يحتدم الصراع الأمريكي-الإيراني يوماً بعد آخر ويشتد خطر اندلاع حرب مدمرة أقسى وأشد من تينك الحربين اللتين خاضتهما الولايات المتحدة في العراق في عامي 1991 و2003، دون أن تدفع بقواتها البرية إلى الأراضي الإيرانية، أي إنها ستكون بالأساس حرباً جوية تطال أكثر المواقع العسكرية الإيرانية أهمية، إضافة إلى مراكز ومؤسسات النشاط النووي الإيراني والمؤسسات الصناعية الحربية الإيرانية والكثير من مرافق الخدمات الأساسية للقوات المسلحة وللسكان، لاسيما أجهزة الحاسبات الإلكترونية والكهرباء. وسوف لن تصمت إيران، فقواتها العسكرية وحلفاء لها في عدد من دول الشرق الأوسط يمكن أن تتحرك ضد القواعد والقوات العسكرية والمصالح الأمريكية في المنطقة، وسيكون العراق جزءاً من منطقة المعارك الحربية التي ستطاله الحرب إن نشبت فعلاً.
لن تكون الحرب القادمة مجرد نزهة صيفية قصيرة للقوات الأمريكية، كما صورها دونالد ترامپ، أو كما يستهين بها بنيامين نتنياهو، ولا كما يحاول قادة إيران الادعاء بأنهم سيلحقون أفدح الأضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة، كما ادعا ذلك صدام حسين في الحربين التي خسرهما، وكان باستمرار يعطي الانطباع وكأنه المنتصر فيهما. الحرب ليست لعبة أطفال، ومن يبدأ بها لا يمكن أن يتنبأ متى تنتهي، والحرب غالباً ما تلد أخرى، ولكنها في كل الأحوال تترك اثاراً مدمرة ولسنوات طويلة لاحقة.
لقد عاش الشعب العراقي حروباً عدة خلال ثلاثة عقود وأدرك بعمق ومسؤولية معنى أن يتعرض شعب ما لحروب متتالية تستخدم فيها شتى أنواع الأسلحة، بما فيها المحرمة دولياً وذات الفتك الجماعي والتدمير الشامل. وهذا الشعب لا يزال يعاني من عواقب تلك الحروب ونظامه السياسي الراهن هو واحدة من تلك العواقب والكوارث والمآسي والمحن التي نجمت عن تلك الحروب المريرة. ولهذا فالشعب العراقي بكل قومياته ضد اندلاع حرب جديدة في المنطقة، ضد اندلاع حرب أمريكية – إيرانية لا تدمر إيران فحسب، بل يمكن أن تشعل المنطقة بأسرها وتشمل العراق ودول الخليج كلها، ويمكن أن تصل إلى إسرائيل أيضاً بفعل موقفها المحرك أصلاً والمنشط والمشجع لخوض الحرب ضد إيران، لاسيما أن لإيران حلفاء في لبنان وفي غزة والعراق والخلج.
ولكن إذا كان الشعب العراق عموماً ضد الحرب المحتملة، فأن قوى سياسية موجودة في العراق تقف إلى جانب إيران وتحاول دفع الحكومة العراقية إلى الوقوف إلى جانب إيران والتي لا تعني سوى الوقوع ضحية الحرب الأمريكية – الإيرانية وتلقي ضربات مدمرة ليس لنا فيها لا ناقة ولا جمل. فالميليشيات الشيعية المسلحة التابعة لأحزاب إسلامية سياسية، وأغلبها تابع لإيران مباشرة، تعلن صراحة بأنها ستقف ضد الولايات المتحدة وأنها ستضرب المصالح الأمريكية والقوات الأمريكية الموجودة على الأراضي العراقية، وهي بذلك تضع نفسها والشعب العراقي هدفاً لضربات جوية أمريكية مدمرة. ولم يكن هذا التهديد جزافاً بل نفذت بعض الضربات القريبة من مواقع الوجود الأمريكي في العراق لتعلن أنها جادة فيما تهدد!!!
إن هذا الواقع، لاسيما التصريحات غير المسؤولة والصبيانية لكبار مسؤولي الميليشيات الطائفية المسلحة والحشد الشعبي، المتشابك بقوة مع تلك الميليشيات ومع إيران من جهة، ومع الجيش العراقي من جهة أخرى، وعدم وضوح الرؤية في مدى التزام قوات الحشد الشعبي بقرارات الحكومة، دفع رئيس مجلس الوزراء الحالي إلى اتخاذ خطوة أولية مهمة هي:
“1) إغلاق كافة المقار التي تحمل اسم أي من فصائل الحشد الشعبي.
2) على الفصائل المسلحة أن تختار بين الانضمام للقوات المسلحة والخضوع لقرارات القوات المسلحة العراقية، أو الانخراط في العمل السياسي وفق قوانين الأحزاب السياسية.
3) يمنع وجود أي فصيل يعمل سراً أو علناً خارج هذه التعليمات“. (قارن: رئيس الوزراء العراقي يأمر بإغلاق جميع مقار الحشد الشعبي، موقع تلفزيون الحرة، 1 تموز/يوليو 2019).
إن هذا الإجراء المهم يستوجب استكماله إجراء أخر هو سحب الأسلحة التي كانت وماتزال في أيدي هذه الميليشيات المسلحة أو الأشخاص غير المسموح لهم بحمل السلاح وتسليم مخازن سلاحها الموزعة في أنحاء مختلفة من العراق وبكميات كبيرة إلى القوات المسلحة العراقية، إضافة إلى منع أي اتصال بين القوات المسلحة العراقية، بما فيها قوات الحشد، التي يفترض أن تلتحق بالقوات المسلحة العراقية، والقوات الأجنبية، سواء أكانت إيران، أم السعودية، أم بقية دول الخليج، أم حزب الله في لبنان، أم الولايات المتحدة الأمريكية أم إسرائيل.
إن هذا القرار المهم من جانب رئيس الوزراء يستوجب اتخاذ وتنفيذ عدة إجراءات أساسية وضرورية لصالح التطبيق الناجح له، منها:
أولاً: العمل على تنفيذ فعلي لهذا القرار بجوانبه الثلاثة حتى نهاية شهر تموز، يوليو الحالي 2019.
ثانياً: منع انتقال منتسبي الحشد الشعبي إلى جهاز الأمن العراقي، لأن قادتهم في الغالب الأعم إما من حملة الجنسية الإيرانية أو شهادات مزورة إيرانية، إضافة إلى ولائهم المطلق للمرشد الأعلى، كما عبر عن ذلك هادي العامري بشحمة لسانه مثلاً أو قيس الخزعلي أو قائد النجباء.. إلخ، وكذلك الكثير من منتسبي هذا الحشد هم من أعضاء المليشيات الطائفية المسلحة السابقة، وليسوا من الذين تطوعوا تلبية لدعوة المرجعية الشيعية في النجف لـ”جهاد الكفاية” في حينها.
ثالثاً: تشكيل لجنة مستقلة من منظمات مجتمع مدني ونواب مستقلين للرقابة وقضاة نزيهين للإشراف على متابعة عمليات تنفيذ هذا القرار على أفضل وجه ممكن وتقديم تقارير دورية عن كيفية تنفيذه.
رابعاً: نشر التقارير الدورية في الصحافة العراقية والإعلام الحكومي لاطلاع الشعب عن مدى تنفيذ هذا القرار وإجراءاته من جانب السلطة التنفيذية، لاسيما وزارة الدفاع، بعيداً عن تأثير مدير مكتب رئيس الوزراء الجديد المدعو محمد عبد الرضا الهاشمي والملقب بـ “أبي جها الهاشمي” العضو السابق في البعث والتائبفي إيران والملتحق بمنظمة بدر في إيران، والموالي لولاية الفقيه الإيراني ومن الأتباع المطيعين للجنرال الإيراني قاسم سليماني. (قارن: غالب الشابندر، غالب الشابندر يفضح رئيس الوزراء العراقي، فيديو قناة المحمرة Almohammra TV ).
إن مثل هذه الخطوات ستمنع أي تحرك من قوى معينة في العراق لتقديم أي نوع من أنواع الدعم للقوات والحكومة الإيرانية أو الأمريكية، وعدم التدخل في شؤون إيران الداخلية، ومنع أي نوع من أنواع التحرش بالقوات الأمريكية أو مصالحها في العراق ما دامت تلك القوات والمصالح موجودة بموافقة الحكومة العراقية. إنها السبيل السليم لتفادي الانجرار وراء الصراع الأمريكي – الإيراني والسقوط في بؤرته المدمرة وربما الحرب المحتملة.