تشير تطورات الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط الى أن خيارات الحرب تراجعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة بالرغم من الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها ايران, في نزاعها مع الولايات المتحدة الأمريكية حول برنامجها النووي المثير للجدل. فبعد ان شهدت المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية موجة من التوتر والتصعيد العسكري, التي اوحت بان الحرب باتت قاب قوسين او ادنى, بان وبشكل لا يقبل الشك بان الدبلوماسية قد حلت بديلا للغة الحرب.
فقد نجحت ايران وفي سلسلة من الخطوات التي إتخذتها كرد على الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي, وفي فرض عقوبات غير مسبوقة عليها, وفي تنصل الأوروبيين من التزاماتهم بموجب الإتفاق, نجحت في فرض الخيار الدبلوماسي في الساحة تاركة خيار الحرب يتراجع الى الوراء بشكل كبير. فالخطوات التي اتخذتها ايران وبالرغم من انها تبدو للوهلة الأولى استفزازية وتصعيدية وتنصلا من الإتفاق النووي, الا أنها لم تترك للطرف الآخر من خيار سوى معالجتها ضمن الإطار الذي نص عليه الإتفاق النووي ألا وهو آلية حل النزاع.
فهذه الإجراءات تبدو مبرّرة إذ ليس من المعقول أن يلتزم طرف واحد في إتفاق ما فيما ينسحب الطرف الآخر منه كالأمريكي, او لا يلتزم ببنوده كما هو عليه الحل مع الأوروبيين, الذي لم يلتزموا برفع العقوبات عن ايران كما نص الإتفاق. فالقرار الإيراني برفع كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب وفي زيادة نسبة التخصيب وفي زيادة انتاج الماء الثقيل, وجّه انذارا للأطراف الأخرى بضرورة مراجعة مواقفها والا فإن مزيدا من التصعيد بانتظارها.
ولعل الخطوة المقبلة هي إعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي التي توقف ثلثاها التزاما ببنود الإتفاق, وهي الأجهزة القادرة على رفع وتيرة تخصيب اليورانيوم بشكل كبيرا يتجاوز نسبة العشرين في المئة التي وصلتها ايران قبل الإتفاق, مما يثير قلق المجتمع الدولي بالرغم من ان هذه النسبة بعيدة جدا عن النسبة اللازمة لإنتاج اسلحة نووية والتي تتجاوز حاجز ال 80% في المئة.
لقد كان رد الفعل الأمريكي هو دعوة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعقد اجتماع لمجلس الحكام لمناقشة الملف النووي. إن هذه الدعوة بحد ذاتها مؤشر على نجاح ايران في جر الإدارة الأمريكية الى ساحة الدبلوماسية بدلا من ساحة الحرب. فاللجوء الى الوكالة الدولية يعني التوجه نحو إعتماد آلية حل النزاع التي نص عليها الإتفاق النووي, وتنص على دعوة أحد الطراف الى إحالة النزاع الى لجنة مشكلة من الدول الخمسة(ايران وروسيا والصين والمانيا وفرنسا وبريطانيا) لتسويته خلال مدة 15 يوما , ثم تمر العملية بخمسة مراحل تنتهي باصدار مجلس الأمن الدولي لقرار ينهي النزاع.
إن هذه الآلية صمّمت بشكل يستغرق فيه حل النزاع أشهرا عدّة, مما يفتح المجال واسعا امام الجهود الدبلوماسية, لتسويته, ومع الأخذ بنظر الإعتبار أن فرنسا أعلنت بانها ليست بصدد تفعيل هذه الآلية في الوقت الراهن, فهذا يعني ان الخيار الدبلوماسي سيستغرق وقتا اطول. وهذا يعني أن التعاطي الإيراني مع هذه الازمة وبالرغم من فشله في رفع او تخفيف وطاة الحصار الإقتصادي, إلا أن ايران نجحت ولحد الآن نجاحا باهرا في إجبار خيار الحرب على التراجع وفي إحراج المجتمع الدولي الذي تترتب عليه التزامات أخلاقية بضرورة تبني خيار الدبلوماسية لحل هذا النزاع!
|