ستكون فنزويلا على موعد مع إلغاء 5 أصفار من عملتها، في محاولة للتكيف مع التضخم المتوقع أن يصل إلى مليون في المئة هذا العام، جراء التدهور المطرد الذي تعانيه البلاد منذ انهيار أسعار النفط في 2014، ما جعلها عاجزة عن الحفاظ على نظامها الاقتصادي الاشتراكي.
ولكن، ماذا يعني إلغاء الأصفار من العملة؟ وهل سبق فنزويلا أحد في هذه الخطوة؟ وما جدواها وتداعياتها على اقتصاد البلاد والمواطن؟.. “الخليج أونلاين” رصد في سياق التقرير التالي إجابات عن هذه التساؤلات.
حذف 5 أصفار من أي عملة يعني أن المليون من هذه العملة بعد إلغاء 5 أصفار سيصبح 10 فقط، وعند إلغاء 3 أصفار سيصبح 1000 وهكذا، ويتّبع هذا الإجراء عندما تنهار قيمة العملة وتصبح قيمتها الشرائية محدودة أو معدومة.
ولعل أبرز مثال على انهيار قيمة العملة المحلية، هو ما حدث في زيمبابوي، فآخر عملة طبعتها كانت قيمتها 100 تريليون دولار محلي، وكانت هذه القيمة لا تشتري حزمة بقدونس؛ بسبب ارتفاع التضخم إلى أكثر من 1000%؛ ما دفعها في النهاية لإلغاء عملتها المحلية عام 2009 واستبدالها بالدولار الأمريكي والراند الجنوب أفريقي.
وسبق فنزويلا في حذف أصفار العملة عدة دول، فزيمبابوي ألغت 3 أصفار من عملتها عام 2003، والسودان حذف صفرين عام 2007، وألغت بوليفيا ثلاثة أصفار عام 2008، وأزالت رومانيا أربعة أصفار من عملتها عام 2005، وقامت تركيا بشطب ستة أصفار من عملتها عام 2005.
ولكن حذف الأصفار من العملة إذا لم تصاحبه إصلاحات اقتصادية، فإنه لن يغير شيئاً، فهو لا يختلف كثيراً عن تعديل حجم الأوراق النقدية أو تغيير ألوانها أو إضافة رسم جديد لها أو إزالة صورة منها.
ولعل أهم تجربة في حذف الأصفار من العملة المحلية كانت تركيا، مع وجود نوايا في جارتها العراق أيضاً، فالدولتان واجهتا مشاكل عديدة وصعبة؛ بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة. وفيما يلي، استعراض لمحطات هاتين التجربتين.
– تركيا
قبل 13 عاماً وبالتحديد في 1 يناير 2005، أعلنت تركيا إلغاء 6 أصفار من عملتها المحلية (الليرة)، فقد كان التضخم الذي تعانيه البلاد يفرض عليها طباعة أعداد كبيرة من عملتها وبقيم عالية منذ عام 1981.
وكانت العملة الورقية ذات قيمة الـ20.000.000 التي تستعمل في تركيا أكبر عملة ورقية بالعالم، وخلق عدد الأصفار الكبير فيها مشاكل في التعاملات، فمثلاً أصبح صعباً قراءة أرقام عدادات سيارات الأجرة، ولائحة أسعار البضائع، إضافة للأخطاء الحسابية الخطيرة التي كانت تنتج عن عدد الأصفار الكبير.
وبحسب تصريحات للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، في مارس 2008، فإنه لدخول المرحاض في تركيا قبل عام 2005، كان على المواطن التركي أن يدفع مليون ليرة، ليتحول هذا الرقم حالياً إلى ليرة واحدة فقط.
وأثر إلغاء الأصفار الستة من الليرة التركية إيجابياً من ناحية استقرار الأسعار، وتناقص نسبة التضخم إلى نسبة مئوية ذات خانة واحدة.
ولكن حذف الأصفار لم يكن السبب الوحيد لانخفاض نسبة التضخم، فقد رافق هذه الخطوة حالة استقرار اقتصادي تمر بها البلاد، وخطط إصلاح شملت معظم القطاعات الاقتصادية؛ الأمر الذي أدى بصورة مباشرة إلى مكافحة التضخم.
وبعد أن كان معدل التضخم في تركيا 70.8% في عام 2002 قبل وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، بلغ هذا المعدل في يوليو الماضي 15.39%.
– العراق
خلال فترة الحصار الشامل على العراق بين عامي 1990 و2003، ظهرت أزمة اقتصادية عراقية خانقة، قوامها انهيار الصادرات النفطية، وتردي عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي، وارتفاع البطالة والتضخم، وعدم سداد الديون الخارجية، وعجز مزمن في ميزانية الدولة.
ولذلك، فقد كان من البديهي هبوط سعر الصرف بشدة حتى وصلت القيمة التعادلية للدولار إلى 3000 دينار عراقي عام 1995.
وبسبب هذه الحالة، أصبح من اللازم إصدار فئات نقدية جديدة، وصلت قيمتها الاسمية إلى 250 ديناراً، لكنها في الحقيقة، لا تساوي من حيث قيمتها الحقيقية سوى 25 فلساً من قيمة الدينار خلال أعوام السبعينيات.
وعندما احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003، وتواصل انهيار قيمة العملة العراقية، أصبحت الفئات النقدية 5 و10 و15 ديناراً بلا قيمة حقيقية ولا يوجد ما يمكن شراؤه بها؛ لذلك سارعت البلاد لتحل المشكلة بإصدار فئات جديدة من عملتها هي 50 و250 و500 و1000 و10000 و25000 ألف دينار.
وتسبب انخفاض قيمة العملة وإصدار الفئات الجديدة منها، في عدم استقرار بالأسعار وفي مشاكل بعمليات الصرف والبيع والشراء، وفي وجود كتلة نقدية كبيرة يبلغ عدد أوراقها 4 تريليونات ورقة، وتزيد قيمتها على 30 تريليون دينار بمختلف الفئات.
لذلك، أعلن البنك المركزي العراقي في 2011، أنه سيتم حذف 3 أصفار من الدينار العراقي، بهدف تقوية قيمة العملة وخفض التضخم.
ولم يتم تنفيذ الحذف حتى الآن رغم إعلان علي العلاق، محافظ البنك المركزي العراقي، أواخر عام 2016، أن الأمر سيتم مطلع 2017، مؤكداً أن ذلك دعم للدينار العراقي، وجعله منافساً للعملات الأجنبية، لافتاً إلى أن هذا المشروع “الاستراتيجي” سيخدم اقتصاد البلاد؛ إذ سيتم إدراج الدينار ضمن سلة العملات العالمية في البورصات الحيوية، حسب قوله.
الجدوى الاقتصادية
وحول جدوى خطوة حذف الأصفار من العملات المحلية، يقول المحلل الاقتصادي الدكتور أحمد مصبح: إنه “إذا لم تكن العملية مصحوبة بخطط وإصلاحات اقتصادية واضحة، فأعتقد أنها لن تكون مجدية، وهناك العديد من التجارب في السنوات الأخيرة أثبتت ذلك”.
وأضاف: “كانت تجربة تركيا في هذا المجال ناجحة، فقد كان على الناس دفع عدة ملايين من الليرة لشراء قطعة خبز في أوائل عام 2000؛ لذلك قررت أنقرة في 2005 حذف 6 أصفار من الليرة التركية”.
وأشار مصبح لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن حذف الأصفار في تركيا كان مصحوباً بخطط وإصلاحات شملت معظم القطاعات الاقتصادية؛ الأمر الذي أدى بصورة مباشرة إلى مكافحة التضخم.
وعلى النقيض، قررت حكومة زيمبابوي إزالة ثلاثة أصفار من العملة الوطنية (الدولار) عندما بلغ التضخم 1000٪ في عام 2003، ولكنها لم تتبنَّ خططاً واصلاحات اقتصادية سليمة، ليتواصل ارتفاع معدلات التضخم، الذي تسبب بالنهاية في تدمير اقتصاد البلاد وتضاؤل قيمة الدولار المحلي، لتستغني عنه البلاد عام 2009.
ويعتقد مصبح أنه يترتب على إزالة أصفار من العملة تكاليف قد تكون مرهقة لبلد يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة.
وتتمثل هذه التكاليف في رفع الأسعار بالمتاجر والمطاعم، وخلق مشاكل في تحديد الأسعار، ورفع تكاليف إصدار العملات الجديدة وسكها، وانخفاض الصادرات نتيجة لارتفاع قيمة العملة الوطنية بشكل مفاجئ.
ولإزالة الأصفار، حسب مصبح، شق إيجابي يتمثل في تنفيذ الصفقات المالية بصورة أبسط، وتقوية العملة الوطنية وقيمتها مقارنة بالعملات الأخرى، وسهولة الحصول على الائتمان الدولي، واستعادة الهوية والثقة بالعملة، وانخفاض الضغوط التضخمية، والسيطرة على سوق العملات، وامتناع الحكومة عن الإفراط في الإنفاق.