حوالي 16 عاماً من هيمنة أحزاب الإسلام السياسي على السلطة في العراق وبخاصة الأحزاب الشيعية والحزب الإسلامي وحلفاء لهم ، والتجربة التونسية وما جرى في مصر قبل وبعد الإطاحة بحكم الأخوان المسلمين، وما نشهده على الساحة الليبية من صراعات دموية، إضافة إلى الوضع المأساوي الذي شهدته سوريا والمشاريع الإسلامية المتطرفة ( القاعدة و داعش ) ثم تحول الجماهير في السودان نحو آفاق الديمقراطية ورفض للنهج الذي اتبعه حسن الترابي وبعده البشير، وفشل الحركة الإسلامية في الجزائروالمطالبة بالحكم المدني ، وما نشهده منذ حوالي 40 عام من الحكم الإسلامي في إيران والأزمة العامة وتدني الأجور وزيادة البطالة والفقر وتدني الخدمات والحياة المعيشية السيئة والتوجه العدواني والتدخل في شؤون البلدان الأخرى وخلق الأزمات المتتالية بما فيها البرنامج النووي، كل ذلك يظهر بدأ انحسار تأثير أحزاب الإسلام في الشارع العربي والإسلامي،
وما أثبتته التجربة بان المشروع الذي كانت تراهن عليه أحزاب الإسلام السياسي بتحويل الدين إلى دولة تستأثر بها وتقودها لمصلحة ضيقة على أسس غير ديمقراطية مع إرهاب وعنف لا مثيل لهُ مثلما حدث في عدة تجارب وخير مثال تجربة ( الدولة الإسلامية في سوريا والعراق – داعش والقاعدة في أفغانستان ) ثم المحاولات الرامية لتحويله من دين روحي إلى دين سياسي همه السلطة لا يختلف عما قبله من مشاريع قومية أو برجوازية باءت جميعها بالفشل .
المشروع الإسلامي باتجاهيه السني والشيعي التي أعدته أحزاب الإسلام السياسي في كواليسها أو كشفت قسماً منه بأنه غير صالح بتاتاً للمنطقة العربية والإسلامية ومتخلفاً عن ركب التغيير الذي حدث في العالم اجمع وفي الحقب الأخيرة على المنطقة العربية والدول الإسلامية، حيث بات شعار الحرية والديمقراطية والحكم المدني شعاراً عملياً واقعياً مرغوباً فيه بما يحمل من معاني وثوابت علمية وإنسانية وحضارية تتمكن الشعوب بواسطته الوصول إلى الأمن والسلام واحترام حقوق الإنسان والمكونات التي تتعايش منذ مئات السنين بينها، وحتى كبح العدوانية الرأسمالية التي يكمن في جوهرها العدوان والاستغلال ونهب خيرات الشعوب بما فيها شعبها المحدد.
وكما اشرنا حول تعثر المشروع الطائفي الإسلامي وما صاحبه من فشل تدريجي ملموس في جميع الجوانب وبخاصة قيادة الدولة والمجتمع، الفشل يعود إلى التناقض ما بين اللاواقع والواقع الموضوعي بين المتطلبات الحياتية والمعيشية والصراع من اجل حياة أفضل وبين الأحلام الرومانسية والوعود الواهية على قاعدة الغيبيات، التناقض بين قطب الأغنياء القدماء والجدد الذين اغتنوا على حساب الدين وهم القلة وبين قطب مئات الملايين من الناس الفقراء المعدمين والعاطلين عن العمل والمستغلين قوة عملهم وفكرهم.
المشروع المذكور منذ بدايته دل على قضايا مهمة كونه
1 ــ المشروع الإسلامي والطائفي لكلا الطرفين ثم الدخول على الخط بالنسبة للتطرف السلفي ” القاعدة والتنظيمات التكفيرية والميليشيات الطائفية” ودعم دول الجوار بما فيها سوريا في البداية وغيرهما
2 ــ التطرف الأصولي الشيعي” الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة ” وتنظيمات علنية وسرية تُدعم من قبل الدولة الإيرانية لتنفيذ أجندتها الخاصة في الدول المعنية والمنطقة ” أكثرية أحزاب الإسلام السياسي الشيعي في العراق وأحزاب وتنظيمات عراقية متعددة ثم حزب الله في لبنان وغيره من الأحزاب التي تعمل في السر.
لقد شاهدنا في البداية تصاعد الأصوات الانتخابية لصالح الإسلام السياسي وفق أسباب ذكرناها حول فشل المشروع القومي المتطرف وهذا ما حدث في العراق ثم في تونس وفي مصر والحبل على الجرار..
يبقى أمر في غاية الأهمية، قضية آفاق هذه العملية وهو أمر على غاية من الوضوح ونتيجته الملموسة أمامنا في المشروع الإسلام السياسي الديني الذي كلن يخطط له في العراق، فبعد أن هيمنت أحزاب الإسلام السياسي الشيعي على السلطة وأجراء الانتخابات التشريعية بدأ العد التنازلي للمشروع الديني لأسباب كثيرة منها
1 ـــ التناقضات بين الخطاب السياسي الديني وبين الخطاب المدني الديمقراطي .
ـــ التناقضات الداخلية بين قوى أحزاب الإسلام السياسي في رحم الطائفية أو مع الطرف الآخر.
2 ــ الصراع بين أحزاب الإسلام السياسي الطائفية وإهمال المطالب الشعبية الملحة.
3 ـــ حتمية تطور الوعي الاجتماعي والتطورات على البنية الطبقية والاجتماعية والصراع الطبقي
4 ـــ خرق حقوق الإنسان والتجاوز على الحقوق والحريات المدنية والشخصية وعلى منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
5 ـــ استمرار تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية والبطالة والفقر وحوالي30% تحت خط الفقر في العراق ونسبة عالية في دول أخرى مثل مصر وسوريا واليمن وسوء الخدمات العامة… الخ
6 ـــانتشار الميليشيات الطائفية التي أخذت تضاهي القوات المسلحة من حيث القوة والعدد والسلاح والقيام بمهمات ليس من اختصاصها بما فيها الاعتقال والتعذيب والخطف وحتى الاغتيال.
7 ـــ استغلال الدولة لأغراض سياسية دينية واستغلال الدين لتمرير جوهر التوجهات نحو إقامة دولة لا ديمقراطية بقبضة المركزية والقائد المتسلط الفذ، والطائفية الدينية والمذهبية.
وهذا ما يبشر بتداعيات هذه الاتجاهات وتباين المواقف على عمليات الانتخابات القادمة، كما يقال لا مستقبل للقوى التي تضلل الجماهير ولا بد أن ينحسر تواجدها التنظيمي والجماهيري عندما تبدأ قوى الإسلام السياسي بشقيها..
أولاً: أحزاب الإسلام السياسي كلا الطرفين لا تستطيع إقامة الدولة المدنية الديمقراطية بفهمها المدني الديمقراطي ، ولن يتخلى البعض منها عن النهج الطائفي والسلاح.
ثانياً: لا تستطيع تنفيذ وعودها الانتخابية التي أطلقتها في برامجها إلا حسب نظرتها الضيقة وبالعودة إلى أساليب القمع والإكراه والتزوير والرشاوى لشراء الذمم..
ثالثاً: لا تستطيع أيضاً تلبية وتحقيق مطالب الجماهير في قضايا حيوية ومطلبية آنية ومستقبلية وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية.
رابعاً: لا تتمكن من إقامة الدولة الدينية وفشل مشروعها الديني ومحاولات لتزاوج القوانين الموضوعية وإخضاعها لبعض أحكام الشريعة والدين
خامساً: البعض من النجاحات في الوضع السياسي لا يمكن أن يحل الإشكال بين المفهوم الديني والمفهوم المدني العلماني ومن الصعوبة بمكان أن تمضي أحزاب الإسلام السياسي في قيادة ونجاح التحولات الاقتصادية نحو الاستقلالية وتحقيق القضايا المطلبية الشعبية، وخير مثال تدني الخدمات وتزايد الفقر والبطالة والأوضاع الصحية والتعليمية السيئة وعدم وجود برامج علمية للتخلص من الأزمات الحادة والتي أصبحت آفة تنهش بحياة ومعيشة المواطن وأمنه مثل أزمة الكهرباء والماء والخروقات الأمنية والفساد المالي والإداري والسرقات والتلاعب بالمال العام والسرقات في المجال النفطي وعدم حل الخلافات مع حكومة الإقليم والمناطق المتنازع عليها بما فيها قضية كركوك، وتزوير الانتخابات والتبعية للقوى الخارجية بما فيها دول الجوار وهناك الكثير من الأزمات والقضايا الأخرى.
” يتبع “