تنتشر ظاهرة الإدمان على المخدّ رات بشكل ملفت للنظر في العديد من دول المنطقة, وسط تراخ من قب ل حكومات تلك الدول في القضاء ع لى هذه الآفة التي تفتك بفئة ال شباب حتى أضحت خطراً يهدد هذه ا لمجتمعات وينذر بانهيارها . واق ع يثير العديد من التساؤلات عمن يقف وراء تنامي هذه الظاهرة أو من يتحمل المسؤولية عن تفاقمها الى حد ينذر بالخطر ويستوجب ات خاذ إجراءات صارمة للحد من هذه الآفة الفتاكة ومعالجة واعادة ت أهيل ضحاياها.
لم يكن العراق بعيدا عن هذه الم وجة التي لم يعرفها من قبل إلا بشكل محدود, إذ انتشرت بشكل كبي ر وسط صمت من الجهات الحكومية م ما ألقى بظلال من الشك حول مسؤو لية الحكومات المتعاقبة في تنام ي هذه الظاهرة بل والوقوف خلفها . كانت المرجعية الدينية سبّاقة الى تشخيص هذه الآفة منذ زمن, فقد سارت أنباء في العام الماض ي بأن مقربين من المرجعية الدين ية ارسلوا رسائل إلى رئيس الوزر اء عادل عبدالمهدي بضرورة التصدّ ي لظاهرة إنتشار المخدرات وضرب العصابات التي تتاجر بها بيد من حديد.
جاء ذلك بعد انتشار تعاطي المخد رات في العراق بشكل مخيف وان بع ض المحافظات الجنوبية ينشط فيها تجّار كبار للمخدرات مرتبطون بدول مجاورة ومخابرات دولية. لك ن تلك الرسائل لم تكن محط اهتما م الحكومة المشغولة بتوزيع المن اصب, الأمر الذي دعا المرجعية و عبر منبر الجمعة, الى التحذير ع لنا من تنامي هذه الظاهرة وخطو رتها على المجتمع, لافتة الى ان انتشار هذه الظاهرة والترويج ل ها بين الاوساط الشبابية يؤدي ا لى استنزاف الطاقات الفكرية وال عقلية والنفسية والجسدية والصحي ة التي ينتظرها المجتمع.
لكن الأمر الأهم هو لفت المرجعي ة الى ان بعض من يتاجر بهذه ال مواد لديه علاقات مع متنفذين في الدولة يساعدوه بالافلات من ال عقاب. إتهامات تشير الى حجم الف ساد المتغلغل بمفاصل الدولة وال ى المستوى الذي تصل الدناءة فيه الى حد التورّط في تهريب المخدّ رات التي تدر أرباحا هائلة على مروّجيها. كما وان السلطات تتحم ل أيضا مسؤولية تفشّي هذه الظاه رة. فحالة الإحباط التي تولدت ل دى العراقيين وخاصة شريحة الشبا ب, من تجربة الحكم لمابعد عام 2003 والتي كانت حافلة بالفساد والفشل والتكالب على المناصب وا لإمتيازات , تسببت بانتشار ظاهر ة البطالة, فضلا عن تدني مستوى التعليم وشيوع المحسوبية والمنس وبية, مما ادى الى انتشار هذه ا لظاهرة, ولذا فإن الطبقة السياس ية تتحمل المسؤولية على هذا الص عيد لإنشغالها بتعزيز سلطاتها ف ي وقت تركت البلاد تعبث بها الآ فات.
وليس من المستبعد غض أطراف في ا لحكومة البصر عن هذه الظاهرة في استنساخ لتجربة العديد من الأن ظمة القمعية في المنطقة, التي ت ستخدم المخدرات كأداة للسيطرة ع لى الشعوب وخاصة الفئة الشبابية . فهذه الفئة إذا ما وقعت في هذ ه المصيدة, فإنها ستكون مفتاحا للمفاسد الإجتماعية والجريمة وغ يرها, و لن تفكر بالضغط على ال سلطات لتحسين أداءها أو الحد من فسادها. لقد تحولت المخدرات ال ى اداة من أدوات السلطة لقمع ال شعوب والقضاء على حراكها وروحها الثورية, وبما يطلق يد السلطات ويديم في عمرها.