الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeاخبار عامةلماذا تجدّد فروع داعش بيعتها للبغدادي في هذا التوقيت؟

لماذا تجدّد فروع داعش بيعتها للبغدادي في هذا التوقيت؟

بثّ تنظيم داعش دفعة من الفيديوهات الجديدة، عنوانها “العاقبة للمتقين”، يتضمّن كلّ واحد منها تجديد البيعة لأبي بكر البغدادي، زعيم التنظيم، في كلّ فرع من فروعه، المنتشرة في إفريقيا وآسيا.

ومع أنّ التنظيم اختار أن يصدّر تلك الفيديوهات برسائل مشتركة، تتحدث عن الصمود في مواجهة الحملة الدولية، التي قادتها الولايات المتحدة على معاقله في العراق وسوريا، فضلاً عن دول الساحل والغرب الإفريقي، إلا أنّ الهدف الأوضح لتلك الرسائل كان في تجديد شرعية قائد التنظيم “البغدادي“، فيما يبدو؛ بسبب الخسائر التي تعرَّض لها، وانشقاق عدد من القيادات، التي نشرت كتباً ورسائل تتحدث عن جبروت “البغدادي”، والطغمة المصاحبة له، وما ارتكبوه من فظائع في حقّ المدنيين، وما قام به جهازه الأمني من سجن وتعذيب وقتل، في صفوف أعضائه، بمجرد الشبهات التنظيمية أو الفكرية.
الهدف الأوضح لتلك الرسائل كان في تجديد شرعية قائد التنظيم "البغدادي"

الهدف الأوضح لتلك الرسائل كان في تجديد شرعية قائد التنظيم “البغدادي”

بيعات إعلامية
إذاً، هذه البيعات تهدف إلى تأكيد الوجود، وإحكام السيطرة، وإظهار مركزية “البغدادي، وقدرته على بسط نفوذه وتواصله مع فروعه؛ إذ إنّها تأتي بعنوان واحد “والعاقبة للمتقين”، ورسالة مصاحبة تقع تحت هذا العنوان، في كلّ إصدار من الإصدارات المرئية.

ولذا هي بيعات شكلية؛ لأنّ البيعة في أدبيات التنظيمات السرية، تأخذ شكلاً وإجراءً مختلفاً؛ فهي توجه من العضو التنظيم، إلى أمير الفرع، الذي يعلم هوية المبايع، ويضع فيه ثقته، ثم يبايع أمير الفرع، أمير التنظيم، ويدون الأعضاء في سجلات سرية.
والعنوان الذي اختاره التنظيم لتلك البيعات الإعلامية، يشير إلى اعتراف التنظيم بالتراجع والانكسار، إلا أنّه يرى أنّ هذه جولة من جولات، وأنّ النهاية ستكون بانتصاره، وتمكّنه من الأرض؛ لأنّ هذا وعد الله “وفق اعتقاده”.
مبايعة فرع داعش الليبي
“نمضي على درب الجهاد مبايعين… لن ننتهي لن ننحني لن نستكين”؛ هكذا جاء النشيد المصاحب لمقدمة مبايعة فرع داعش الليبي، وهو خطاب يحمل في طياته الاعتراف بالهزيمة، لكنّه يعزز أعضاءه بالأمل في الصمود وعدم الانكسار والمقاومة.

فرع داعش الليبي

فرع داعش الليبي

ثم كتب تحت عنوان “والعاقبة للمتقين” رسالة كان نصّها: “ما زلنا ماضين على العهد، ثابتين في قتال ملل الكفر، التي تزعم القضاء على دولة الخلافة، أعزها الله تعالى وأدامها، ونجدد بيعتنا لخليفة المسلمين، الشيخ المجاهد أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي، حفظه الله”.
النشيد المصاحب، والرسالة التي تقع تحت العنوان، تتكرّر كما هي في الفيديوهات اللاحقة لبقية الأفرع، ما يعني أنّها جاءت استجابة لتكليفات تنظيمية من قيادة التنظيم المركزية في سوريا والعراق، كما تحمل رسالة ذات مضمون واحد.
في ضوء ذلك يمكن قراءة عقل “البغدادي”، فيما بعد الهزيمة؛ إذ إنّه يحاول كسب الشرعية بالربط بين وجوده، ووجوب المقاومة، والوعد الإلهي بالنصر، وذلك رداً على قادة وعناصر التنظيم المتمردين، الذين اتهموه بالفشل في إدارة المعركة، ودعوه للتنحي عن سدة القيادة.
جماعة من؟
يختار التنظيم لتزعم البيعة في ليبيا، شخصاً ذا لكنة ليبية واضحة، مع وجود قادة في التنظيم الفرع من الأجانب، إلا أنّه يريد أن يظهر محلية ذلك التنظيم، وأنّه نبت خالص للبيئة المحلية، وليس مجموعة من النافرين الأجانب.
يستشهد المتحدث بقول ابن عباس لسماك الحنفي: “يا حنفي الجماعة، الجماعة، فإنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها، أما سمعت الله، عزّ وجلّ، يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، قال ابن مسعود: “عليكم بالجماعة فإنّها حبل الله الذي أمر الله به، وإن ما تكرهون في الجماعة، وهو الطاعة، خير مما تحبون في الفرقة”.

عنوان “العاقبة للمتقين” الذي اختارته داعش لتلك البيعات الإعلامية يشير إلى اعتراف التنظيم بالتراجع والانكسار رغم زعمه الانتصار بالنهاية

تسوق تنظيمات الإسلام السياسي، على تنوعها، المرويات التي تتحدث في فضل الجماعة، في مواجهة أعضائها، حتى يتكون الفرد فيها على الالتزام بالسمع والطاعة، وعدم الانشقاق، حتى لو رأى في سلوكيات التنظيم ما يثير انتقاده.
ويرى كل تنظيم نفسه هو “الجماعة”، بما يعتقد امتلاكه من الحقيقة والمنهاج القويم، الموصلللتمكين في الدنيا والجنة في الآخرة، بينما تبدو الصورة في نظر آخرين على النقيض تماماً؛ فمفهوم الجماعة يتمحور حول الدولة والحاكم الممكن، ومن ثم فإنّ أيّ تنظيم، أو جماعة، يخرج عن ذلك الإطار؛ فإنه خارج عن إجماع الأمة، ويباح قتاله حتى يستسلم أو يباد.
استحضار ابن تيمية
وفي سياق مفهوم “الجماعة”؛ يستحضر “ابن تيمية” للتدليل على وجوبها وأهميتها وصلاحها في الدنيا والآخرة، فيقول المتحدث: “قال ابن تيمية ونتيجة الجماعة، رحمة الله ورضوانه وصلواته، وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه، ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته، وسواد الوجوه وبراءة الرسول ﷺ منه”.

كما يستدل تيار سلفي آخر بابن تيمية أيضاً، لإثبات أنّ داعش من الخوارج؛ إذ إنّه لا يلتزم بمبدأ الجماعة، ويذهب لشقّ عصا الطاعة؛ إذ إنّ الإشكالية ليست هنا في حديث ابن تيمية، بقدر ما هي في عقل السلفي، الذي أعلن أنّ الدولة لا ينطبق عليها مفهوم الجماعة؛ لأنّها لا تحكم بما أنزل الله، وفق اعتقاده، وأنّ هذهالجماعة تنطبق عليه فقط.

لكنّ الرجل الذي يلقي حديثه، وسط عشرات من أتباعه، المدججين بالسلاح والملثمين والمطاردين، وسط الصحراء القاحلة، يتحدث عن أنّ جماعته هي الباقية، وأنّ غيرها من الفصائل المتناحرة قد ذهبت تحت وقع الضربات، في إشارة إلى فصائل القاعدة التي سيطرت على درنة وبني غازي في وقت من الأوقات، بينما هو الآن يتحدث وحوله مجموعة من الناس يرى أنّهم الغالبون في النهاية.
ثم يختتم مشهد البيعة بنشيد له دلالة أيضاً: “رصّوا الصفوف المسلمة… هذا زمان الملحمة… هذا زمان العاديات على بقايا الشرذمة”.
مبايعو داعش في سيناء
كما فعل داعش في ليبيا، يفعل المبايعون في سيناء، لا اختلاف سوى في طريقة السرد والاستشهاد بالأحاديث والآيات.
يبدأ الفيديو بعنوان “والعاقبة للمتقين” أيضاً، ويتصدر بالنشيد نفسه: “نمضي على درب الجهاد مبايعين، لن ننحني لن ننتهي لن نستكين” في إشارة تأكيدية على الربط بين أفرع التنظيم.
وتحت العنوان تأتي الرسالة الموحدة: “ما زلنا ماضين ثاتبين في قتال ملل الكفر التي تزعم القضاء على دولة الخلافة، أعزها الله تعالى وأدامها، ونجدد بيعتنا لخليفة المسلمين الشيخ أبو بكر البغدادي”.

يظهر شخص، لكن بلكنة سيناوية، يدعى “أبا جعفر الأنصاري” فيلقي قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾.
لكنّ موجات الانشقاقات لم تتوقف يوماً، وخروج تنظيمات عديدة إثر الانشطارات ما يزال مستمراً، ولا تأتي الآية منطبقة على واقع مثل تلك التنظيمات.
يقول الأنصاري: “منذ أن بايعنا أبا بكر البغدادي منَّ الله علينا بالخير والنصر، وبالظفر، وما ذلك إلا للزوم الجماعة، وما ذلك إلا للسمع والطاعة”، وهو ما يشي ببروز أزمة الشرعية عند “البغدادي”، للحدّ الذي يربط فيه زعيم البيعة ما يزعم أنه نجاح لعملياتهم في سيناء بشخص أبي بكر.

 

حضور ابن القيم
يستعرض الرجل ما يدّعي أنه قوة للتنظيم في سيناء، ثم يسرد عدداً من العمليات التي قاموا بها، ثم يستشهد بابن القيم؛ حيث يقول: “نظرت إلى الناس في تقدمهم وتأخرهم، فما وجدت شيئاً إلا التوفيق، وما يكون التوفيق إلا في محل صالح، فإنّا نحسب أنّ جنود الخلافة في ولاية سيناء وفي غيرها من الولايات ما هم إلا عباد لله سبحانه وتعالى، قلوبهم سليمة، ولذلك وفقهم الله ونصرهم”.

إذاً، فإذا انهزم التنظيم “ولم يوفَّق”، على حدّ تعبير الأنصاري؛ فهل معنى ذلك أنّه لا ينطبق عليه مفهوم الجماعة المؤمنة؟ يجد الرجل لذلك مخرجاً، فعندما يتعرض التنظيم لخسائر يكون ذلك نتيجة لما يسميه هو “الابتلاء”، في دلالة واضحة على قدرات تلك التنظيمات على “مطّ” النصّ، وإخضاعه لواقعه، فيكون بمقدرته تطويعه بحسب ظروفه الواقعية.
يعرض التنظيم في إصداراته لقطات يتعرض فيها للهجوم، من قبل الأجهزة الأمنية المصرية، ويرصد سقوط عدد من القتلى في صفوفه، ولكنه يدخل ذلك ليس في إطار الهزيمة، وإنما في سياق المحنة والابتلاء.
فيقول الأنصاري: “ولكن سنّة الله لا تبديل لها، ولا تحويل؛ فإنّ سنّة الابتلاء هي قرينة للمؤمن، وأن المؤمن يبتلى على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في ابتلائه، وإن كان في دينه رقّ خفف عنه، فإنّ المرء يبتلى على قدر دينه”، ثم يدعو أتباعه للبيعة فيتكالبون عليه في مشهد تمثيلي معدّ سلفاً.
داعش في بلاد خراسان
يفعل المبايعون لداعش في خراسان، كما فعل أقرانهم، في ليبيا وسيناء، ويبدأ الفيديو بالعنوان ذاته “والعاقبة للمتقين”، وبالرسالة المذيَّلة: “ما زلنا ماضين على العهد، ثابتين في قتال ملل الكفر، التي تزعم القضاء على دولة الخلافة، أعزها الله تعالى وأدامها، ونجدد بيعتنا لخليفة المسلمين الشيخ المجاهد أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي، حفظه الله”.

ثم يحكي المتحدث الأفغاني، مع مرور لقطات للمعارك التي يخوضها التنظيم ضدّ طالبان، عن إصرارهم وعزمهم على القتال، وما يسميه تضحيات من أجل الوصول للهدف، ثم يهاجم إيران وروسيا والأمريكيين: إنّ “أولياءكم هؤلاء عاجزون عن حمايتكم، وديمقراطيتكم لا تنجيكم من بأس سيوفنا التي ستصل إلى قلب بيوتكم”!
ثم يأتي الرجل إلى بيت القصيد، فيدعو أهل “خراسان” وما حولها، بقوله: “عليكم بالجماعة”.

 

ويفعل “داعش في غرب إفريقيا” مثلما يفعله أقرانه، فيصدّر إصداره المرئي بما صدّره فروع التنظيم السابقون: “ما زلنا ماضين إلى العهد، ونجدد بيعتنا، …إلخ”.
سوف يظهر صوت شخص يُدعى “الشيخ أبو سلمة المنغاوي”، بلغة عربية فصحى، فيقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ دون أن يجيب عن معنى التأليف في حالته التي ضربها الانشقاق، منذ الدخول في صراعات مع زعيم بوكو حرام “أبو بكر شيكاو”!

لكنّ المنغاوي يقول: “كنا في العهد القريب أحزاباً متفرقين، جماعات مشتتين مشرذمين كلّ يتعصب لحزبه وتنظيمه ﴿كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ﴾ حتى بزغ شمس الهدى بإعلان الخلافة الراشدة، أدامها الله، فألّف الله بها القلوب… هذه خلافتنا نعمة منَّ الله بها علينا”.
يستخدم المنغاوي مصطلح “الفتح” في الهجمات التي شنها تنظيمه على المدنيين: “فتحنا بعض البلدات في نيجيريا، وضربنا النيجر وتشاد، فأرعبناهما وكسرنا حدودهما الموهومة”.
أما ما يتعرض له التنظيم من خسائر “فهي سنّة الله في الابتلاء، وهي لا تتبدل ولا تتغير”؛ هكذا يحوّل الرجل مفهوم الخسران إلى سنّة ابتلاء للمؤمنين الذين سيخلفون الأرض ومن عليها ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾، ويختم المنغاوي: “فإنّ انحسار بعض الولايات في العراق والشام لا يزيدنا إلا تمسّكاً بالعهود ووفاءً بها”، ثمّ يدعو مَن حوله للاقتراب، ثمّ يجدّد البيعة.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular