تراجعت أسعار العقارات في اقليم كردستان خلال الشهرين الأخيرين متأثرة بحالة من التوتر وعدم الثقة بين الحزبين الرئيسين في اقليم كردستان، وتأخر الخروج بالتشكيلة النهائية للكابينة التاسعة لحكومة الإقليم بعد مضى أكثر من تسعة أشهر على انتخابات الدورة الخامسة لبرلمان إقليم كردستان.
ولم تقتصر سلبيات تأخر تشكيل الحكومة على قطاع العقارات بتذبذب أسعارها وتراجع معدلات البيع والشراء نسبياً، بل انعكست على الحركة الاقتصادية والاستثمارية بشكل عام في كردستان التي عادت لحالة شبه الجمود بعد التحسن الإيجابي الذي كانت قد سجلته في الأشهر الأولى للعام الجاري، انعكاساً للخلافات السياسية بين الأطراف الكردية من جهة وعدم رضوخ أفق العلاقة السياسية والاقتصادية مع الحكومة الاتحادية واحتمال دخولها أيضاً في محلة التأزم.
وبحسب مختصون في القطاع العقاري، فأن العلاقات السياسية كلما تأزمت بين الأطراف السياسية لاسيما بين الحزبين الرئيسيين في كردستان، ينعكس ذلك سلباً على حركة السوق والبيع والشراء في كل شيء ومنها العقارات التي تراجعت نسبة البيع فيها الىأكثر من (15%) مع انخفاض الأسعار مجدداً بعد ان كانت قد شهدت تحسناً مطلع العام اثر الاتفاق على الموازنة الاتحادية ووصول رواتب الموظفين بشكل منتظم.
السياسة تحدد حركة الاقتصاد
واثر تأخر تشكيل الكابينة التاسعة لحكومة الاقليم بسبب الأزمة السياسية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وغياب الثقة بين الجانبين على سوق العقارات، كما أكد المدير التنفيذي لشركة “عقارات أملاك” في أربيل سردار آزادالذي قال في حديث خاص لـ”صباح كوردستان”، انه “كنا نتوقع أن يتحسن السوق أكثر لاسيما البيع والشراء في العقارات، لكن حصل العكس، وحركة السوق أصبحت شبه جامدة خلال الأشهر الأخيرة”.
ويضيف آزاد قائلاً: انه “في أي بلد استقرار الوضع السياسي ينعكس طردياً على حركة السوق، فالسوق مرتبط باستقرار الوضع السياسي من عدمه، ولأن الإقليم يمر بمرحلة سياسية متقلبة منذ عدة أشهر، تراجع كثيراً البيع والشراء في العقارات بعموممحافظة أربيل عاصمة اقليم كردستان، مضيفاً ان “السياسة في كردستان أقوى من الاقتصاد، وهذا يعني انه كلما حصلت مشكلة في الشأن السياسي للإقليم يمر الاقتصاد بحالة حرجة، ولعدم وجود تفاهم أو استقرار سياسي بين الحزبين الرئيسين فالسوق في كردستان منذ عدة أشهر شبه جامدة تقريباً”.
سلبيات تأخير تشكيل الحكومة
وعن كيفية اخراج السوق من الجمهود الذي فيه، يرى المدير التنفيذي ان “اتفاق الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في المرحلة الحالية والاتفاق على تشكيل الحكومة بأسرع وقت يمكن ان يساهم الى حدٍ كبير في زيادة حركة ونشاط السوق، واذا استقر الوضع السياسي بينهما فبالتأكيد سيعود الوضع الاقتصادي الى سابق عهده كما كان قبل الأزمة الاقتصادية عام 2014”. ومن أجل تحسن السوق، يضيف مراقبون الى مسألة الاتفاق السياسي بين الحزبين الكرديين الكبيرين، مسألةالتوصل الى اتفاق نهائي ودائم مع الحكومة الاتحادية خاصةّ بشأن مبيعات النفط لضمان وصول موازنة الاقليم بشكل دائم، وعن سلبيات تأخير تشكيل الحكومة وانعكاساتها السلبية، يرى سردار عمر ان الحكومة الحالية هي “حكومة تصريف أعمال وليس بمقدورها تخصيص ميزانيات للمشاريع وخصوصاً في حقول الاعمار، فبالتأكيد بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤخر عمل مشاريع المستثمرين، إلا أنه لو تشكلت الحكومة بسرعة وصُرفت الأموال المخصصة للمشاريع الضخمة والمتوسطة لاسيما في البناء فبالتأكيد وضع السوق سيكون أفضل مما هو عليه الآن”.
تأثير العوامل الخارجية على اقتصاد الإقليم
وتحسن الوضع الاقتصادي في الإقليم مرتبط بعدة عوامل داخلية وخارجية، الداخلي منها يتعلق بالاسراع في تشكيل الحكومة واتفاق الاحزاب الكردية لاسيما الحزبين الرئيسيين على الشراكة في العمل، إلا أن العوامل الخارجية فهي كثيرة وتشمل طبيعة العلاقات مع الحكومة الاتحادية وأسعار النفط في السوق العالمية بل وحتى الازمة السياسية بين طهران وواشطن التي تؤثر على اقتصاد الإقليم بحكم علاقته وقربه من ايران.
يقول المدير التنفيذي لشركة “عقارات أملاك” في أربيل: انه مع “تأزم الوضع السياسي خلال الفترة الأخيرة بين ايران وأمريكا تراجع السوق كثيراً، لكنه استقر تدريجياً مع اقتراب العيد إلا أنه عاد الى وضعه المضطرب بعد الانفجار الذي حصل في خليجعمان وعمليات استهدف الناقلات النفطية، وهذا يؤكد ان تحسن اقتصاد الإقليم من عدمه مرتبط بعدة عوامل داخلية وخارجية”.
ويرى متابعون لسوق العقارات انه لولا استمرار وجود مشترين عرب للعقارات في الإقليم لتدهور الوضع بشكل كبير. مشيرين الى ان ما أسهم في عدم حصول تراجع أكبر في الأسواق هو تفضيل نسبة غير قليلة من اهالي نينوى البقاء في الإقليم على العودة لمناطقهم المدمرة والتي تفتقر للخدمات منذ هجوم داعش عليها.
ويؤكد جميل أحمد، الذي يعمل في مجال العقارات بدهوك، ان أسعار العقارات بقيت ثابتة خلال الأشهر الأخيرة ومنذ صعودها بداية السنة بعد الاتفاق مع الحكومة الاتحادية بشان الموازنة، مبنياً ان الأسعار كانت يمكن ان تشهد هبوطاً مؤثراً لولا عودة مئات العوائل من نينوى الى الإقليم مجدداً بسبب ضعف الخدمات في مناطقها وخوفاً من تدهور الأمن فيها.
نسب وفوارق الأسعار
وبحسب مدير شركة “عقارات أملاك” فانه مع تأزم الوضع الاقتصادي تراجعت أسعار العقارات والاراضي في أربيل عموماً، ففي أرقى منطقة بالمدينة التي تسمى بـ”المنطقة الصفراء” وصل سعر المتر واحد لقطعة الأرض الى الألف دولار، لكن اذاتشكلت الحكومة واستقر الوضع السياسي فان السعر سيرتفع الى أكثر من الف وخمسمائة دولار، اي يكون التحسن بفارق (50%).
ويضيف “لكن الحال يختلف مع أسعار المنازل فارتفاع الأسعار يكون تقريباً من (5-15%) عند تحسن الأوضاع، لأن المنازل مع مرور الزمن تتعب بنيتها ويحدث تغيير في التصاميم على عكس الشقق التي تحافظ على أسعارها في الأوقات مع اختلاف قليلمقارنةً مع أسعار الأراضي والمنازل”.
ولا يختلف الوضع كثيراً في محافظة السليمانية عنه في أربيل، فهو أيضاً مازال يعاني من ما يشبه الركود الاقتصادي والجمهود في حركة السوق وتراجع أسعار العقارات بسبب استمرار الأزمات الداخلية في الإقليم منذ أكثر من خمسة أعوام متتالية وعدم حسم العلاقة مع الحكومة الاتحادية.
السليمانية لاتختلف عن أربيل
ويقول برزان محمد صاحب شركة “بهار” لتجارة العقارات في السليمانية، ان تأخر تشكيل الحكومة أدى الى شبه جمهود في بيع وشراء العقارات وانخفاض أسعارها، مبيناً في حديثه لـ”صباح كوردستان”، ان “عدم اتفاق الأحزاب السياسية في الأشهر الأخيرة أثّر كثيراً على عملنا”.
وأضاف محمد، ان “الأسعار العقارات انخفضت بنسبة تصل الى (20%) بشكل عام لاسيما الأراضي التي تباع بالدونمات”، موضحاً انه مع “تأزم الوضع السياسي بين الحزبين الرئيسيين في كردستان تراجعت الأسعار بنسبة (10%) للأراضي السكنية، وكذلك السعر تراجع بنسبة (15%) في أسعار المنازل، واما الشقق في الاماكن الراقية فنسبة التراجع فيها قليل جداً مقارنةً مع الشقق في المناطق البسيطة والمزدحمة فيكون نسبة تراجع الأسعار فيها أكبر وقد يصل الى (15%) في بعض الاحيان”.
وأوضح صاحب شركة “بهار” لتجارة العقارات في السليمانية، انه عندما يكون الوضع السياسي في الإقليم مستقراً تصل عقود البيع والشراء التي يبرمونها خلال شهر واحد الى أكثر من “عشرة عقود لكن العدد يتراجع الى اثنين أو ثلاثة في أحيانٍ كثيرة معتأزم الوضع كما هو عليه الحال”، مؤكداً ان “زيادة العدد ونقصانه يعتمد على مدى استقرار الوضع السياسي من عدمه”. وحذر محمد من تراجع أسعار العقارات في السليمانية وانخفاضها الى مستوى أكثر في حال استمرار الوضع السياسي غير المستقر وتأخر تشكيل الحكومة لوقت أطول”.
ولم يخف صاحب شركة “بهار” في السليمانية من تأثير الصراع الأمريكي الايراني في المنطقة على حركة السوق في عموم الإقليم ومنها السليمانية على وجه الخصوص.
ما هي مشكلة اقتصاد الإقليم..؟
يرى المحلل الاقتصادي هيدايت بكر ان “مشكلة الاقتصاد في الإقليم وحركة السوق يعتمد في نشاطه على رواتب الموظفين بنسبة عالية وما تصرف من أموال وميزانيات على المشاريع الخدمية والسكنية، فكلما توزعت الرواتب والميزانيات الخاصة بالاستثمار بشكل جيد وفي موعدها المحدد يصبحُ السوق أكثر نشاطاً وحيوية”.
ويضيف: “كون حركة العقارات والبيع والشراء فيها جزء لايتجزأ من حركة السوق فهي تتأثر بتأخر صرف الرواتب والميزانيات الاستثمارية أو عدم صرفها في موعدها المحدد”.
بكر الذي تحدّث لـ”صباح كوردستان” عن سبب تراجع أسعار العقارات في الإقليم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أشار الى ان “تجربة الإقليم مع الازمة الاقتصادية خلال السنوات الخمس الأخيرة كانت صعبة ومرةً على مواطني كردستان، لذلك أصبحوايأخذون الحيطة والحذر من أية أزمة سياسية تحصل بين الأطراف المختلفة، فالمواطنون وصلوا الى قناعة في الإقليم بأن الاقتصاد تتحكم فيه السياسة وليس العكس كما هول الحال في الدول المتقدمة والمتطورة”.
الاحتفاظ بجزء كبير من الرواتب
ويؤكد المحلل الاقتصادي ان “المواطنين باتوا يحتفظون بجزء من الرواتب أو الأموال التي يحصلون عليها ولايقومون بصرفها او طرحها في الأسواق خوفاً من تكرار الازمة الاقتصادية السابقة، لان الوضع الاقتصادي في كردستان غير مستقر لحد الآنبالرغم من زوال خطر داعش وتحسن العلاقات مع بغداد وارتفاع أسعار النفط على عكس ما كان يمر به الإقليم بعد عام 2014، وبسبب قلة الاموال التي تصرف في السوق ويتم تداولها من قبل التجار والمستثمرين فان معدلات البيع والشراء تراجعت وأثرت على الأسعار”.
ويشدد بكر ان تشكيل الحكومة الجديدة في كردستان “سيساهم في رفع الأسعار مجدداً مع بداية شهر تموز المقبل أو في منتصفه لأن الحكومة ستقوم بضخ وصرف أموال في السوق بعد توقفها خلال الفترة الماضية”، لافتاً إلى أن ما يمر به الإقليم في الوقتالحالي من “ركودٍ اقتصادي هو مؤقت وسيتحسن خلال النصف الثاني من هذا العام الجاري”.
واتفق حسن قادر، وهو مدرس ثانوي يعمل في أحد مكاتب العقارات بدهوك مع الرأي السابق قائلاً ان “الأسعار ستتحسن مع تشكيل الحكومة الجديدة في اقليم كردستان خلال الأسابيع المقبلة خاصة اذا استمرت أسعار النفط في مستوياتها الحالية ولم تقع أزمة جديدة في المنطقة”، واستدرك “لكن الأمور قد تسوء مرةً أخرى مع نهاية العام اذا لم يتم التوصل الى اتفاق جديد مع الحكومة الاتحادية بشأن تصدير نفط الإقليم وضمان حصة كردستان من الموازنة الاتحادية. حينها قد تنقطع الرواتب مجدداً ويتأثر سوق الإقليم بشكل كبير، فحركة السوق تعتمد بشكل كبير على الاموال التي تصل من بغداد وعلى الاتفاق السياسي معها”.
وتوقع قادر استمرار تذبذب الأسعار “هناك مخاوف من حصول حرب في المنطقة وهذا سيؤثر على الأسعار، وهناك مخاوف حتى من حصول اتفاق أمريكي ايراني فذلك سيعني تدفق كميات كبيرة من النفط في الأسواق وبالتالي تراجع كبير في سعر برميل النفط وهو أمر يؤثر على اقتصاد العراق واقليم كردستان. لذا فان تذبذب الأسعار وحالة عدم الاستقرار ستستمر خلال الأشهر المقبلة في منطقة تشهد باستمرار أزمات”.
ويشكو مواطنون من استمرار تذبذب أسعار العقارات في كردستان وانعكاسه السلبي على الوضع الاقتصادي في الإقليم والحياة العامة للناس.
ويقول المواطن هردي كمال من مدينة السليمانية لـ”صباح كوردستان” معلقاً على شرائه شقة بمجمع “كرد سيتي” بوسط المدينة “قبل أربعة أشهر اشتريت الشقة ب60 مليون دينار بمساحة (110 متر) لكن سعرها اليوم لا يتجاوز 55 مليون دينار، أي سأخسر خمسة ملايين اذا ما قمت ببيعها”.
ويعزو كمال السبب في ذلك الى “التراجع الملحوظ في بيع وشراء العقارات نتيجة لتأخر تشكيل الحكومة وتأزم الوضع السياسي العام في الإقليم وعدم اطلاق مشاريع بناء واستثمار كبيرة مجدداً رغم الوعود التي قطعت بتحقيق ذلك”.
ويقول المواطن شفان احسان انه بعد الاتفاق بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية على الموازنة العامة، وبعد تأكيدهما على تحسن العلاقات ووصول الرواتب بشكل منتظم، ومع بدء مشاورات تشكيل حكومة الاقليم الاقليم مطلع العام “قمت بشراء عقار ب 70 ألف دولار على امل أن يرتفع سعره خلال أشهر، لكن يبدو انني ساخسر بضعة الاف من الدولارات اذا ما قمت ببيعه الآن”.
ويضيف “حالة عدم الاستقرار السياسي وبالتالي تقلبات السوق قد تفيد بعض التجار لكنها مضرة المواطنين وهي تدفعهم الى حفظ أموالهم في البيوت وعدم طرحها في الأسواق أو حتى وضعها في البنوك مما يؤثر على الحركة الاقتصادية”.
لا توجد تجربة في العالم تؤكد تحكم السياسة بالاقتصاد اطلاقا لان السياسة هي تعبير او تكثيف للاقتصاد كما ان الحرب هي تكثيف وتعبير عن السياسة ومواصلة لها .. يبقى الاقتصاد الاساس ومن دون قاعدة اقتصادية او ركائز اقتصادية لا يمكن الحديث عن اية سياسة .. ما يجري في كردستان هو شكل من اشكال الفوضى في العلاقات الاجتماعية والسياسية غير المتوازنة بسبب عدم استقرار الوضع الاقتصادي وافتقاد المجتمع لقاعدة اقتصادية مؤهلة لانتاج سياسة حكيمة تساهم في استقرار الاوضاع العامى وتدفع بعجلة التقدم والتنمية للامام .. دعوما نعود للتكيز على تمنيوة الزراعة وتثبيت اسس الصناعة قبل فوات الاوان ..