى ما يصل إلى 90٪ أو أعلى لإنتاج سلاح.
ويقول ترامب وكبار مسئولي الإدارة: إن الرئيس باراك أوباما سمح لإيران بالاحتفاظ بالكثير من بنيتها التحتية النووية، وأن الصفقة تترك لإيران القدرة على تطوير قنبلة نووية بسرعة في أكثر من عقد بقليل.
استمر العمل الإيراني في تخصيب اليورانيوم بوتيرة متقطعة، لكن يعتقد الخبراء الآن أن إيران إذا خرجت من الاتفاق النووي سيكون بإمكانها إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع سلاح نووي.
وإذا نفذت إيران تهديدها بتسريع برنامجها النووي، فبإمكانها اختصار الجدول الزمني، وبالتالي تصبح أقرب إلى امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي، رغم أن ذلك سيكون خطيرًا للغاية، في ظل استجابة عسكرية متوقعة من الولايات المتحدة وربما من إسرائيل.
حتى الآن، قصرت إيران تهديداتها على زيادة مخزوناتها من اليورانيوم ومستوى التخصيب. إذ تحذر إيران الآن من أنها ستتجاوز قريبًا الحد الأقصى البالغ 300 كيلوجرام، ويمكنها أيضًا تنفيذ تهديدها بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى.
على المدى القريب ربما تحاول إيران إحداث وقيعة بين إدارة ترامب والحلفاء الأوروبيين، على أمل التخفيف من العقوبات التي تقيد اقتصادها. قد تراهن إيران أيضًا على أن ترامب، الذي كان ينتقد التشابكات الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط لا يريد صراعًا، وأن تصاعد التوترات يمكن أن يدفعه إلى المفاوضات.
7. هل فقدت إيران «عذريتها النووية» حقًا ووصلت لنقطة اللاعودة؟
لسنوات ظلت إسرائيل تصرخ بـ«لاءاتها» الأربعة في وجه البرنامج النووي الإيراني: «لا للتخصيب، لا لأجهزة الطرد المركزي، لا لمخزون اليورانيوم المخصب، لا لـ«مفاعل أراك» الذي يعمل بالماء الثقيل».
ورغم الخطوط الحمراء الأمريكية والإسرائيلية، التي أكدت عليها الإدارات المتعاقبة، انتهى المطاف بامتلاك إيران قدرات دورة وقود اليورانيوم كاملة (التصنيع)، وصواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى (التسليم).
في عام 2015 خلُصَ «معهد بلفر» إلى أن «إيران طوّرت قدرتها على إنتاج سلاح نووي، ولا يمكن محو هذه القدرة». حدثت نقطة التحول الحرجة على هذا المسار في عام 2008، عندما أتقنت إيران الدراية الفنية اللازمة لبناء أجهزة الطرد المركزي وتشغيلها لتخصيب اليورانيوم إلى المستويات المطلوبة لبناء نواة القنبلة النووية.
وكتب جراهام أليسون في ذلك الوقت: «تجاوزت إيران عتبة من المؤلم الاعتراف بها، لكن من المستحيل تجاهلها: فقدت عذريتها النووية». وعندما عاد نتنياهو إلى مكتب رئيس الوزراء في عام 2009، وأُطلع على هذه التطورات، صُدم إلى درجة عدم التصديق بحسب الشهادات الصحافية.
في الواقع بعد أن قام رئيس الوزراء الإسرائيلي ومستشاره السابق للأمن القومي، عوزي عراد، بمراجعة الاستخبارات الإسرائيلية بشأن التقدم النووي الإيراني، وجّه عراد الاتهام إلى قادة إسرائيل بسبب تقصيرهم في أداء واجبهم القومي خلال العقد الماضي.
وكما قال في مقابلةٍ مع صحيفة «هآرتس»: «نقطة اللاعودة هي: أن تمتلك إيران القدرة على إكمال دورة إنتاج الوقود النووي بنفسها، إلى جانب عناصر إنتاج المواد الانشطارية، دون الاعتماد على الغرباء. وقد وصلت إيران إلى هذه النقطة الآن».
وبالرغم من أن إيران لا تزال تواجه مشكلات فنية في إنتاج أجهزة طرد مركزي أكثر تقدُّمًا، ولا تمتلك أسلحة معروفة أو مخزونات كافية من المواد الانشطارية لصنع الأسلحة، إلا أنه لا توجد وسيلة لمحو المعرفة والمهارات اللازمة لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة من أذهان آلاف العلماء والمهندسين الإيرانيين.
ولا توجد أيضًا وسيلة للقضاء على قدرة إيران الأصلية على استخراج اليورانيوم، أو تصنيع أجهزة الطرد المركزي أو تشغيلها. وبالتالي، ليس هناك نهاية يمكن تصورها لهذه القصة لا تتضمن احتفاظ إيران بقدرتها على صنع أسلحة نووية.
ولا ننسى أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي ظل يُذَكِّر باستمرار، حتى قبل سنوات من تقييم التهديدات العالمية لعام 2015، أن إيران «لا تواجه أي حواجز تقنية لا يمكن التغلب عليها لإنتاج سلاح نووي؛ مما يجعل الإرادة السياسية لإيران هي القضية المركزية».
لن تمتلك أكثر مما إمتلك صدام