كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
في هذه الأيام تصدر موضوع النظام الإيراني وانتهاك تعهداته في الاتفاق النووي عناوين الأخبار. لذلك يطرح هذا السؤال لماذا أقدم النظام على انتهاك أحد بنود وعناصر الاتفاق النووي المهمة؟ ألا يفهم النظام ومسؤولوه الحكوميون معنى انتهاك هذا التعهد؟ بعبارة أخرى، لماذا يسعى مثل هذا النظام الغارق في الأزمات إلى جلد ذاته وضرب نفسه؟!
طبعا النظام يريد من خلال الجلبة والفوضى أن يوهم الناس أنه ما زال في موضع القوة. في حين أنه إذا كان النظام حقًا في موقع القوة للقيام بذلك، لماذا يقدم على استعراض القوة بعد عام وشهرين وبعد خروج أمريكا من الاتفاق النووي؟
هذا السؤال، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجدية التي نراها، يعود إلى نفس الاضطراب الذي يواجهه النظام؛ حيث يواجه أزمة تصدير النفط، والتي هي المصدر الرئيسي لدخله وقوات الحرس وضعت أيضا على قوائم الإرهاب وخامنئي ذاته وبيت العنكبوت الخاص به على قوائم الإرهاب وبتحليل منطقي ومعقول فإن مثل هذا العمل لا يمكن أن يكون علامة على القوة. ولهذه الأسباب يجب الاستنتاج أن إقدام النظام على المضي في المرحلة الثانية من الخروج من الاتفاق النووي ليس من موضع قوة بل حدث بسبب من خلال الإجبار المطلق والبؤس لأنه لا يملك طريقا آخرا.
إذا قمنا بمراجعات السجلات نرى أن خامنئي هو من يقول الكلام والقرار الأخير في نظام ولاية الفقيه دائما وسابقا قال بأننا لن نقصر عن المضي في خطوة نووية واحدة وإذا مزقت أمريكا الاتفاق النووي نحن سنحرقه. لكننا رأينا جميعًا ذلك في أوائل عام 2013 ؛ أولاً كيف ظهرت علائم تجرع السم على علي أكبر ولايتي ، كمستشارفي الشؤون الدولية لخامنئي في سياق النقاشات والمناظرات الانتخابية. وبعد ذلك تطرق خامنئي لطرح موضوع “المرونة البطولية” الأمر الذي كان أحد ترتيبات النظام لتجرع السم رسميا. وفي أعقاب ذلك قال مسؤولو النظام إنهم ذهبوا زاحفين بركبهم الملطخة بالدماء لطاولة المفاوضات واستسلموا للبرنامج النووي.
لكن لماذا تخلى خامنئي عن مشروعه النووي الذي يعتبر كما يقول خامنئي نفسه ضمانا لبقاء نظامه؟!.
إذا نظرنا لقضايا إيران نظرة واقعية نرى أن الأمر لم يكن سوى إجباريا. إجبار وإكراه وأحد وجوهه، الأزمة الاقتصادية والتضخم والغلاء والفقر والبطالة التي شملت كل أفراد الشعب ومن جهة أخرى انتفاضة قوية واجتماعية استهدفت كل هذا النظام وتعمل مثلما حبل المشنقة إذا لف حول رقبة هذا النظام.
عندما كانت سياسات الاسترضاء مع هذا النظام في أوجها، النظام قبل الذهاب لطاولة المفاوضات وحصل على امتيازات كبيرة مقابل وقف مشروعه النووي.
كما أن تدخلات النظام الإقليمية وإرهابه وصل لمرحلة جديدة بسبب سياسات الاسترضاء.
ولكن شهر العسل ذاك مع النظام والذي در الكثير من الأموال إلى جيوب الملالي وقوات الحرس الفضفاضة، لم يدم طويلا حيث أن الحكومة الأمريكية الجديدة بدأت سياسات جديدة وكذلك انتفاضة شهر ديسمبر ٢٠١٧ واستمرارها خلال عام ٢٠١٨ في جميع المدن الإيرانية، زلزلت توازن هذا النظام.
الحكومة الأمريكية الجديدة وصلت لهذه النتيجة بأن سياسات الاسترضاء مع هذا النظام ليس في صالح هذا البلد والانتفاضة الإيرانية العارمة هي عبارة عن علامة حقيقية تدل على تزلزل وعدم استقرار النظام وبالطبع كان لقرار الرئيس الأمريكي الجديد بالخروج من الاتفاق النووي تأثير واقعي.
(الملا روحاني رئيس جمهورية النظام خلال جلسة برلمان النظام في ٢٨ أغسطس ٢٠١٧ اعترف صراحة بهذه الحقيقة).
وبعد خروج أمريكا من الاتفاق النووي اشتدت العقوبات خطوة بخطوة. وأغلقت جميع أنابيب النظام لبيع النفط والمعادن فرضت عقوبات بحقها وكذلك الصناعات البتروكيماوية. وتم وضع قوات الحرس على قوائم الإرهاب وتمت معاقبة خامنئي وبيت عنكبوته.
في ظل هذه الظروف سعى النظام من خلال تضرعه وطلبه من أوروبا لتفعيل الآلية المالية الخاصة المعروفة باينستكس من أجل حفظ الاتفاق النووي والأوروبيون لم يكن بجعبتهم أي شيء يقدموه للنظام فعليا وكما يقول أحد ممثلي النظام في الأمم المتحدة واصفا هذه الآلية بأنها كسيارة جميلة ولكن بدون بنزين.
عراقجي نائب ظريف ومسؤول ملف الاتفاق النووي تحدث يوم الأحد ٧ يوليو عندما تم الإعلان عن المرحلة الثانية من خروج النظام من تعهداته النووية بشكل مضحك وقال بأن هذا العمل يهدف لتقوية الاتفاق النووي!
وكتشبيه النظام اليوم يشبه حيوانا وحشيا محبوسا في قفص ويقوم بنطح الباب والجدران كي يجد مفرا له ولكن هناك فارقا وحيدا وهو أن هذا النظام هو من صنع هذا القفص لنفسه والآن يتحمل تعبات بناء قفصه النووي.
ولهذا السبب هرع النظام لضرب وجلد نفسه وللخروج من الاتفاق النووي والعقوبات ذات التبعات الأقسى.
وبالنظر للوضع العام للنظام الإيراني، وما الذي جر هذا النظام المتخلف لهذه النقطة يجب الإشارة لعدة مكونات مهمة جدا لكي نفهم موضوع التخبط الذاتي الإجباري لهذا النظام:
باعتراف جميع مسؤولي النظام كشفت المقاومة الإيرانية عن أكثر من ١٠٠ مجال كشوفاتي فيما يتعلق بالمشروع النووي للملالي. هذا المشروع اللا شعبي والمزعزع للاستقرار.
علي لاريجاني رئيس برلمان الملالي قال مؤخرا: نحن عالقون بقصة المشروع النووي منذ ٢٠ عام حيث تطرق مجاهدو خلق لكشف المشروع النووي وحتى اليوم.
وفي الأسبوع الماضي أيضا، بث تلفزيون النظام مقابلته مع أحد عناصر وزارة المخابرات والذي كان أحد الضباط الاستخباريين للنظام حيث قال:
“خلال جميع هذه السنوات، أي مأزق أو أزمة كنا نواجهها كانت بسبب مجاهدي خلق. من الموضوع النووي وحتى أحداث 2009 والقضايا الأخرى”.
والآن يقف العالم أمام هذا السؤال وهو ماذا يجب العمل مع هذا النظام في النهاية؟
الجواب باختصار هو ذاته ما قالته المقاومة الإيرانية دائما وكررته مرات عدة.
بما في ذلك سلسلة من المظاهرات الكبيرة في أهم العواصم الغربية (بروكسل – واشنطن – برلين) والتعبير عن أن الحل الوحيد للأزمة في إيران هو “الحسم التام” ضد هذا النظام ، والحسم، أولاً وقبل كل شيء، و”الاعتراف رسميا بحق الشعب في المقاومة والإطاحة بالنظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية “.
هناك حل وطني وشعبي متوفر وجميع المتظاهرين الإيرانيين أوصلوه بصوت عال للدول الأوروبية والأمريكية ولمسامع العالم. هؤلاء انعكاس لصوت وصدى ملايين الإيرانيين المقموعين والذين يطالبون بإسقاط النظام في كافة شوارع إيران.
في الوقت الحالي، من جهة يواجه المجتمع الدولي نظاما غير قابل للإصلاح ودائما يسعى لخلق الاضطرابات والقيام بعمليات الابتزاز، ومن ناحية أخرى ، فهو على هامش المقاومة المنظمة، الاي تتحلى ببرامج وخطط محددة من شأنها حل الأزمة في إيران.
في ٦ يوليو قالت السيدة مريم رجوي خلال رسالة لها مخاطبة المظاهرات العظيمة المكونة من ١٥ ألف إيراني في برلين:
إن حضوركم هنا وفي المظاهرة الثالثة بعد التجمعات الكبيرة لأصحابنا ومظاهرات مواطنينا في بروكسل وواشنطن، يحمل خطاباً واضحاً.
فإن خطابكم وخطاب الشعب الإيراني يناشد المجتمع الدولي، وخاصة أوروبا: يجب وقف سياسة منح التنازلات للنظام الكهنوتي الحاكم في إيران.
إن سياسة حماية الملالي من السقوط وسياسة تغذية الثعابين ذات العمائم لا تحل مشكلة من هذا النظام.
يجب أن يعترف المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، بحق الشعب الإيراني في المقاومة من أجل الإطاحة بنظام الملالي وإقامة الديمقراطية وحكم جمهور الشعب.
– يجب إحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان ومجزرة السجناء السياسيين إلى مجلس الأمن الدولي.
– يجب لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يعلن نظام الملالي كتهديد للسلام والأمن العالميين.
– كما ندعو الدول إلى المشاركة في الجبهة الدولية ضد الفاشية الدينية.