مواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في الخليج
مقدمة:
بإسقاطها طائرة “درون” أمريكية يوم الخميس 20/6/2019، نقلت إيران التوتر والتصعيد مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة إلى مرحلة تحدي خطيرة تبلغ درجة “حافة الهاوية”. تنطلق إيران من أمرين: الأول تقدير مفاده أن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً شاملة ضدها، والثاني: استعداد إيران لخوض المجابهة من مبدأ إبراز أوراق القوة ووسائل الردع المتوفرة لديها لثني الولايات المتحدة عن مخططها الهادف إلى تدمير إيران عبر الحصار الاقتصادي الخانق المفروض عليها وإركاعها، حتى دون عمليات عسكرية واسعة، تتجنبها الولايات المتحدة حتى الأن، حيث لا تملك إيران رفاهية الأنتظار ومشاهدة هذه الاستراتيجية الأمريكية المدمّرة لها مع الوقت.
كما أن وراء تأجيل، أوإلغاء، الرئيس الأمريكي ترامب ضربة انتقامية فورية مقرّرة رداً على الإهانة الإيرانية لهيبتها العسكرية بإسقاط الطائرة المسيرة دون طيار، تكمن المخاوف الأمريكية من عواقب التصعيد العسكري المباشر ضد إيران واحتمال انزلاق الأوضاع إلى نزاع شامل وغير قابل للتحكم به، ووضع المصالح الأمريكية الحيوية وقواتها في المنطقة، مع حليفتها إسرائيل وحلفائها المقتدرين اقتصادياً، في دائرة الاستهداف العسكري المباشر، وتفضيل خيارات أخرى أقل انخراطاً وكلفة عسكرياً وتؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف أوتدمير القدرات الإيرانية.
حفلت الأيام الماضية بتوتر متصاعد في الخليج العربي الإيراني (استهداف ناقلات نفط لعدة مرات، قصف مواقع مدنية وعسكرية أمنية ونفطية داخل أراضي المملكة العربية السعودية بصواريخ وطائرات مسيرة من قبل الحوثيين في اليمن، تهديدات إيرانية بإغلاق مضيق هرمز وضرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة..).
يعود هذا التصعيد إلى تبعات الإجراءات القسرية أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد إلغاء الرئيس ترامب في آيار/مايو2018، الاتفاق النووي مع إيران والأنسحاب الأمريكي وحيد الجانب من خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي الإيراني) بين إيران ودول الخمسة زائد واحد (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا) المبرمة في يوليو/تموز 2015 والتي دخلت حيز التنفيذ في 16 كانون الثاني/يناير 2016، بما ترتب على قرار “ترامب” من إعادة العقوبات الاقتصادية على إيران ووقف استفادة إيران من العودة إلى السوق العالمية الاقتصادية والتبادل التجاري مع الخارج، كما كان مقرراً بموجب الاتفاق النووي والتزام إيران به مقابل عدم ذهاب إيران في طريق الحصول على القنبلة النووية.
لقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية هي الأقسى في تاريخ إيران التي سبق وتعرضت لعقوبات قبل إبرام الاتفاق النووي. تهدف العقوبات إلى جعل صادرات النفط والغاز “صفر” (وهوالعصب الأساسي للاقتصاد) وحظر التعامل مع البنك المركزي الإيراني والبنوك الأخرى وحظر بيع الأسلحة لها وتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، بالإضافة إلى مصادر مالية أخرى، وهي في تصاعد بحيث تفرض حصاراً شبه كامل على إيران. لا توافق أوروبا على هذه السياسة (لأسباب اقتصادية ومخاوف أمنية من الهجرة والأسلحة بعيدة المدى التي تمتلكها إيران والعمليات الارهابية وتجارة المخدرات في حال نشوب صراع عسكري بين طهران وواشنطن، كما أن لألمانيا دور أساسي في تطوير البرنامج النووي الإيراني وتصدير تقنياته).
وكانت فرنسا وألمانيا خصوصاً اعتقدتا أنهما أمام سوق مغرية للاستثمار في البنية التحتية وقطاع النفط والغاز والطيران بُعيد إبرام الاتفاق النووي، إلا إنهما تلقيتا خسارة كبيرة بسبب إصرار الولايات المتحدة وجدّيتها في معاقبة أي شركات أجنبية تعمل في إيران. أمِل الاتحاد الأوربي إيجاد آلية بديلة لأنقاذ الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب أمريكا، إلا أنه لم ينجح، وإيران لا ترضى بآلية تلزمها بالاتفاق النووي دون رفع الحصار عنها.